الناقد الشاعر عبد الكريم الناعم ينتصر للإيقاع الشعري في وجه طوفان النثرية ضمن كتاب “نافذة لأقمار الشعر”
سنختار في كل أسبوع كتاباً للقراءة بغية التمتع بالمطالعة زمن الحجر ,وكتابنا اليوم بعنوان:”نافذة لأقمار الشعر “للأديب عبد الكريم الناعم” وهو قراءة تحليلية جمالية في نصوص شعرية لمجموعة من الشعراء ,صدر الكتاب عن اتحاد الكتاب العرب وحمل الرقم 13 في سلسلة الدراسات التي يصدرها الاتحاد, بلغت صفحاته المئتين ,من القطع الكبير . بين فيه الشاعر الناعم المنهج الذي اختاره في قراءة النصوص بعيداً عن المدارس والمذاهب النقدية التي تعتمد القراءات البنيوية التفكيكية والتعصب لها برفض أية مناهج جمالية تحليلية ,وقد أوضح أن الذين شملتهم دراسته هذه هم أقمار معروفة في سماء الشعر,منهم من كتب عن مجموعة شعرية صدرت لهم ومنهم من أخذ لهم نصاً واحداً يمثل إلى حد ما ملامح التجربة الشعرية لديه مبيناً انه منحاز لقراءة الشعر بروح شاعر, بعيداً عن الحقول التي حولت النص الشعري إلى ظواهر وإحصاءات خارجية وتفصيلات في السطح . في البداية تناول الأديب الناعم تجربة الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد وبين أن التفاؤل بالعودة لأرض الأجداد فلسطين المحتلة أهم ما يميز مضمون القصائد أما من حيث البنية الفنية فقد توقف عند ملامح عديدة يتفرد بها الشاعر أبو خالد ومنها الملحمية فقصائده ذات نفس طويل ,متدفق,منذ اغتصاب فلسطين حتى الآن وعناوينه تشي بذلك على سبيل المثال قصيدة بعنوان:”العوديسا الفلسطينية” , و”تغريبة خالد أبو خالد “,”معلَّقة على أبواب جنين”,موضحاً أن الغنائية والصور المبتكرة والتدفق والتكثيف والتماهي أهم مميزات الملامح الفنية في شعره . ثم ينتقل الأديب الناعم إلى تجربة الشاعر العراقي حميد سعيد من خلال قصيدة طويلة له بعنوان :”من أوراق الموريسكي”كتبها الشاعر في السنة السابعة لاحتلال العراق من قبل الاحتلال الأمريكي ,وبين أن الموريسكي هم أهل الأندلس من العرب المسلمين الذين أُخرجوا من ديارهم بالقوة ,واتجهوا باتجاه المغرب العربي ,حاملين جراحهم. فند الأديب الناعم الملامح الفنية في شعر حميد سعيد ومنها اللغة الهادئة واصطياد الصورة الشعرية المشحونة بالوجدانيات والسرد الشعري الرفيع دون قافية إلا ما ورد عفو الخاطر. ثم يفرد المؤلف نصاً نقدياً لتجربة الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح من خلال نص من مجموعة بعنوان:”بلقيس وقصائد لمياه الأحزان” موضحاً أن الشاعر لم يستخدم الأسماء الموصولة في هذا النص على الإطلاق ولم يستخدم أحرف الجر إلا في ثلاثة مواضع مما يدل على حساسية شعرية عالية فيما يخص تركيب الجملة وفيما يتعلق بما قد يرهلها وهذا لايتأتى إلا بعد دربة ومران . ثم ينتقل الأديب الناعم إلى قصيدة بعنوان شجرة التكوين للشاعر السوري محمد عمران يتتبع من خلالها الإيقاع الصافي لتفعيلة البحر المتدارك والقافية المتداولة بين الراء الساكنة والباء الساكنة ,معللا ذلك برغبة الشاعر بالربط بين المرأة والطبيعة. ثم يتابع الناقد الشاعر عبد الكريم الناعم تتبع ملامح الشعرية والتفرد في قصائد لشعراء كثر ,هم كما ورد ذكرهم في الكتاب : الشاعر اللبناني شوقي بزيع والشاعر العراقي سامي مهدي والسوريون: عصام خليل , صقر عليشي ,الدكتور خليل الموسى ,صالح سلمان ,فؤاد نعيسة ,د.حسان الجودي ,بهيجة إدلبي.ثم ينتقل للحديث عن كتاب الشاعر والناقد العراقي ناهض حسن الذي يتحدث فيه عن “القصيدة الحرة لدى الماغوط ” ويبين أن تلخيص كتاب نقدي أمر في غاية الصعوبة ويفسر ذلك بالقول:ص” 156″ أعتقد أن تلخيص النقد أمر من الصعوبة بمكان ,لأنه هنا ليس أفكاراً ,ولا جداول مرصوفة ,بل هو قراءة جمالية تفقد الكثير من متعتها ونظلمها لو سعينا إلى تلخيصها “وفي الحقيقة هذا ما واجهته,وأنا أقرأ في هذا الكتاب النقدي فجميع ما ورد فيه من دراسة تطبيقية هو من الدرر الثمينة التي يبحث عنها أي شاعر أو ناقد يريد لتجربته أن تتطور وقد انتصر الشاعر الناعم لإشكالية عالقة في كتب النقد حول الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر وبين أن النصوص النثرية لا تفقد قيمتها إذا لم تسمَّ شعراً فقال واصفاً الإيقاع في القصيدة :ص” 161:”هو شرط إبداعي وليس لتقييد الإبداع ويستطيع من يرى فيه قيداً يحدُّ من حريته ,أو من لا يتقنه أن يبتعد عنه ,وليكن ثمة اعتراف بأنه لا يستطيع كتابة القصيدة الإيقاعية الموزونة وهذا لا يلغي قيمة النص الجميل ,ولا يصادره.” شكرا للناقد عبد الكريم الناعم الذي ما عرفناه إلا حامل لواء الشعر والفن والأصالة على هذا الكتاب الثمين الذي اتبع فيه التطبيق بالمثال والبرهان ,مقتاً للتنظير وقد ظهر الجهد الكبير والنبيل في تتبع ملامح الشعرية في هذا الكم الكبير من التجارب.
ميمونة العلي