الكثير من الأدباء حولوا أجواء الحجر الصحي إلى بيئة مؤاتية لكل إبداع بعضهم يحارب لينهي مشاريعه المؤجلة ,والبعض يكتب ما كان يراوده خلال سنوات وقد منعته من ذلك الحياة الصاخبة بالعمل, فضلاً عن أن هناك شعراء كسروا الحجر الصحي ببث قصائد لهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقد قرأت أن العزلة ألهمت العلماء الكثير من الاختراعات المهمة التي غيرت تاريخ البشرية, ففي القرن السابع عشر عندما تفشّى الطاعون اعتزل «اسحق نيوتن» مدينته لندن واستمر بأبحاثه فاكتشف الجاذبية، وقانون “التفاضل والتكامل” وقرأت أيضاً أن الكثير من الروايات الخالدة كُتبت في زمن الأوبئة والحروب ,تماماً مثل ما نحن فيه الآن من حجر صحي وحرب لم تنته بعد, فشكسبير كتب :«الملك لير» و«ماكبث» و«أنطونيو وكليوباترا» خلال عزلته الصحية نتيجة الطاعون ، أما الكوليرا فقد ألهمت الأديب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز روايته الشهيرة “الحب في زمن الكوليرا”وألهمه الحجر الصحي روايته “مائة عام من العزلة ” كما ألهمت الكوليرا الكاتب الروسي «أنطون تشيخوف» فكتب «العنبر رقم6» و«الراهب الأسود».
من هنا وبعد ما يقارب الشهر من الحجر الصحي طرقنا عزلة عدد من الأدباء السوريين وسألناهم :عما يقرؤون وينتجون ,فتباينت إجاباتهم ,منهم المتفائل ومنهم المتشائم ومنهم “المتشائل” وهو عنوان رواية كما نعلم وجاءت الإجابات كالتالي:
الأديب محمد حديفي عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب ورئيس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي قال: في أوقات الحجر ومع انتشار هذا الفايروس الخطير على مساحة الكرة الأرضية يتوزع المرء بين عدة أفكار تتناهبه ,فهو إما متابع لما يحدث في العالم من قلق واضطراب من خلال تتبعه لما يكتشفه الأطباء وأصحاب الشأن أو من خلال لجوئه لوسائل تسلية كي يقاوم الضجر الذي يداهمه , فتراه حيناً يقرأ في كتاب وحيناً يتواصل مع أصدقائه ليطمئن عليهم ويقضي أوقاته التي تمر ثقيلة متباطئة وككاتب ربما وجدها فرصة سانحة ليكمل مشروعاً إبداعيا بدأه ولم يكمله ,بالنسبة لي ترافق الأمر مع سفري لبلد عربي يقيم به أولادي وما إن وصلت هذا البلد حتى استفحل المرض فأقفلت المطارات و الأسواق و الأماكن العامة ,وعندها صارت الأيام والساعات تمر بطيئةً وثقيلةً في آن معاً وهنا علي أن اعترف بأنني حتى الآن قرأت كتاباً واحداً وكتبت قصيدة واحدة وأنا الآن أحس بالقلق الشديد فأنا خارج حدود بلدي وما يخفف الأمر علي أنني بين أولادي لكن الغموض الذي يلف الكرة الأرضية وعدم التوصل لعلاج ناجح لهذا الفايروس في ظل التهويل الإعلامي يعتبر من العوامل الهامة التي تزيد من قلقي وعدم قدرتي على اتخاذ القرارات في ظل الظروف أنفه الذكر لا أدري ماذا سيحدث غداً واعتقد أن هذا الوضع ينسحب على كثيرين مثلي مع فارق واحد أنني بعيد عن ارضي وتراب وطني وهذا بحد ذاته عامل يزيد قلقي وعجزي عن إيجاد نقلة في حياتي إلى الأمام كما كنت قبل زمن الكورونا…
كل الذي ارجوه أن يكون هذا الفايروس الصغير الذي أربك الكرة الأرضية دافعاً لأصحاب القرار في العالم للالتفات إلى صون حياة الإنسان وصحته وكرامته ,قد أعود بعد أيام أو بعد شهور لا ادري ولست ادري أيضا إلى أي جهة من النشاط أو الكتابة أو التأليف يأخذني الطارئ القادم إلينا رغماً عنا ودون إرادتنا.
الأديبة السورية مريم ملّا لها العديد من الروايات والمجاميع القصصية والشعرية منها على سبيل المثال لا الحصر رواية شجرة التين تؤرخ فيها للقضية الفلسطينية قبل وبعد ١٩٥٧_ ١٩٦٧ ورواية الليل الأبيض تتحدث فيها عن العلاقات الاجتماعية التي بدأت تذوب في أوائل التسعينات , عن كيفية قضاء وقتها في زمن الحجر قالت: كثيراً ما تراودني فكرة كتابة مذكراتي خاصة وأنني أدون يومياتي منذ ٣٨ عاما حتى اللحظة … أكتب ثم أمحو …قلق رهيب يعتري قلمي .. وجدت صعوبة في البدء بالكتابة أعوام طويلة لا اعرف من أين أبدأ وأحداث كثيرة وأحتاج لهدوء كبير واستقرار نفسي لكن بهذه الظروف لا أعتقد أنني استطيع فأنا أعيش مرحلة القلق والتوتر … ولكنني سأخرج منتصرة على كل ذلك بنتاج جديد .
عبد الغني ملوك قال: القراءة والكتابة لم تشعرني بالحجر أبداً وأرى أنه بالحب وحده نعالج أي وباء مهما تفشى وقد تطرقت لمثل هذا الموضوع في روايتي السابعة :” جسر على نهر جاف” فالبطلة المصابة باللوكيميا (سرطان الدم) انتصرت على هذا المرض بالحب الصادق والإرادة والتصميم على الشفاء وكانت الوسيلة الرجوع إلى الطبيعة والعيش من خلالها .
الأديب سامر أنور الشمالي يساعد الراغبين بالقراءة للكتب الإلكترونية المتوفرة لديه يرسلها لهم كعربون محبة ثقافي ويواصل إنتاجه وقراءته ولكنه متشائم فيرى أنه في الظروف الراهنة ليس للأدب تأثير يذكر في حياة المجتمعات، ويضيف: لا أنكر أن الأدب قام بمهمات خاصة في القرون الماضية ضمن أطر ضيقة، ولكنه نفسه قام بمبالغات فنية عند تناولها لأنه كان يطمح إلى حدوث معجزة لن تحدث أبدا, الأدب في حقيقة الأمر هواية يمارسها نخبة من المبدعين المحترفين، أو الذين تراودهم أحلام الإبداع وهي هواية متعبة، وتدعو إلى الكآبة، ولا يقاربها بالفعل إلا من لديهم ترف فكري وحساسية مفرطة، وتلك الشريحة قد يتراجع دورها في السنوات القليلة القادمة تحت تأثير سطوة الاقتصاد.. والعلوم…
نتابع في العدد اللاحق لقاءاتنا مع الأدباء.
ميمونة العلي