إن الاتجاهات الفنية في الحركة التشكيلية السورية لم تأت من فراغ ، بل هي تكامل للحالات الإبداعية فكرا ً وفنا ً، وأن شخصية الفنان التشكيلي حديثا ً قد شكلت مجالا ً رحبا ً ومغريا ً للدراسات والتحليلات والذين وجدوا في شخص الفنان مادة خصبة لدراساتهم وأن الفنان الحقيقي يشعر أثناء عمله الفني الإبداعي بمتعة عارمة هي متعة الإبداع وهي متعة ذات نكهة خاصة وفريدة لاتضاهيها متعة أخرى على الإطلاق ، غير أن هذه المتعة سوف تتضاعف إذا أمكن للآخر مشاركته بها ، حيث أن موهبة الباحث تتركز عادة على موضوعه ، أما موهبة الفنان فهي تتوجه إلى موضوعات عديدة وعاطفة الفنان مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بقدراته الكبيرة على الملاحظة الدائمة للواقع الحقيقي ، بألوانه كافة لارتباط عاطفته بهذا الواقع إذ إن عاطفته وقدرته على الخيال والحدس ، لاتلتهب في شعلة مضيئة ما لم تؤججها شعلة الحياة وخيالات الإبداع .
إن قوة الخيال الإبداعي للفنان الحقيقي، تعتمد على الحالة الصادقة للواقع ، خلال عملية ملاحظته ودراسته للفن الواقعي ، لكن الواقعية بجوهرها تعاني التجريدية الفنية بتفاعلاتها المتنوعة التي تمارسها الطبيعة الصامتة بتدرّجات ظلالها ، بمعنى آخر الإلهام الحقيقي لاينتاب الفنان إلا عندما تستولي عليه الحياة بكل غنى مظاهرها وبكل عمق محتواها، فالفنانون الحقيقيون بغالبيتهم هم أناس عصرهم ليس بفنهم فقط ، وإنما في الجمال الاجتماعي الواسع، وهكذا فإن الفنان إنسان عصره ومرآته في آن معا ً، على أن يعكس بوعيه مشاعرهم وآراءهم ، ويتعاطى مع الناس يشاركهم المعاناة مشاركة وجدانية عميقة ، وليس عبثا ً أن يُقال بأن المبدع الحقيقي هو حاسة بلاده بشتى الوسائل والاتجاهات .
بالمقابل ولكي يكون الفنان محل هذه الخصائص مجتمعة لابد من مقدرة على التخيل وتجميع الرؤى وخلق الجديد المتميز من أشكال الفن ، فأبرز سمة للفنان هي مخيلته المبدعة ، وخلق الصور الفنية الجديدة التي ينعكس فيها الواقع بصورة تراجيدية ولكي تكون ثمار المخيلة المبدعة متاحة للآخرين، ومؤثرة ، ولكي ينجح الفنان في مهمته الإبداعية لابد من امتلاك موهبة أي مجموعة منعرجات مهنية خاصة قادرة على التجسيد العملي لثمار المخيلة الإبداعية ، وعلى هذا الأساس فإن للفنان رسالة عليه أن يؤديها في الحياة وتتعدد أشكالها، لكن في جوهرها تبقى واحدة كقيمة وأهمية وقدرة على التأثير في الأجيال الحالية ونقل رسالته إلى الأجيال القادمة .
وسيم سليمان