لكآبة المسنين أسباب .. وعلاجها مرتبط بالعلاقات الأسرية

كل منا يساهم بطريقة أو بأخرى في تقديم مساعدة لوالديه أو جديه ، لعلمنا أنهم قد كبروا بالعمر ويحتاجون لمساعدة منا وذلك عرفانا لهم بما قدموه لنا في حياتهم ، ولكن كثير من كبار السن لا يقبلون المساعدة لاقتناعهم أنهم مازالوا أقوياء البنية أصحاء لا يعانون من أي مشكلة كانت صحية أو اجتماعية ، وبالمقابل هناك نوع من المشاعر ينتابهم  دون أن يعرفوا أنه شعور الاكتئاب ، وهو أحد  المتاعب الشائعة، ومع ذلك يصعب تشخيصه نظرا لتشابه أعراضه مع أعراض أمراض أخرى.

كان يجلس في الحديقة المجاورة لمنزله كل صباح يحمل عكازه ويحرك بها الأعشاب المجاورة لمقعده ، تراه تارة ينظر إلى السماء وتارة أخرى إلى الأرض ، وتمتلئ عيناه بالدموع أحيانا كثيرة ، ويبقى على هذه الحالة طيلة النهار .

كل من ينظر إليه يعلم أن هذا المسن يشعر بالكآبة والحزن ولكن تبقى الأسباب المباشرة مخفية ولكن الأسباب العامة معروفة لدى الجميع .  

  فالاكتئاب لدى المسنين له أسباب عدة، منها فقدان شريك الحياة أو شخص عزيز على القلب، أو الإصابة بأمراض خطيرة، أو الإحساس باقتراب الحياة من خط النهاية. أو التقاعد عن العمل لعلمه أنه يزيح مكان عمله لمن هو أصغر منه سنا وأكثر نشاطا.

لدى سؤالنا العديد من المتقاعدين الذين أنهوا عملهم الوظيفي منذ سنوات خلت عن شعورهم مابعد التقاعد أكدوا أنهم فقدوا بريق الحياة التي كانت بالنسبة لهم متمثلة بالعمل والتعامل مع المراجعين وممارسة عملهم الوظيفي مهما كانت طبيعته حتى وإن كان شاقا .

وأكد لنا أبو محمود وهو على مشارف السبعين أنه حاول قدر الإمكان أن يتجاوز مرحلة الحزن والكآبة التي ترافق الانتهاء من العمل الوظيفي الروتيني وذلك بالاتجاه إلى العمل الحر ، وهذا الأمر حماه لفترة من الزمن ،  ولكنه اليوم بدأ يشعر بالإرهاق والتعب وينتابه شعور أن العمر أصبح يجري بسرعة كبيرة ما يؤدي به في بعض الأحيان للشعور بالكآبة .

وهذا ما يؤكد محاولة البعض من المسنين مقاومة  الأعراض النفسية والجسدية لهذه المرحلة من العمر ، والتي تتمثل في الشعور بالحزن والكآبة، وفقدان الأمل والدافع ، وعدم الإحساس بقيمة الذات، إضافة إلى الإرهاق المستمر والخمول، مع استمرار هذه الأعراض على مدار فترة زمنية طويلة .

وقد حدثتنا الدكتورة جمانة – اختصاصية الطب والعلاج النفسي أن مريض الاكتئاب يعاني من اضطرابات الكلام والذاكرة، وهي أعراض تنذر أيضا بالإصابة بالخرف.

ولا يتمكن مريض الخرف من تذكر التاريخ أو معرفة مكان وجوده الحالي، بينما يمكن لمريض الاكتئاب معرفة ذلك. ويمكن الفصل في ذلك بشكل قاطع عبر إجراء فحوصات أو تصوير بالرنين المغناطيسي .

عندها يتم  علاجه بواسطة العلاج النفسي أو الأدوية أو بكليهما، إضافة إلى المواظبة على ممارسة الرياضة والأنشطة الحركية، طالما أن الحالة الصحية العامة تسمح بذلك .

ومن المهم أيضا مواجهة العزلة بالانخراط في الأنشطة الاجتماعية وممارسة الهوايات ومقابلة الأصدقاء والمعارف بانتظام، حيث يسهم ذلك في رفع الروح المعنوية وتحسين الحالة المزاجية واستعادة الإحساس بقيمة الذات .

ويُفضل  تشخيص نوع الاكتئاب الذي يصاب به كبير السن  لأنه متعدد الأنواع كالاكتئاب الداخلي الذي يشعر به  صاحبه والاكتئاب الشديد وضعف النشاط المترافق مع نقص في الوزن والشعور بالذنب مع الأرق والاستيقاظ المبكر،  وهناك الاكتئاب العصبي الذي لا يصاحبه جمود وهو متصل بالواقع ويعرف ذاته جيدا ولا تراوده الهلوسة ويسعى صاحبه للعلاج، أما الاكتئاب الذهني فيصاحبه جمود  وعدم التعاطف الشعوري مع كره للذات وتراوده فكرة الانتحار ولا يسعى للعلاج.

عندما يعرف الشخص إصابة أبويه أو جديه أو أي من  أقاربه المسنين بكآبة سريرية أو كآبة مؤقتة ناتجة عن الشعور بالحزن والملل من الوحدة، يجب عليه أن يكون دائم التواصل معهم والسؤال عن أحوالهم ومحادثتهم. فغالبية المسنين يفضلون الانعزال عن الآخرين ، ويختلف معدل الإصابة بالكآبة من جيل إلى جيل، ومن ثقافة وبيئة إلى أخرى، فالمرضى المسنون هم الأقل تحدثاً عن معاناتهم من مشاكل نفسية وسوء المزاج، ويرجع ذلك إلى كونهم نشأوا في فترة كان التوجه السائد فيها هو كتمان أمر الأمراض النفسية، أو تحمل فضيحة أن يعرف الآخرون أنك مريض بالكآبة، فمرض الكآبة كان يُنظر إليه إلى وقت قريب من قبل فئات عديدة في المجتمع وكأنه عيب، وظل الكثيرون يتوجسون من الحديث عنه خشية أن يُتهموا بالجنون أو الخرف، فالكآبة ظلت طيلة الفترات الماضية مُرادفةً للضعف الشخصي والنقائص الذاتية المحرجة، ولم يعتبره أحد أنه  مرضاً عصبياً عادياً كغيره من الأمراض.

أما الجيل الحالي من الشباب ، فهم أكثر مواءمة  مع الأمراض النفسية بشكل عام، وأكثر استعداداً للتعاطي معها بإيجابية، فهم يعتبرونها مرضاً عارضاً قابلاً للعلاج وانتهى الأمر.

وبشكل عام يؤكد الأطباء الاختصاصيون أن أقوى الأسلحة لمواجهة شبح كآبة الشيخوخة هي استدامة العلاقات الأسرية والاجتماعية، والتمتع بدفء الأولاد والأحفاد، والمواظبة على أنشطة تُغذي الروح بقدر ما تُغذي الجسد، كالمطالعة وممارسة الرياضة والأعمال الزراعية البسيطة والاهتمام بحديقة المنزل,  وإن كان  يتمتع بصحة جيدة فلا مانع من ممارسة عمل ما حتى لا يفقد التواصل مع الحياة ولا يفقد  دوره الاجتماعي ، فكل إخلال بميزان حاجات الروح والجسد يجعل الشخص نفسه يدفع الثمن.

منار الناعمة – عبير منون

المزيد...
آخر الأخبار