تتألف القصيدة الومضة من تناظر شكلي يتوازى فيه عمودان أ و ب و هما :
– أ – |
– ب – |
(( لمبةٌ )) هذا الجسدْ |
(( لمبةٌ )) هذا الجسدْ |
مِنْ خلايا النَّشوةِ الأولى |
مِنْ خلايا الطَّاقةِ الأولى |
يفيقْ |
يفيقْ |
أمْ يوافيهِ اشْتعالْ |
أمْ يوافيهِ احْتراقْ |
و هْوَ في ليلِ الحريقْ؟ |
و هْوَ في نصفِ الطَّريقْ ؟ |
يتوزع هذا النص حسب مكوناته اللغوية وفق التصنيف الآتي :
بلغ عدد الكلمات في أ و ب ثلاثين كلمة موزعة حسب الآتي :
الأفعال |
الأسماء |
أسماء الإشارة |
الضمائر المنفصلة |
المتصلة |
النعت |
حروف العطف |
الجر |
الاستئناف |
4 مضارع |
16 اسماً |
2 |
2 |
2 |
2 |
2 |
4 |
2 |
يوضح هذا التوزيع للقصيدتين أ و ب وعي الشاعر للتجربة التي يخوضها ، إذ تقوم على تناظر شكلي يعتمد ثنائية تتوازى فيها المكونات اللغوية في العمود أ مع المكونات اللغوية في العمود ب من خلال تقابل الأسماء و الأفعال و حتى الحروف ، إذ يتكون كل عمود من خمسة عشر لفظاً موزعة توزيعاً متعادلاً من حيث الصيغ .
المقطع أ كما في المقطع ب ينقسم إلى :
الضمائر |
الأسماء |
نوعه |
||||
متصل |
منفصل |
نكرة |
معرفة |
اسم إشارة |
مفرد |
جمع |
هو |
(( هو )) |
لمبة |
الجسد |
هذا |
الطاقة |
خلايا |
اشتعال |
الطريق |
الأولى |
||||
نصف |
إن هذا التناظر الدقيق يجعل من الشاعر ذا مشروع تجريبي لا يحاول فيه إظهار مقدرته اللغوية و حسب ، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة ابتداع أسلوب تعبير يقوم على تطويع اللغة عبر علاقات لغوية مكثفة تقوم على تشابه البداية التي يستهلها بــ : المكون الاسمي : لمبة هذا الجسد الذي يحاول فيه تقديم حقيقة الخلق الأولى عبر تجسيد الوجود الإنساني بدلالات المنتج الحضاري المادي : ( لمبة) ، و في هذا التجسيد ما يُقرّب النص من مرجعيته الدلالية التي ينطلق منها و يؤسس عليها ، إذ يتماهى المادي بالمعنوي من خلال تشابك دلالات المفردات التي تعيد إلى فكرة الولادة باستنتاج علاقة السبب و المسبب ، فالنشوة الأولى سبب في إيجاد الجسد المضيء ، كما أن الجسد المضاء ، إنما هو ناتج عن هذه النشوة غير المسبوقة التي يحاول الشاعر أن يسبغ عليها بُعداً مثالياً يرتقي من خلاله بالإنسان إلى عالم الخير و النور و نوازع الوجدان الطيبة ، و لذلك يبدو الشاعر ميّالاً إلى منح نصه نزعة تأملية تشف عن توقٍ فكري في رغبته إشراك الآخر فيه من خلال طرح تساؤلات تعكس الهاجس القلق لدى الشاعر و الشاغل له في تفسير معضلة الوجود ، و الوصول إلى معرفة حقيقة الحياة و ماهيتها التي تبقى مستعصية على الكشف ، ليظلَّ لغز الحياة حافزاً يدفع بالفكر و الشعر معاً على التساؤل في محاولته العبثية معرفة الحياة و ناموسها المتحكم في الطبيعة التي لا ينظمها منطق ، ليبقى التساؤل مشروعاً و البحث عن جواب غاية الوجود و جماليته المُحفّزة على الاستمرار ، و لعلَّ البعد النفسي لا يغيب عن هاتين المقطوعتين من خلال علاقات التوازي و التماثل على الرغم من هذا التوازي الشكلي الذي يوحي بالتنابذ و التباعد، فإنَّ المقطوعتين تلتقيان في طبيعة التساؤل الذي لا يبدو باحثاً عن جواب ، لأنه تساؤل المستكشف العارف قدر غايته في إثارة الآخر و تحريضه على المشاركة في دلالات النص و مراميه الأخيرة عبر البعد الفلسفي الذي لا يتأنّى من خلال التنظيم و التوزيع و تساوي عدد المفردات و يكتشف الإيجابيات و حسب ، بل يتعدَّى ذلك إلى البنية اللغوية التي تقوم على علاقات إسناد متوازية.
تعكس القصيدة الومضة وفقها توازيها دلالات نفسية ترتبط بفكرة الخلق و الولادة ، فالاسم لمبة يبدأ فكرة ، و هو موجود بالقوة ، لأنه منتج حضاري مادي تماماً كما هو الجنين الذي يتشكّل في بطن الأم ، ثُمَّ تتضح سيرورة هذا الجنين ، ليتحول إلى اسم إشارة ، إذ يبدأ هذا المولود بأخذ سماته الوجودية ، ليأتي بعد ذلك الاسم المُعرَّف : (الجسد ) الذي يمنح هذا المولود حيزه المكاني من خلال إعادة الحديث عن مكوناته ، و هي التي عبّرت عنا شبه الجملة (( من خلايا )) و للجمع المؤنث هنا دلالته التي تفيد على المستوى الدلالي الحالة الإرجاعية للمرأة الحاضنة التي تجعل هذا المولود يظهر إلى الحياة و الوجود من خلال لحظة سكون و ثبات أشار إليها التركيب الوصفي : (النشوة الأولى) ، لكنَّ هذه السيرورة تتعطَّل على المستوى النفسي بما يعترض هذا المولود ، فيُعبّر حرف العطف عن هذا القطع الذي يفيد التحوّل هنا ، و تغيير اتجاه سير الحدث من التصاعد إلى الهبوط ، و من الحركة إلى السكون ، ولذلك نجد أن النصف الثاني في العمودين بعد ( أم ) يغيب فيه الاسم ، و ينوب عنه الضمير المتصل أو المنفصل في قوله : أم يوافيه اشتعال و هو في نصف الطريق ؟ ، و لذلك دلالته على المستوى الإيحائي حيث التغيب اللغوي يعكس انتفاءً لحضور المولود الذي عطلت حركته من الصعود إلى الهبوط ، و هذا ما يعبر عن حقيقة الوجود عبر توازي طرفيه : الحياة و الموت ، فكما أن الحياة و الموت يقعان على طرفي نقيض من حيث الواقع إلا أنهما يتممان بعضهما بعضاً ، إذ كل حياة لا بد و أن تختتم بالموت ، وهو ما تؤكده البنية اللغوية لهاتين المقطوعتين ، فالتوازي في الشكل ينتهي إلى تلاقٍ عبر تأكيد إحدى الحالتين اللتين تشيران إلى الدلالة ذاتها ، و هي إثارة الحسّ الانفعالي لدى الملتقى من خلال سؤال يظلُّ مفتوحاً على الاحتمال و التوقع .
د. وليد العرفي