كثيرة هي الأشياء التي يريدها الوالدان من ابنهما المراهق، والواقع يقول: إن الآباء يطلبون ويريدون من الابن أن يقبل ويستجيب ويطيع وإلا اعتبروه عاقا وغالبا ما تعلق الأسباب في هذه الفترة على شماعة المراهقة…
في أغلب الأحيان لدى المراهقين أسباب دائمة ومستمرة للغضب, للخجل والتردد , وربما أمور أخرى كثيرة تطرأ على شخصيته أثناء مرحلة المراهقة ، ويقع في قمة تلك الأسباب نظرتهم الخاصة للحياة مما يجعل طموحاتهم وانطباعاتهم مختلفة عما لدى أسرهم منها، ويمكن أن نضيف إلى ذلك ارتباكهم الشخصي واضطرابهم في تعاملهم مع أنفسهم والتغيرات الجسمية والنفسية السريعة التي تطرأ عليهم خلال مرحلة المراهقة.
مهما يكن الأمر، فإن الكبير يستطيع استيعاب الصغير، وجعل هذه التغيرات والانفعالات لديه تقف عند حدود معينة بشرط الاهتمام بذلك,والخجل الزائد إحدى الصفات التي يشكو الأهل منها في هذه الفترة خاصة مع انعزال أبنائهم عن الأقران ومعاناتهم من الانطواء و الخجل.
سلوك طبيعي
الخجل ظاهرة سلوكية طبيعية موجودة عند جميع الأولاد ولكن بدرجات متفاوتة,هذا ما بدأت به الحديث سنا الأحمد “إرشاد نفسي” عن هذه الظاهرة , وأضافت : بعض الناس يفضلون الوحدة على الاجتماع بالآخرين, لأنهم لا يشعرون بالارتياح لوجودهم مع ناس آخرين, ولهذا أسباب عديدة، بعضها يرتبط ببعض التجارب السلبية التي مر بها الشخص في طفولته، مثل وجود عيوب فيه تدفع الآخرين إلى السخرية منه أو التعليق عليه، مثل التأتأة التي قد يسخر منها الأطفال الآخرون.
وأكدت أنه من المهم ألا يثير الوالدان معه قضية الانطوائية أو الخجل، إلا إذا عرضاها بشكل إيجابي، مثل قول: إن ابني حريص في اختيار أصدقائه، أو إنه يحرص على استثمار وقته في الأمور النافعة، بخلاف ما يفعل معظم الشباب من إضاعة أوقاتهم فيما لا يفيد، وهكذا, فالوالدان بهذا الشكل يبعدان عنه صفة الخجل أو الانطوائية التي قد تترسخ فيه عندما يوصف بها، إضافة إلى أنهما يفتحان أمامه أبواب الفرص الإيجابية التي تتناسب مع شخصيته.
التقرب منه
وأشارت إلى أنه قد يبدو من الصعب أن يتحول الابن ويصبح اجتماعيا مثل بقية الشباب في عمره في وقت قصير، لذلك على الأهل العمل على زيادة خبراته الاجتماعية، وليس أن يكون مثل فلان أو فلان , ولا يستغربان لو أنه تمكن من الاستمرار في السنوات القادمة وتغير بشكل إيجابي عندما يصل سن الجامعة مثلا، ولكن سيكون ذلك بسبب أخذه زمام المبادرة بنفسه, وعليهم ألا يفرضوا عليه مواقف معينة قد يشعر أثناءها بالخجل، بل يمكن إعطاءه خيارات.
وأضافت :من المهم كذلك محاولة التعرف على الأشياء التي يحبها ومساعدته فيها، مهما كانت صغيرة، فقدرته على التميز أو التفوق ستجعل شعوره بالثقة في نفسه أكبر، وبالتالي سينعكس الأمر إيجابيا على علاقته بالآخرين، ويصبح أقدر على مواجهة الناس والتغلب على مشاعر الخجل أو التخوف من مقابلتهم,وقد يحدث أن يتحدث الابن مع نفسه وينسج كلاما من خياله، فهذا ليس مؤشرا على غرابة أطواره، ولكنه نوع من التعويض الذي ربما يشعر به نتيجة خجله من مواجهة الآخرين، ولذلك يلجأ إلى التصرف بحرية عندما يكون بمفرده ويعبر عما يجول بخاطره ويحقق أحلامه ولو في الخيال, وللعلم، فكثير من الناس يلجؤون لهذا الأسلوب أحيانا لتحقيق ما لا يستطيعون عمله في الواقع، ولو كان في خيالهم, لذلك لا يقلق الوالدان كثيرا من هذا الأمر، ولا من خجله، ولكن عليهما فقط مساعدته على تقليل الخجل لديه، وجعله اجتماعيا أكثر.
تفهم طبيعة المرحلة
إن فهمنا لطبيعة مرحلة المراهقة يجعلنا نميز جيدا بين ما هو طبيعي في حياة أبنائنا المراهقين، وما هو غير طبيعي، وبناء على هذا التمييز نحدد الأسلوب الأمثل للتعامل معهم , وعلى الآباء أن يدركوا طبيعة مرحلة المراهقة عند أبنائهم، وأن يدرسوا متطلبات تلك المرحلة، وعليهم أن يعلموا تمام العلم أن الأبناء في هذا السن ليسوا مجرد متلق للأوامر أو مركز للأمنيات، وليسوا حقول تجارب يحاول كل أب أن يحقق في ابنه أماني فشل هو في تحقيقها لنفسه، وإنما الأبناء لهم عقول ولهم أفكار وعندهم أمنيات ولهم متطلبات يتمنى كل واحد أن يتفهمها والداه.. فليتنا نتقن فن الاستماع كما نتقن فن الكلام وإلقاء الأوامر.
وفي الواقع إن للمراهقين أيضا طلبات ولديهم أمنيات، وكما يريد الأبوان منهم كذلك يريدون هم من والديهم.. فماذا يريد المراهق من والديه ؟
كأننا أصدقاء
مريم قالت : أتمنى من والديّ إذا تحدثا معي ألا يوجها لي دائما النصيحة فقط ، إنما يسألاني عن اهتماماتي وأنشطتي، وعن الأمور التي حققت فيها نجاحات جيدة , وأن يعاملاني بالطريقة التي يعاملان بها أصدقاءهم .
أما عبير فقالت : أريد من أمي أن تتذكر تصرفاتها حين كانت في مثل سني، وأنا واثقة أنها لو استطاعت فعل ذلك فستدرك أنها لم تختلف عني كثيرا.
تفهم الأهل
عصام قال :أتمنى على أهلي أن يدركوا أن ما ينكرونه عليّ من تصرفات ومظاهر، هي أمور معروفة بين المراهقين، وهم يظنون أنني الوحيد الذي أفعل ذلك…
أحيانا أقول لنفسي: إن أهلي على حق، لكنني لا أستطيع أن أظهر أمام أصدقائي وكأن تفكيري قديم ومتحجر, وأن يعرف والدي أنني لم أعد طفلا، وأنني لا أستطيع الآن أن أسمع الأفكار الخاطئة دون أن أعترض عليها كما كنت أفعل عندما كنت صغيرا…إنني الآن أعرف الكثير من الأمور، بل ربما عرفت أموراً لا يعرفها أحد في أسرتي، فلماذا لا أتحدث عنها؟
بشرى عنقة – منار الناعمة