الدكتور عصام الكوسى ، أستاذ النحو والصرف بجامعة البعث ، ورئيس قسم اللغة العربية فيها له دراسات متميزة بعمقها في قضايا النحو والصرف . ولعل هذا الكتاب الذي بين أيدينا ” الضرورة الشعرية ما لها وما عليها ” يفنّد أساس هذه ” الضرورة ” وآراء النحويين القدامى والجدد فيها والكتاب صادر عن وزارة الثقافة بدمشق ضمن سلسلة آفاق لغوية .
فالضرورة الشعرية من أهم المشكلات التي تعتري الشاهد الشعري ولها أثر مهم في بناء القاعدة النحوية , وللشعر كما نعرف منزلة هامة جداً لدى فقهاء اللغة العربية .
ومعنى الضرورة : الاضطرار ، الحاجة إلى الشيء أو الإلجاء إليه ولقد فرّق النحاة الأوائل بين لغة الشعر وبين لغة النثر ، وجعلوهما بمنزلة واحدة في الاحتجاج.
لغة الشعر لغة فنية جمالية من جهة ، ولغة انفعالية تلقائية من جهة أخرى ، وهذه اللغة تخضع لضوابط وقيود يلتزمها الشاعر دون غيره , وأهم الضوابط الوزن والقافية اللذان يقيدان الشاعر ولا يعطيانه حرية التعبير التي يمتلكها الناشر ، إذ تدفعه هذه القيود إلى خرق مألوف القواعد ، وإلى الخروج من الترتيب المنطقي للكلام ، كي يتحقق له الوزن وتستقيم القافية . وهذا معناه ( خرق القواعد النحوية من أجل الوزن والقافية ) وهذا من ضرورات الشعر .
الخليل بن أحمد الفراهيدي قال : ( الشعراء أمراء الكلام يصرفونه أني شاؤوا ، ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده ، ومن تصريف اللفظ وتقعيده ، ومد المقصور وقصر الممدود ، والجمع بين لغاته ، والتفريق بين صفاته …) ولكن إذا كانت ( الضرورة ) تقضي ذلك ، فإن الأمر ليس كذلك في حالة السعة والانشراح ..!! ولكن هل ” الاضطرار ” أي الضرورة ” أمر دائم ؟!. بالتأكيد : لا .
قال الشاعر أبو النجم العجيلي :
( قد أصبحت أم الخيار تدّعي
علي ذنباً كله لم أصنع)
وكان بإمكانه القول ( فليدن مني ) ولا ينكسر الوزن ، ولو نصب كلمة ( كله ) بدلاً من رفعها لما انكسر الوزن أيضاً .. فما الضرورة الشعرية هنا ؟ما مبررها ؟!
وللضرورات الشعرية أنواع عديدة منها : الاضطرار إلى الحذف أو الزيادة أو التقديم أو التأخير في غير موضعه ، أو تغيير إعراب عن وجهه على الـتأويل ، أو تأنيث مذكر على التأويل .
لقد سمح سيبويه للشعراء بالتقعيد الشعري وهو أدنى من مستوى التقعيد الشمولي ، ليعطي الشعراء متسعاً من الحرية مقابلاً لقيدي الوزن والقافية ، بشرط ألا يخرج الشاعر على الضوابط التي حددها النحاة لهم . لأن خروجه على هذه الضوابط يقع تحت باب اللحن والخطأ .
عيسى إسماعيل