إن المجتمع الذي يخلو من الحب يشيخ بسرعة ، فهو يرمم الروح ، وسلاحنا المتبقي الذي نشهره في وجه الكراهية ، ويمد الخيوط الحريرية كي ينتشلنا من بئر الأحزان .
وفي رواية ( الحب حتى إشعار آخر ) للكاتبة ( رويدة تميم ) شيء من الرومانسية الموروثة، وبحث عن قطرة ماء في مواسم الجفاف، وارتياد لحقول القمح في صحراء الحياة للوصول إلى أرض جديدة تزودنا بأبجدية جديدة عن الحب.
وفق المعطيات المتوافرة في هذه الرواية يمكننا (نقديا ً ) تصنيفها برواية ( الحقبة ) أو المرحلة التي تهتم برصد ملامح التطور الاجتماعي سلبا ً أو إيجابا ً في فترة زمنية محددة (2011-2020) .
مدينة الرواية يسكنها عدد قليل من الشخصيات تأتي في مقدمتها (سيمازا) محامية نشيطة على قسط لابأس به من الجمال والجاذبية ، تعيش أسيرة ذكريات مؤلمة للغاية عن حبيبها الأول (عمر) الذي اضطر لبيع كليته كي يسدد تكاليف عملية جراحية لأمه المريضة لكنه يموت أثناء نزع الكلية .
( كرم ) حبيب ( سيمازا) الجديد مدرس اللغة العربية متوسط الحال في الثلاثين من عمره دائم القلق والتململ، يخضع كليا ً لتوجيهات والدته الأمية ، ولم يستطع الزواج منها لأن أمه صممت على زواجه من ابنة عمه صاحب الفضل عليه بعد وفاة أبيه ، وانتهى به الأمر مشلولاً على كرسي متحرك .
أما بقية الشخصيات (عبد الكريم ) أستاذها المحامي الذي تدربت (سيمازا) على يديه وقد أحبها بصمت من طرف واحد ..
والدتا كرم و سيمازا قادتا دفة الأحداث من وراء الستار .
يتم تقويم العمل الروائي بعظمة موضوعه ، وبقدرته على إثارة العاطفة ، فإذا كان موضوع الرواية تافها ً فلن تكون رواية هامة مهما أسبغ المؤلف عليها من فن ، أما الرواية العظيمة فيجب أن تحتوي موضوعا ً عظيما ً، وتهدف إلى مقصد سام حتى تكون رواية تستحق القراءة.
والأفكار التي ومضت بين غيوم الأحداث هي التطهر بشمس الوطن والتغني بترابه ، و إشهار شعلة الأمل في وجه ظلام القنوط واليأس، و إدانة الإرهاب .
تقول المؤلفة : “ذهب عمر ضحية العصابات الإرهابية إنه لموجع أن تجد نفسك فجأة في غرفة مشتركة لا يفصل بينك وبين عائلة أخرى لا تعرفها إلا قطعة قماش ” ” هذه الحرب التي نهشت من طبق السعادة الذي يحلم به كل منا ” لقد فرغت البيوت من الضحكات والأماني واكتظت بالشوق والحرمان ” …” الإرهابيون كائنات تخلت عن صفة الإنسانية وانتحلت ملامح البشرية كستار ”
لقد ألقت تفاصيل المؤامرة الإرهابية التي تعرض لها بلدنا منذ عشر سنوات ولغاية الآن بظلالها على بعض مفاصل الرواية بشكل موضوعي.
أما الحوار فقد جاء خادما ً لسير الأحداث وتصوير الأشخاص وعلاقتهم مع بعضهم وكان طبيعياً راقياً ملائماً للمواقف ، وسهلاً ممتنعاً وحيوياً وممتعاً و أسلوب الكاتبة تماوج بين استخدام العبارات العامية ص 21-25 وشعرنة بعض مقاطع الرواية ص 22 ، فإذا كان الجمال في البساطة فمضمون هذه الرواية بسيط جميل مارست فيه المؤلفة العملية السردية بمستوى رفيع من الإتقان تلتحم فيه التقنية بالحكاية ، والبعد الخيالي بالتأمل الواقعي ، فكانت بكاء ًعلى كتف القارئ وتربيتا ً على ظهره لتهدئة هواجسه ، وبث روح الطمأنينة في نفسه.
ولابد من الإشارة إلى أن بعض أفكار الرواية جنحت نحو الوعظ والإرشاد وهو أسلوب بات ممجوجاً ومرفوضاً بعدما استعيض عنه بالاقتداء الحسن.
العاطفة في الرواية قافلة صدق وروعة وسحر وجمال تحدوها موسيقى جنائزية تبتعد عن التكلف والزخرف الزائد ، وتنسجم مع الزفرات المتصاعدة من قلب محروق، إنها كتاب هام للأدب الشبابي الجديد يكتسح بذكاء قوانين الرواية الكلاسيكية ، ويؤسس لذائقة أصيلة جديدة .
هذه الرواية تفيض بالحيوية والإشراق والتدفق والإمتاع من خلال الصور الجديدة المبتكرة ، والمعالجة الناضجة للظواهر الاجتماعية والتحرر من العبودية الفكرية لأن الريح القوية تطفئ الشموع ، ولكنها تؤجج النار وقد جاءت بعض ألفاظ الرواية قريبة من اللغة الدارجة ولكنها رفيعة المستوى.
الروائية ( رويدة تميم ) بدأت في روايتها (الحب حتى إشعار آخر ) بمستوى عال من الحرفية والمهارة في الشكل ، وبفكر راق متقدم في المضمون.
نزيه شاهين ضاحي