احتجاج
قالت: ” أأنت فَرِحٌ وسعيدٌ بي”؟
قلتُ بِوَلَهٍ وانْشداه :” نعم وألف نعَم “
ضَاعَ الوردُ.. فقالتْ :
” إذنْ فأنتَ تُبالِغُ في حبّ نفسَك”
تساقطتْ أوراقُ الوردِ فانْكشَفْتْ .
اخْتناق
في ليْلٍ قَمَريٍّ يَطْفو على حُلُمٍ بُنّيٍّ فاتح
اقترَبَ منّي
كنتُ قدْ فَرَكْتُ ما بينَ راحتيّ بقوّة ،
وَذَرَّيْتُهُ مَسْحوقاً كذَّرِّ الغُبار،
نَفَضْتُ راحتيَّ مِمّا عَلِقَ بِهما منْ طَلْع ،
اقْتربَ منّي وقال:” ماذا فعلْت” ؟
قلت:”فَركْتُ حُروفَ اسمِها حتّى صارتْ ذُروراً
ما يُكادُ يُرى وَبَعْثِرْتُها في الرّيح”
قال:” وَلِمَ فعلتَ ذلك”؟
قلت:” هي لا ترْغَب، وأنا لاأرغب، وهذا الشّرق
الذي نحنُ فيه لا يرغب ، ولقد خِفْتُ
أنْ يطّلعَ على اسمها من أحدِ شُقوق القلب
جُلاّسٌ، في حالةِ سُكْر، أوْ تَلَصُّص، أو
مُراقبة”.
قال:” إذا أَسْقطتَ الاسمَ فماذا تَفْعلُ حينَ يَجْتاحُك الوَجعُ
الوَجْدُ، وتّدعوكَ بُروجُ الصُّراخ”؟
قلت:” سأتحوّلُ إلى كَبْشٍ ، أهبطُ في تلك اللّيلة
في أرضِ ” بابل”، أعدو في فلَواتِها،.. أَجري
بينَ خرائبِها،.. وأثغو ثُغاءً يُشبهُ الخُوار،
فلا تَعرفُ حتى الريح شيئاً ممّا أقول”…
ارتكاب
باشَقُ القرارِ في خاتَمِ خُنْصري الأيمن ،
قَدَمُ إرادتي في الأعلى من ذلك الجَبَل،
تَنَهَّدْتُ بِعمْقٍ وفرح فاخْتَرَقَ الهواءُ زُمْرةَ جَسَدي،
مُهْرةٌ من أثير تَحُكُّ رقَبَتَها بأعشابِ روحي،
غَسَلْتُ أوجاعي بالعين الحميئةِ العالية،
مَسَحْتُ عَسَلَ اسمِها عن حِبالِ حنْجرتي .. فَزقا
طائرُ الحنين
نَظَّفْتُ كَهْرمانَ الوجَع ممّا عَلِقَ به من شُواظِ المَناقيرِ
وَبَرْدِ الدّساتين،
على شِراعٍ من لَهَفٍ قائم بينَ الابريقِ والطّين هَبطْت،
شمَمْتُ رائحةَ السّنابلِ الخضراءِ وَعَبَقَ الحليبِ أوّل
خُروجهِ من الضّرع
تَلَبَّسَني جِنّيُّ الشّوق إليها فَخَرجْتُ في أزقّة المدينة
القديمةِ أعدو على صَهْوةٍ من بُكاء،
آه أيّتُها الرّخيمةُ في مفاتيح الجسد…
اعتذار
الشّرابُ … كوكَب
بيني وَبينها مَجَرّاتٌ من أزاهير
كُنّا مُمَوَّهيْنِ لِدرجةِ الخَفاء
فَراشاتٌ مِن عَبَق وَوَجَعٍ جليل..
تطيرُ في مَواكبِ روحي
العالَمُ رئتان….
عَبَقَتْ
شَمَمْتُ بِعُمْق
بالغْتُ حَدَّ السَّرَف
آنَ فَتَحْتُ ذراعيَّ كانَ العِطرُ قد انتهى
فَلَمْ أَجدْها
سامحيني يا حبيبتي
لم أكنْ أعلَمُ أنّي سآتي
على آخر قَطْرةٍ فيك..
لم أكنْ أعلم..
لم أكنْ
لمْ
وها أنا على بوّاباتِ الوجَعِ الجليلِ
أتحوَلُ إلى قُربَةٍ من دواخينِ الكلام.
إفراج
أقولُ له:
” خَلِّ أقداحَ عمريطافِحةً
بِخمرِ أعراسِك”
يقول لي :” كيف “؟
أقول:
” لِيكنْ استيلاؤكَ على قلبي
أشدَّ ما يكون
الأقصر
الهندسَةُ تقول:
” أقربُ الطّرقِ بينَ مسافتينِ هو المُسْتقيم”،
الحُبُّ يقول:
” أقْصَرُ الطُّرق
هي الطُّرُقُ المُؤنِسة”.
اللّوحة
اللّوحَةُ رائعة ،
ثَمّةَ تفاصيل لا تُرى إلاّ بعينٍ من
الإحاطةِ، والاندغام ،
ألوان،..
أوتار، ..
خُضرة،..
أُفُق،..
كَوْكَبٌ يَنْهَض،
اقتَرَب،
غَمامَةٌ من ضبابٍ لمْ تكنْ قبلَ خُطْوتين !!
اقترب،
مَساحةٌ من دُخانٍ رماديّ،
اقتَرَب ،
غابَ في اللّوحة،
لم يَعُدْ يَرى،
نَدَهْتُهُ بصوتٍ عالٍ عليه رَشَّةُ خوف،
تَشَبَّثَ بالهواء،
-“ما بك”؟!!
–” خائفٌ من سُقوطِ الإطار”..
أَلُو
لِلخريفِ لَذْعَةُ( العَرَقِ) الصِّرْف،
أنا وهي نَشِفُّ والموانئُ بعيدة،
- ” ألُو “
–” أَلُو “
-” هلْ أَعْلمتُكِ أنّي ألقيتُ القبْضَ عليكِ
وأنتِ تُطفئينَ قناديلَ قلبي” ؟!
–” الآن أعلَمُ لماذا تُحبُّ بُرْجَ القمر”.
امْتحان
حينَ ظَنَنْتُ أنّي اجْتزْتُ معابرَ اللّهَف،
صَبَّحَتْني شَجَرةٌ حانيَةٌ
تَدَلَّتْ من أفُقِ الرّغبةِ فوقَ غديرِ القلب،
العقْلُ دليل،
النّفسُ اشْتهاء ،
جاذبيّةٌ جَنَّاتيّة .. تَتَماهى مع تَقاطُعِ دركات
عميقةٍ أَخَذَتْني
خَرَجَ طائرٌ من صدري وزَقا على أوّلِ غُصْنٍ
في فمي
جاءَ في تَفسير (ابنِ لَهْبان):”
” اخْلَعْ حُبَّ امْرأتِكَ،..حبيبتكَ،.. صديقَك”
-” أيُها الحارسُ أَسْتحْلِفُكَ بأشجارِ الحَوْر السّامِقةِ
في القُدودِ الطّاغية..دُلَّني كيفَ أَخْرُج”
وقفَ الحارس على بوّابة قلبي وقال:
” أُنظُر في هذه المِرآة “، وأشارَ إلى الجبالِ
والبحارِ، والغاباتِ والسماء،
نظَرْتُ
وَجَدْتُني بَرْزَخاً
يَتَمَدَّدُ على طريقِ خارطةٍ تَطول.
عبد الكريم الناعم