في الثمانينيات من عمره , وهاهو الشاعر يوسف عمران – أبو فراس – يصدر ديوانه الأول وهو مختارات من مئات القصائد التي كتبها خلال سني حياته وفي الديوان قصائد للوطن , وللحبيبة و جزء كبير منها في تأبين أصدقائه ورفاقه , الذين سبقوه إلى دار الآخرة وجمعته بهم محبة صادقة وإخلاص ووفاء .
يختار قصيدة ( مصياف ) فاتحة لديوانه ففيها رأى النور وعاش أيام الطفولة وهي عنده الحبيبة الأولى بين المدن يقول :
أيام حبك فرحة وحنان
وهديل ورقك للحبيب أمان
ولكم بكيت على ثراك ولم أزل
أبكي وتحكي قصتي الركبان
مصياف في صبح الحياة جميلة
وسنى تداعب جفنها الأغصان
وأما مدينة حمص , فهي التي عاش فيها سنوات عمره الجميلة , هي مدينة الحب والجمال كما يقول وسنواته فيها تكاد أن تكون العمر كله يقول من قصيدته ( حمص ):
يا حمص كم ضحك الهوى بلقاك
ولكم تعذب خافقي بهواك
فيك انتشيت وذقت طعم سعادتي
وعرفت أيام الهنا برباك
ميماسك المغناج رعشة خافق
أتلو على همساتها نجواك
في جورة الشياح أيقظني الهوى
وتنشق القلب الحزين شذاك
ونسجت في الدبلان أحلام الصبا
ونصبت فيه .. للحسان شباكي
وللمرأة في شعر الشاعر يوسف عمران الكثير وغزله عفيف وفيه تصوير للحبيبة ولحالته النفسية ويخلع عليها صفات الطبيعة الجميلة يقول في قصدته ( إليك ياليلاي ) :
ليلاي يا نغم الحياة ويا أهازيج الأقاحي
يا رعشة فجرتها بدم الظلام وفي الصباح
يا صورة ضمختها بعبير آلامي وراحي
وجعلتها نجوى تغازلني على متن الرياح
فعبثت بالأمل الحبيب وخنت أنات الجراح
وإذا جئنا إلى الرثاء , فهو فن جميل مزدهر على مدى العصور والرثاء عند الشاعر يوسف عمران هو ذكر لما كان للفقيد من محاسن ووفاء وخلق طيب فالحياة تفرقه عن أصدقائه جسداً والموت يفرقه عنهم روحاً وجسداً كما يقول في رثاء صديقه :
دعني أرتل أحزاني فقد رحلوا
وسوف أندب أحبابي وما فعلوا
أبا جمال وذكرانا تؤرقني
وصورة الأمس في عيني تمتثل
أبا جمال ومالي في الحياة سوى
ذكرى الأماسي وذاك الحب يعتمل
ألملم الشوق في قلبي وأحرقه
وأشعل الجمر من ذاتي فيشتعل
وفي الديوان قصائد وطنية وقومية , وهاهو ينشد لذكرى ثورة الثامن من آذار في قصيدته ( فجر البعث ) وفيها يفخر بسورية وتراثها الخالد ويؤمن ببعثها المجيد وانتصارها على الأعداء يقول فيها:
آذار يا غضبة القدر الغضوب على العميل
يا صرخة ظمأى تفجرها المعاول في الحقول
آمنت بالحقد المقدس إذ يولول كالسعير
بالكادح المعطاء يهزأ بالجلالة والأمير
بالشعب يصنع مجده في عتبة الكوخ الصغير
بالبعث يرفع راية للنصر في الوطن الكبير
ولعلنا نختم الحديث عن ديوان (الأغاني التائهة ) بأبياته ( شاهدة قبر ) التي ربما تكون وصيته بأن تكتب على ضريحه – أمد الله عمره :
لله قلبي كم عانى بغربته
وكم تعذب في الدنيا وكم ظلما
لم يدرك الناس ما كانت حقيقته
وليس يعلم غير الله ما كتما.
عيسى إسماعيل