ذات مساء

بعد عناء يوم طويل من العمل وضع القلم جانبا ، وبالكاد تخطت الساعة الثالثة من بعد الظهر، أغلق ملف الشروط التنفيذية للمشروع الذي أمامه ليحدث نفسه قائلا: لم أشعر بالوقت وهو يمضي . لقد تعبت اليوم ! كم أنا جائع!

 سمع طرقات الباب تلاه دخول مديرة مكتبه وهي تحمل ملفا آخر : هذه هي الكشوف التقديرية التي طلبتها يا أستاذ.

أجابها وهو يدعك مقلتيه : شكرا ..تستطيعين الانصراف.

 خرجت الشابة في اللحظة التي راح يرن فيها هاتفه الجوال ، نظر للشاشة ولمح اسم زوجته عليه ، رد عليها وهو يرجع  برأسه للوراء : أهلا سوسن !

سوسن بعصبية: لمَ لمْ ترد على اتصالاتي ؟!!  أجابها ببرود : كنت مشغولا

سوسن : متى ستعود إلى البيت ؟!

  • مؤكد أنني سأعود فأنا في شوق أن آكل من تحت يديك أي شيء تحضرينه
  • – في الحقيقة لم أطبخ ، لأن أخي دعانا للغداء في المطعم بمناسبة عودتك واستقرارك في البلد
  • ولكني قلت لك أني مللت الطعام الجاهز وأنا في الغربة…اطبخي لي أي شيء ..أي شيء –
  • مثل ماذا
  • أحب أن آكل البرغل ، اشتقت للبرغل بالعدس أو البرغل بالبندورة أو البرغل بالحمص …
  • برغل؟! قهقهت سوسن عاليا ، غضب من سخريتها غضبا شديدا، أغلق الهاتف بقهر وقام من على الكرسي ووقف أمام النافذة ليدخن سيجارته في اللحظة التي راح فيها هاتفه يرن مرة ثانية…

أخذ الرجل  يرقب الساحة التي يقوم الحارس أبو سعيد بتنظيفها وهو يبتسم لأطفاله الذين يلوحون له أمام تلك الغرفة التي يقطن بها مع زوجته وأطفاله الثلاثة.

تابعت عينا عادل أبا سعيد وهو يتجه نحو أطفاله الذين كانوا يجلسون على بساط بسيط ويلعبون سوية، في هذه الأثناء كان عادل لايزال يراقب هذه العائلة البسيطة وخاصة أبو سعيد وهو يسترق النظر لداخل الغرفة… يرقب زوجته وينتظرها ، حتى ظهرت أخيراً ليبتسم لها ، ويضع لها كرسيا بجانبه لتجلس عليه وهي مبتسمة …رن هاتف عادل مرة ثانية فالتفت إلى شاشة الجوال ليلمح اسم زوجته سوسن فلم يبالِ ثم عاد ليرقب المشهد الاجتماعي البسيط المتشح بثوب القناعة وكأنه يتابع فيلما شيقا، لمح أم سعيد وهي تقرب وجهها  من أذن أبي سعيد وتهمس له عدة كلمات بخجل مخافة أن يسمعها أطفالها فيطلق الزوج  قهقهة عالية وهي تضع أصابعها على فمها تخفي ابتسامتها الخجولة، ليعود ويسمع منها ما يضحكه مرة ثانية ، سأل عادل نفسه : كم أتمنى أن أعرف ما الذي تهمسه أم سعيد في أذن زوجها حتى يكاد يسقط عن الكرسي من شدة الضحك! كم هم سعدا ء !! إنهم سعداء جدا ! يالتعاستي !! وأنا أشعر بالقهر على سنوات الغربة التي خذلت فيها أحلامي مقابل جمع المال.

. في هذه الأثناء اتجه الأطفال وراء أمهم ليساعدوها في وضع الطعام ، اختفى أبو سعيد من أمام الغرفة ، عاد عادل ليجلس وراء مكتبه محاولا لملمة كلماته التي انطفأت أمام أبواب المساء حزينة بلا قمر ويمر بخيالاته فوق رماد ذكرى عشقه لزوجته التي كانت عاشقة له و للنور ،فقد تغيرت بعد زواجهما ,ليكون وحيدا في حمل قصاصات حبه لها التي يحاول جمعها بين الحين والأخر عله يحتفظ بشيء منها.

في هذه اللحظة طُرِقَ باب المكتب ليستيقظ من قهر الذكريات فرفع صوته  مستغربا : تفضل !

فُتح باب المكتب ، دخل أبو سعيد بخجل وهو يحمل طبقا عليه صحن مغطى برغيف خبز وإلى جانبه البصل اليابس مع الملعقة ، قال  أبو سعيد : مساء الخير أستاذ عادل

-مسا النور أبا سعيد تفضل..

– شكرا…لقد لفت نظري أنك لازلت في المكتب وأعرف أنك لم تتناول فطورك اليوم ..اسمح لي أن أقدم لك بعضا من طعامنا البسيط الذي طبخته اليوم زوجتي أم سعيد ريثما تنهي عملك وتعود إلى البيت

ابتسم عادل وقال : شكرا أبا سعيد وشكرا لزوجتك

 تقدم أبو سعيد ووضع الطبق على الطاولة ليكشف ما تحت رغيف الخبز، لقد كان الطعام هو البرغل مع البندورة، ياللمفاجأة !!! سكت عادل وعيناه لازالتا معلقتان على الطبق ، فشعر أبو سعيد بالارتباك وقال بخجل : مؤكد أن الطعام لم يعجبك ولكن أعدك في المرة القادمة…

قاطعه عادل قائلا : لا لا ..أبدا أنا أعشق هذه الطبخه كثيرا شكرا لك  … رفع عادل كمي القميص وهو يستعد للطعام قائلا: اشكر زوجتك نيابة عني وهدية مني لكم دعوة غداء في أي مطعم ترغبون به غدا

 لمعت الفرحة في عيني أبي سعيد وخرج من المكتب وهو يدعو له بالصحة والعافية ليخبر زوجته وأولاده بالدعوة في اللحظة التي عاد فيها جوال عادل للرنين .

عبير منون

المزيد...
آخر الأخبار