قصيدة النثر ، على الرغم من بلوغها العقد السادس من العمر ، لاتزال موضع أسئلة وتساؤل عن أصلها وفصلها ، عن حسبها ونسبها …!.
وإذا كان السؤال مشروعا لجهة عدم انتسابها للقصيدة العربية العمودية ، واختفاء الوزن والقافية منها ، فإنها – أي قصيدة النثر – تلبس نفس الثوب وهو / اللغة العربية / دون أن تزينه بالمزركش من القوافي والمحلى بالنقوش من الأوزان ..!!
/ قصيدة النثر / أو / الشعر الحر / تملأ الساحة الأدبية ، ومن بين عشرات المجموعات الشعرية التي تعلن انتماءها لهذه القصيدة ، قد تجد بينها مجموعات قليلة تستحق القراءة والدهشة والإعجاب ..!!
وأرى أن مجموعة / الغفران / للشاعرة الأديبة المهندسة عذاب رستم ، هي من النوع الأخير الذي تعيد قراءته ولا تمل منه ، عبارات أنيقة ، وكلمات مختارة ومعان مدهشة ..
بضعة وثلاثون نصاً نثرياً تقدمها لنا الأديبة عذاب رستم وتصر على / الغفران / ولام التعريف هنا لها وقع معنوي كبير . مع باقة ورد تتصدر الغلاف ، فتواجهنا بالورد ، والذي يعطر قصائدها ويعطي الروح لمعانيها ..!!.
فاتحتها الوطن ، وحبرها الوفاء .. نقرأ من قصيدتها / فاتحة الوطن التي تتصدر المجموعة :
حين تطبع الشمس
قبلة الفجر على التراب
أقرأ باسم الحب الأعظم
عنوان فاتحة الأرض
في كتاب التراب المقدس
من فيض الوجد
اتخذ دماءنا حبراً للقلم
تبحث الشاعرة عن / وحدة / تارة بينها وبين الآخر ، الذي تفتقده ، وتأمل عودته المستحيلة ، وحدة بين / الشمس والقمر / أي بين الذكر والأنثى فتزداد الحياة خصوبة وخيراً وحدة بين / الأهل / و/ الأرض / والوحدة التي تجمع هذه الثنائيات التي تكمل بعضها البعض تجعل الحياة أرقى ويصير الإبداع شعراً ونثراً ، وذاكرة تشتعل بهما . نقرأ :
لنعد القمر
أن نعيد له النجوم
تحوم حوله
كما الفراشات حول النور
تضج السماء من صخب الاحتفال
قران الشمس والقمر
نراقب اتحادهما
نترجم حضورهما
أشعاراً نارية على سطح المياه
وهذا المشهد الزاخر بالحياة والنبض والحركة يصنع الحب الأعظم أو الهوى ، ويصنع الغفران ، يبدد العتمة كما تبدد أشعة الشمس ظلمة الليل فينبثق النور …
تقول الشاعرة:
يالعجب الهوى .. وأفعاله
عليه تخطي المستحيلات
يسكن عمق الأرواح
وبالغفران نتبادل
أحاديث حنين الليالي
لضوء الشمس
في هذه النصوص تبرع عذاب رستم في تصوير الحالة الراهنة للأنثى الرقيقة الحالمة بعودة الحبيب ، وسيادة الحب والغفران ، لتكون الحياة جديرة بأن تعاش . وحيث يبقى الورد آمناً في حضن الوطن الذي يتماهى مع حضن الحبيب . تقول في قصيدتها / أعطني الأمان /:
كل ليلة
يغفو القمر في موعده
على وسادة من الأحلام
تصحو العيون .. خدود كالرمان
أترك عطري غافياً في وردة نسيتها
أحاول النجاة من الغرق أكثر
في عينيك الهاربتين مع الفجر إلى السلام
القمر والعطر حاضران دائماً في قصائد الشاعرة عذاب رستم. القمر شاهد أزلي على عذابات الفراق ونار الشوق والحنين ، والعطر رمز للحبيب والحب . وعندما تخاطب القمر كأنما تخاطب الحبيب الذي غادر بطلاً شهيداً … وهو يرسل القمر ليمسح دمعها بدلاً عنه وليسهر معها بدلاً عنه أيضاً . تقول في قصيدة / مع سبق الإصرار /:
أيها القمر
بسري لا تبح
لا تقل من خلد اسمه
بين صفحات الضياء
كتب الدمع على خدي حبه باق أبد الدهر
أيها القمر .. لا تعاتبني و أنت تدري ما جرى
في الفؤاد من سهر وعناق لنور وجهه
روح الحبيب لا تفارقها . هو عناق روحين والقمر شاهد والعطر شاهد . حكايا لاتحصى وورد يتفتح والدموع تسقي خديها كما الندى يسقي الورد في صورة باذخة في المعنى والجمال تقول :
مازلت أنا أحدث الورد عنك
أحدث القمر عنك
يتساقط الندى كما الدموع..
قصيدة النثر تزهو على يد الشاعرة عذاب رستم , تكثيف لغوي وصورة مبتكرة وكلمات نابضة .. وكل هذا يعلن أن هناك اسماً سيكون له شأن في عالم الأدب هو / عذاب رستم /
عيسى إسماعيل