قصة… وردة جورية من أجلها ..!!

 دموع  صامتة تذرفها بغزارة ،وهي تعانق  أمها وشقيقيها،  عند الباب  لايسألها  أحد من أفراد الأسرة عن سبب عودتها ، لأنهم يدركون  السبب.

 بعد ستة أشهر  عادت / سمر/ لتعيش معهم في كنف بيت  قديم  بني من الحجارة السود .

  ستة أشهر  ذاقت  خلالها صنوف القهر والغضب وتحملت  أذى لاتستحقه وهي الوادعة الرقيقة المدللة لأنها الابنة الوحيدة في الأسرة .

 حضر فجأة إلى القرية ، من المغترب ، بعد أن هاجر مع أسرته قبل خمس وثلاثين سنة ، كان وقتها /ماهر/ الذي أصبح اسمه / مارك/ في الخامسة عشرة من عمره ، يقال  إن أسرته  بعد كفاح لسنين عديدة ، أصبحت ثرية ، وأن والده يمتلك  مصنعا ً في / لوس أنجلوس / للمرطبات والعصائر .

عندما وصل البلدة ، استأجر فيلا  كبيرة تحيط  بها مزرعة  صغيرة  كما استأجر سيارة فاخرة وراح كل يوم يزور أسرة من أقربائه ، وعندما أرسل من يخبر أهل  /سمر/ بموعد زيارته  لهم  ، بحكم القرابة  التي تربطه بهم ، فأم مارك واسمها /نجاح/ هي ابنة خالة أم سمر ، عندما  خرجت الأسرة إلى الشارع لاستقباله ، كان يحمل  بيديه كيسين كبيرين فيهما هدايا متنوعة ، لقد أصر الزائر على معانقة مستقبليه بما فيهم سمر وأمها، على عادة أهل تلك البلاد التي  جاء منها .

 كانت سهرة طويلة  نجمها / مارك/ الذي تحدث عن مصنع أبيه وعن الحياة في / لوس أنجلس/ وقال  إن مادفعه  إلى زيارة الوطن بعد غربة طويلة هو أن يتذكر أترابه ويتذكر مرابع طفولته ويريد أيضا ً وهذا هو الأهم أن يوكل محاميا ً لحصر أملاك الأسرة وبيعها ، بعد أن استقرت في المهجر بشكل نهائي .

 كان ترحيب أم سمر وابنتها وابنيها  حارا ً بالضيف الذي راح ينادي أم سمر بـ / خالتي/ تارة وتارة يستبدلها  بكلمة /آنت/ المرادفة لها باللغة الانكليزية ..!! ولاحظ الجميع أن      / مارك/ يلتهم / سمر/  بنظراته ويسمعها  كلمات جميلة فيها ثناء على إعدادها للمائدة وعلى ماتقدمه من أصناف متنوعة من صنعها  كما قالت أمها .

 غير أن المفاجأة التي أذهلت الأسرة  حصلت بعد يومين من الزيارة إذ جاء مارك وطلب يد سمر زوجة له .

 “ولكنه  يكبرني بثلاثين سنة ..!! ” قالت محتجة أمام أمها  بلهجة  فيها استغراب واستنكار واضحين .

  • ” وماذا فيها .. باب السعد ينفتح أمامك .. لاتكوني مغفلة .. قريبي / مارك / تركض وراءه كل بنات البلدة .. ويقول انك ستسافرين معه .. وأكثر من هذا سيرسل  بطلبنا  أنا وشقيقيك.. !! “
  • ( ودراستي .. ومستقبلي؟! ) تسأل سمر بامتعاض .
  • ( تكملين الدراسة في أمريكا  .. مَنْ من الناس تأته  فرصة الدراسة  هناك ويرفضها ..!! أعرفك ذكية ياابنتي!! ).
  • وبعد صمت  قصير ، تقول أم سمر  بهدوء :
  • (الشيء الوحيد الذي يحزنني هو أنني سأشتاق  لك كثيرا ً ، لكن مدة فراقنا لن تطول .. ثلاثة أشهر على الأكثر .. كما يقول مارك ..!! ).
  • كان عرسا ً أسطوريا ً ، كما يقول  أبناء البلدة ، سمر ومارك يجلسان أمام المدعوين في صالة كبيرة  ، امتلأت  بهم ، وتحيط بالعروسين أكاليل الورد الكبيرة  تتمنى لهما السعادة والرفاه والبنين .

بعد أيام قليلة ، بدأت سمر تشكو غرابة أطوار زوجها ، غير أن أمها تعتبر الأمر عاديا ً وسوف ينتهي بعد أسابيع على الأكثر .

 غير أن الشكوى باتت أكثر وضوحا ً :

 ( أمي .. أرجوك أريد العودة إلى البيت .. لا أستطيع الاستمرار معه… يسهر حتى منتصف الليل مع أصحابه من شبان القرية ، في الملهى القريب …  يأتي مخمورا ً ….. يصرخ … يشتم … يتهمني بالسذاجة .

  • ( أنت تريدين تشويه سمعتنا … لابد أن عينا ً أصابتك بالحسد…لاينقصك شيء .. كلامه جميل ، كريم اليد، يأتيك بكل ماتطلبين ….!! )

تقول الأم مؤنبة ابنتها .

ترد سمر :

( لكنه أمامكم إنسان آخر .. هو ممثل كما يبدو، أمامي يصرخ ويشتم كل شخص وكل شيء ..!! ) .

                          *            *                *

تكفكف سمر دموعها ، تتفقد غرفتها ، ترتب سريرها ، تشعر بالأمان الذي افتقدته منذ ستة أشهر ،غدا ً سوف تذهب للجامعة لتجدد تسجيلها.

 تفتح النافذة ، يتعلق نظرها بشجرة الورد الجوري الكبيرة في الحديقة، تقول بفرح طفولي :

( لقد عدت إليك ياصديقتي …!!)

 ترد  شجرة الورد التحية .. تتراقص أغصانها وتنشر عطرها الباذخ.. الذي افتقدته سمر منذ ستة أشهر أشهر ….!!.

عيسى إسماعيل

المزيد...
آخر الأخبار