المثقف كأي إنسان يمكن أن يكون له أكثر من دور وقبل البحث عن دوره لابد أن نعرف الثقافة إنها رؤية للحياة والمجتمع تتجسد في السلوك الفكري والوجداني والأخلاقي والذوقي للإنسان عامة .
ولكل إنسان ثقافته مهما كان مستواه ومهما كانت طبيعتها فليس هناك إنسان يخلو عقله ووجدانه وضميره وحسه من خبرة حية من وجهة نظر من موقف فنحن لا نعمل في مجتمع مفرغ من الثقافة وحين نتكلم عن المثقفين العرب لا نقصد كل الناس ممن لهم حظ كثير أو قليل من الثقافة التلقائية الموروثة التي تستند إلى خبرات وتجارب إنسانية مختزنة في ضمير الشعب ومكتسبة خلال تاريخه الطويل وعندما نتحدث عن فئة محدودة من هذا الشعب استطاعت أن تضيف إلى خبراتها الموروثة خبرات واعية حصلت عليها عن طريق المعاناة والدراسة والتأمل وهي بذلك قادرة أن تعيد النظر في كل موروث من مفاهيم وقيم وعادات وتصورات لتشكلها من جديد على ضوء الخبرات الذاتية والحقائق الموضوعية التي لا تفتأ تعيد تشكيل الحياة من حول الإنسان .
إذاً فنحن نخاطب الفئة التي تستطيع أن تشكل وجهة نظر في كل ما تراه حولها والتي تستطيع أن تحدد لنفسها موقفاً خاصاً تقفه مما يدور حولها من أحداث ..الأمر الذي يرتب على هذه الفئة مسؤولية خاصة تجاه أبناء مجتمعهم ..وتجاه تاريخ أمتهم وإلى هذا نستطيع أن نضيف إلى ما ذكرناه سابقاً عن الثقافة (إنها تصورات وقيم وقدرة على التذوق إنها أيضاً مسؤولية ومواقف محددة مختارة أو ملتزم بها ..)إن الظروف التي تمر بها أمتنا العربية هي أخطر مما مرّ بها خلال تاريخها الطويل على الإطلاق ..جرح عربي نازف في فلسطين طال أمده وغزو عسكري استعماري غربي خطير يستهدف تدمير وطننا وتمزيقه وإضعافه يستهدف حضارتنا وفكرنا وتاريخنا ونزع هويتنا العربية الثقافية وطمس حقيقتها وكل ذلك خدمة للصهيونية العالمية وما رأيناه في لبنان وتمزيقه ..وفي العراق واحتلاله ..ومن ثم ما يحدث حالياً في ليبيا ..وسورية واليمن من حرب قذرة وإرهاب أعمى دام خطط له منذ عشرات السنين..لذا يجب علينا ككتاب ومثقفين أن نقف يداً واحدة ..وفكراً قوياً ..وقلماً ناقداً لما يجري ويدور ويخطط له في وطننا العربي ..وأن نكون الشموع المتوقدة دوماً والمنارات العالية التي تنير دروب أجيالنا الضائعة والتائهة نتيجة غزو ثقافي استعماري يستهدف عقولهم وأفكارهم ..وحضارتهم .
يجب علينا أن نتجاوز مرحلة الضياع والتمزق اليوم لا غداً ذلك لأن الخطر الكبير يقف على الأبواب فاتحاً شدقيه على مدى الوطن العربي بأكمله ..ليبتلعه ..وليدمر كلّ أثر للحياة العربية وتاريخها ..وهذا ما لمسناه في الغزو الأمريكي للعراق ..ومظاهر السلب والنهب للمتاحف وسرقة التاريخ ..وما رأيناه من تدمير حضارة وأوابد تدمر .وسرقة منحوتاتها من قبل الإرهاب الظلامي الأسود ..في وطننا المقاوم الصامد يجب علينا أن نضع الإنسان المثقف ..القادر على حمل مسؤولية بناء الوطن وتطويره وتحقيق النصر على الإرهاب والأعداء ..ولا وسيلة لإعادة صياغة الإنسان العربي الجديد غير الثقافة لأنها الصناعة الثقيلة الحقة في المجتمع ..هي صناعة الصناعات ..بل هي صناعة صانع الصناعة وهو الإنسان .والثقافة المطلوبة والضرورية في ظروفنا العربية الراهنة هي ثقافة الوعي والتنوير ..لما يحيط بنا من أحداث تتربصنا جميعاً وثقافة المقاومة بدل ثقافة الظلام والتضليل التي نشرها الإرهاب ولعبت دوراً أساسياً في دمار وطننا وتهجير ونزوح أبنائه،وليس من اليسير تحقيق التغيير الثقافي الشامل في سبيل تكوين مواطن عربي جديد متسلح بالوعي والمعرفة والثقافة ..وإنما هي مسؤولية المجتمع كله .مسؤوليات الحكومات والشعب مسؤولية المثقفين ومسؤولية الهيئات والأحزاب السياسية ولكن دور المثقفين عموماً يأتي في الطليعة بحكم وعيهم وتجاربهم وطبيعة عملهم ..وبحكم دورهم الريادي الكبير ..والتعليمي والقيادي في المجتمع ..والدور الذي تلقيه الظروف وتضعه الأقدار على عاتق مثقفينا هام ..وهو أساسي وحاسم وليس غير المثقف العربي يؤديه .ينهض به برغم كل الظروف ومن فوق كل العقبات والحواجز لا يعنيه في ذلك إلا إيمانه بحق أمته في الحياة العزيزة الكريمة ولا يدفعه ذلك إلا شعور قوي بالمسؤولية .مسؤوليته هو بالذات من أقدار أمته في حاضرها ومستقبلها طالما حمل الأمانة وأوقد الشمعة التي تبدد الظلام ..وتنير الطريق .ذلك هو الدور الذي ينتظر المثقفين العرب أن يلعبوه بجدارة وشجاعة وصبر وإيمان في مختلف المجالات الثقافية الأخرى مثل الكتاب والسينما والمسرح والفن التشكيلي والموسيقا والتلفزيون والإذاعة والصحافة …فيا كل المثقفين في وطننا العربي المتعطشين لبنائه موحداً تعالوا من جديد نمتشق سيف الكلمة التي هي حياة نشحذ هممنا لنبني الوطن الكبير وطن التقدم والازدهار فأنتم شعلته المتوقدة دوماً أمام الأجيال وأنتم حاملو ألوية أمجاده التي نتمنى أن تبقى خفاقة .
برهان الشليل
المزيد...