مدير الآثار والمتاحف بحمص : أعمــال الترميــم والصيــانة للمواقــع والمبانــي الأثــرية مستمر رغم نقص « العمالة » والورش

من أهم الأعمال الموكلة لمديرية الآثار والمتاحف توثيق وتسجيل المباني الأثرية وفق المعايير والأسس المنصوص عليها بقانون الآثار الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /222/ في 26/10/1963 مع جميع تعديلاته عام 1999- وفي المادة /2/تتولى السلطات الأثرية (المديرية العامة للآثار والمتاحف )المحافظة على الآثار وتقدير أثرية الأشياء والمباني التاريخية والمواقع الأثرية وما يجب تسجيله من آثار، وعمل الدوائر الفرعية جزء لا يتجزأ من عمل المديرية من تسجيل الآثار وصيانتها وحمايتها ودراسة الانتفاع بها ومن المفيد ذكره أن الآثار نوعان آثار ثابتة تتمثل بالمباني والقلاع والحصون وآثار منقولة يمكن نقلها من مكان لآخر مثل المنحوتات والمصكوكات والعملات بأنواعها والنقوش والمخطوطات.

أهمية الآثار
التقينا مدير دائرة الآثار والمتاحف بحمص المهندس حسام حاميش للتعرف على الأضرار التي لحقت بالمباني الأثرية في المحافظة خلال فترة الحرب والصعوبات التي تواجه عمل المديرية في أعمال الترميم والصيانة ..
قال : آثار أي بلد جزء لا يتجزأ من هويته الوطنية والقومية والآثار السورية لها مكانة خاصة على مستوى العالم ومن المعروف الجملة الشهيرة أن لكل شخص على وجه الأرض وطن ثان غير وطنه وهو سورية كونها مهد الحضارات ، وتعتبر الآثار والمتاحف العمود الفقري للسياحة وأهم ركائزها وهي مصدر للدخل لا ينضب على عكس المصادر الأخرى.
أهم المواقع الاثرية
وأشار إلى مدينة تدمر- بالميرا –مدينة الشمس –الأشجار الباسقة والتي بنيت قبل الميلاد بـ1500 سنة في وسط الصحراء على ضفاف نبع أفقا الكبريتي وتعرضت هذه المدينة لثلاثة حروب سنة 11 قبل الميلاد وهاجمها الملك الآشوري ديغلت فلاصر بسبب ازدهار تجارتها وهاجمها ملك الروم لنفس الأسباب سنة 41 قبل الميلاد (مارك انطونيوس )وآخر حرب تعرضت لها سنة 173 م على يد ملك الروم أورلياد وعمل على تخريب المدينة وأسر ملكتها زنوبيا وتم بناء معبد (بل) وكان يعبد أهلها (يرحبول)إله الشمس و(عجلبول )إله القمر ومعبد (نبو )والمرافق البرجية ,وفي القرن الثاني الميلادي تم بناء معبد (اللات )أو معبد اثنين ووجد فيه تمثال (اللات )المشهور وأسد (اللات )والذي تم نقله حالياً إلى دمشق ليعرض بعد ترميمه في حديقة المتحف
وأضاف :بني أيضاً بنفس الفترة معبد (بعلشمين )رب الخصب والمطروقوس النصر والمسرح التدمري (الأغورا )وتترابيل وازدهرت مدينة تدمر بعد سقوط مدينة البتراء الأردنية عام 106 ميلادي فأصبحت أهم محطة تجارية على طريق الحرير وحكم تدمر أسرة عربية الملك أذنية وزوجته زنوبيا التي كانت وصية على ابنهما (وهب اللات )… استقلت الملكة زنوبيا أو الأوغيستا المعظمة وهي رمز السيادة والسلطة عن الرومان وصكت نقوداً باسمها تحمل صورتها مع بعض النقوش والألقاب .
وتوجد مدافن برجية وأرضية مثل مدافن الأخوة الثلاثة ومد فن (أيلابل )103 ميلادي وتقع في وادي القبور ومدفن (جمليكو )83 ميلادي وتعرضت هذه المدافن لتخريب كبير على يد تنظيم داعش الإرهابي .
قلعة الحصن : تقع في مدينة تلكلخ و هي من أهم القلاع العسكرية وبنيت على عدة فترات في العهد الايوبي و البيزنطي و تتميز بسورين يفصل بينهما خندق مائي دفاعي و من أهم معالمها برج القائد وقاعة الفرسان و لها عناصر معمارية متميزة.
موقع قطنا : تل أثري مساحته 1كم2 و هو عبارة عن مدينة المشرفة القديمة و تم استملاكها و تعويض الأهالي بالبدل المادي وأول تنقيب حدث فيها كان برئاسة الكونت رويد الفرنسي عام 1924 و بدأ التنقيب بها في عام 1980 وأهم المكتشفات المدفن الملكي و القصر الملكي على يد البعثة السورية الالمانية و تأسست على الطرف الشرقي لوادي العاصي و كانت ذات موقع متوسط و له أهمية تجارية كبيرة و تعود إلى الألف الأول و الثاني قبل الميلاد وأعمال التنقيب لا تتجاوز 10% من مساحتها حتى الآن…
واعتبر حاميش أن استشهاد العالم خالد الأسعد و مدير الآثار في مدينة تدمر و الذي يعتبر مؤرخاً و باحثاً و منقباً و الذي اغتالته يد الاجرام خسارة لا تعوض
عصب التجارة
و نوه إلى أنه يوجد في مدينة حمص و ريفها 123 موقعاً أثريا و منها أيضاً تل قادش في مدينة القصير و تل الشعيرات و تل سفينة نوح في قرية الحميدية في القصيرو في داخل مدينة حمص يوجد 62 قرار تسجيل لمبان أثرية و هي موزعة على شكل مبان دينية و مدنية…
و من المميز كتلة الأسواق القديمة وفيها 890محلاً تشكل عصب التجارة في مركز المدينة وجامع النوري الكبير وهو أقدم الجوامع وجامع الفضائل الأثري في بستان الديوان وجامع الدالاتي بالقرب من الساعة القديمة وجامع البازباشي ويتميزان عن باقي الجوامع بأن المئذنة فوق المدخل الرئيسي مباشرة ويتبعان للفترة المملوكية وجامع خالد بن الوليد ويعود تاريخ تشييده إلى عهد الملك الظاهر بيبرس 658هـ – 1261 م وذلك حسب النقوش والكتابات على الضريح الخشبي المحفوظ حالياً في المديرية العامة للآثار والمتاحف,وجامع الأربعين والذي يقع عند المدخل الغربي لزقاق الأربعين ويضم البرج الدفاعي على سور المدينة القديمة والذي يقع في الزاوية الشمالية الغربية حيث تحول إلى مئذنة للجامع ويتبع لفترة حكم الملك المنصور ابراهيم الفترة المملوكية ومن الجوامع الاثرية أيضاً جامع كعب الأحبار ومجموع الجوامع الأثرية ثمانية في مدينة حمص .
وأضاف يوجد أربعة حمامات مهمة وأثرية وهي الحمام الصغير في الفترة الأيوبية وحمام العصياتي في الفترة المملوكية, والحمام العثماني وحمام الباشا .
وأما عن القصور فأهمها قصر الزهراوي شيد خلال فترتي المملوكي والعثماني وقصر مفيد الأمين يتبع الفترة المملوكية جانب حمام السراج وقصر عبد الله فركوح و……. قصر الزهراوي متحف التقاليد الشعبية وتم افتتاحه عام 2010 م وتم اعتماد قصر مفيد الأمين كمركز للدراسات الأثرية في حمص.
وعن الأبواب لمدينة حمص خلال الفترة الاسلامية فهي سبعة وأولها باب السوق وباب تدمر وباب الدريب وباب السباع وباب التركمان والباب المسدود و باب هود وكانت أربعة في الفترة السابقة وهي باب الدريب أو باب الشام – باب الرستن وباب الصغير وباب الجبل ويربط بين هذه الأبواب سور واحد بهدف الحماية والتحصين .
وقلعة حمص بنيت فوق تل أثري وجرت أعمال التنقيب فيها عام 1975 وسميت قلعة أسامة بن منقذ في العهد الحمداني وانهارت نتيجة الزلزال عام 565هـ وحالياً الأبراج المتبقية والجدران هما من الفترة الأيوبية في عهد المنصور ابراهيم ..
المتحف الوطني الذي يقع في شارع القوتلي وتم افتتاحه عام 2006 وبقي مفتوحاً أمام الزوار حتى بداية الحرب وتم إغلاقه ونقل القطع الأثرية المعروضة فيه إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف وأهم القطع الأثرية – التمثال الروماني من الحجر المرمر – الأسد الذي عثر عليه في حديقة جامع خالد بن الوليد والنوابيس الجنائزية وكانت توجد فيه قاعة للقطع التدمرية الأثرية ونأمل افتتاحه في أقرب وقت…
توثيق المباني
ذكر حاميش أنه تم الانتهاء من توثيق المباني الأثرية التالية : ( دار خالد الأتاسي – الحمام الصغير ) و( كتلة الأسواق الأثرية – بيت الآغا ).
وقامت الفرق الهندسية الثلاث التي تم تشكيلها في الدائرة بتوثيق المباني المسجلة أثرياً في المدينة القديمة بوضعها الراهن ( جامع خالد بن الوليد – حمام العصياتي – دار مفيد الأمين – جامع الدالاتي – خان الدروبي – بيت اليافي )
بالإضافة إلى توثيق المباني المقترح تسجيلها في قائمة المباني الأثرية وإعداد الأضابير اللازمة .
وتحديد الوجيبة الأثرية لبعض التلال المسجلة أثرياً وهي تل علي ادريس في بابا عمرو وتل أبو حكفة وتلي أم جباب ومتابعة ومراقبة المواقع والتلال الأثرية في ريف المحافظة ضمن المناطق الآمنة ومنع التعدي عليها بالتنسيق مع الوحدات الإدارية المعنية .
متابعة أعمال الترميم
وأشار إلى أنه :تم إعلان مناقصة بقيمة إثنان وثلاثون مليون ليرة سورية لمشروع إعادة ترميم وتأهيل مبنى الدائرة والمتحف الوطني بحمص وتم البدء بأعمال المشروع خلال الربع الأول من العام 2018 والانتهاء منه في كانون الأول لعام 2018
ومتابعة أعمال الترميم الجارية في جامع خالد بن الوليد بالتنسيق مع مديرية الأوقاف وبتمويل من وزارة الأوقاف مباشرة وفق الشروط والمواصفات الفنية الأثرية – وتم أيضاً إعداد كشف تقديري لإعادة ترميم وتأهيل مبنى دار خالد الأتاسي ومبنى مفيد الأمين ليكون كدار للضيافة في حمص للزوار والعاملين في محافظة حمص من خارج المحافظة والبدء بإعداد كشف تقديري لإعادة ترميم وتأهيل السور الأثري في حي الأربعين وهو أحد الأجزاء المتبقية من سور المدينة الأثرية وتدقيق دراسة ترميمية لجامع الباز باشي الأثري في المدينة القديمة بالتنسيق بين مديرية أوقاف حمص مع المديرية العامة للآثار والمتاحف ومتابعة أعمال الترميم والتأهيل في كتلة الأسواق التجارية في المدينة القديمة بالتنسيق بين محافظة حمص ومنظمة الأمم المتحدة الفرع الإنمائي ( UNDP ) وتم إنجاز المرحلتين الأولى والثانية وتم استبدال الأسقف القديمة المعدنية .
أعمال التنقيب
وأضاف :تمت متابعة أعمال التنقيب في مدينة الرستن والتي ظهرت فيها لوحة فسيفساء هامة في حي الرستن الفوقاني وأعمال التنقيب في الحمام الصغير في كتلة الأسواق الأثرية ودراسة الوضع الإنشائي للمبنى وتوثيق الضرر الحاصل فيه وأعمال تنقيب في حي القلعة حيث ظهرت لوحة فسيفساء جديدة تحت أحد المباني السكنية والتي حاول الإرهابيون رفعها أثناء تواجدهم في مدينة الرستن مما أدى إلى تعرضها للضرر .
تقدير الأضرار
وأشار إلى أن البعثة الهنغارية العاملة في قلعة الحصن أنهت عملها في عزل الأسطح العلوية للكنيسة داخل القلعة وانتهاء الدراسة الترميمية لكل من بيت الزوار وبيت الضيافة وتأهيلهما كمقر للبعثات الخارجية التي ترغب بالعمل في تدمر وتم ترميم البرج الغربي في قلعة الحصن وقام وفد كبير من الخبراء في مجال الترميم من فرنسا وبلجيكا ولاتافيا مع المديرية العامة للآثار والمتاحف بزيارة لمدينة تدمر للوقوف على الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها هذه المدينة التاريخية والمسجلة على لائحة التراث العالمي لبيان إمكانية البدء بترميم بعض المباني في بداية عام 2019 .
وفيما يخص الأعمال المتحفية قال:لا توجد أعمال تذكر حيث تم نقل كافة القطع الأثرية المتحفية إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف في وقت سابق وتم افتتاح المتحف الوطني بدمشق بتاريخ 28 / 10 / 2018 وبحضورخبراء من عدة دول أجنبية

تنشيط الحركة التجارية
وأضاف : حظيت كتلة الأسواق القديمة بالاهتمام والترميم بهدف تنشيط الحركة التجارية في مركز المدينة وتركزت الأعمال في تأهيل البنى التحتية وترميم الأرضيات الحجرية وواجهات المحال واستبدال الحجر الناقص أو المفقود وإعادة بناء بعض المحال المدمرة حسب المواصفات الموضوعة من قبل دائرة آثار حمص ووفق المخططات المختصة بها وإعادة بنائها بنفس الحجارة التي كانت مبنية بها بعد أن تم فرزها من بين الأنقاض قبل ترحيلها الى خارج المدينة وذلك للحفاظ على القيمة الأثرية لها وتأهيل وترميم الواجهة الشرقية للحرم المطل على صحن الجامع والمكتبة الخاصة بالجامع من الجهة الشرقية وترميم المئذنة وترميم لوحة الموزاييك الكبيرة في المحراب ومازالت الأعمال مستمرة في جامع النوري الكبير.
وتضمنت الأعمال في جامع الدالاتي إعادة بناء الطابق الأول وترميم المئذنة ومازال العمل به مستمراً .
الصعوبات والمعوقات
وأوضح أن :أعمال الترميم مكلفة جداً وتحتاج إلى مبالغ كبيرة وهناك نقص بالتمويل ويوجد نقص بالكوادر البشرية وخصوصاً العمالة والورش في المديرية وقلعة الحصن , مشيرا إلى أنه تم استعادة بعض القطع المهربة خارج البلاد ,وترميم عدد كبير من القطع الأثرية الحجرية في المخبر الفني لمديرية الآثار والمتاحف بدمشق حيث يوجد فيه خبرات عملها يضاهي الخبرات الأجنبية ,وصعوبة الأعمال التنقيبية في سورية يرجع الى الأهمية الكبرى لكل طبقات المواقع الأثرية حيث من المعروف أن بعض الدول مثل مصر تهتم بالفترة الفرعونية وفي إيران بالفترة الفارسية .
أما سورية فهي مهد الحضارات وكل فترة لها أهميتها الخاصة …
بقي أن نقول
إن ما تعرضت له بلدنا سورية هو تخريب ممنهج ومتعمد لطمس حضارة هذا البلد العريق الذي يحمل إرثا حضاريا لا ينضب ,وآثار سورية تعتبر بحق تاريخ كامل لكل الحضارات والمحافظة على هذه الآثار واجب وطني لا يمكن التساهل أو العبث به .
كل الشكر للجيش العربي السوري والجهات المختصة التي أفشلت العديد من السرقات ومنعت تهريب القطع الأثرية والمحافظة عليها ونقلها إلى أماكن آمنة .
سعد الله العلي

المزيد...
آخر الأخبار