لا يخفى على أحد أهمية البحث العلمي الزراعي حيث يعد واحداً من أهم المقومات التي ساهمت في النهضة الزراعية التي شهدتها سورية قبل الحرب ، وبرغم الظروف الصعبة التي تعرض لها هذا القطاع استمر الباحثون السوريون بممارسة نشاطهم ومواكبة التطور العلمي الزراعي وإعطاء أبحاث تطبيقية قدمت نتائج إيجابية على الأرض ، فبالرغم من أن الكثير من المراكز البحثية الزراعية تعرضت للتخريب من قبل التنظيمات الإرهابية إلا أن الباحثين أصروا على الاستمرار بالعمل وكان نتاج عملهم في السنتين الماضيتين 32 صنفاً من الأصناف عالية الإنتاج ولكافة الأنواع النباتية ، وقد تم اعتماد 16 صنفاً من المحاصيل ونشر زراعة 15 صنفاً من الفاكهة، والعديد من سلالات الحبوب والبقوليات والخضار، وتسليم 2000 كغ من نويات الأصناف المحسنة للحبوب والبقوليات والذرة لمؤسسة إكثار البذار وأكثر من 160 من بذار أساس أصناف القطن المحسنة ، بالإضافة إلى نيل جائزة أكساد للبحث العلمي الزراعي، وبلغ عدد الحاصلين على شهادات الدكتوراه والماجستير 116 باحثاً خلال الحرب، وتم إصدار مجلة علمية إلكترونية لنشر الأبحاث ومكتبة إلكترونية لتوثيقها والعديد من الكتب والأطالس.
وما انعقاد المؤتمرات البحثية إلا مؤشر على أهمية وأولوية البحث العلمي الزراعي لما له من دور كبير في إحداث النهضة الزراعية في العقود السابقة، وكذلك فإن هذه المؤتمرات تجمع باحثين من كل الجهات في سورية ومن دول الجوار، وتتيح المجال للإطلاع على آخر ما توصل إليه البحث العلمي الزراعي .
كما أن لدى وزارة الزراعة برنامجاً للتعاون المشترك مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد)، والمركز الدولي (إيكاردا) وهذا التعاون تمثل في السنوات السابقة بتنفيذ أبحاث مشتركة كان من ثمارها استنباط أصناف عالية الإنتاجية ملائمة للظروف البيئية السورية ، كما يوجد تعاون مع الجامعات السورية من خلال وزارة التعليم العالي ، بالإضافة إلى التعاون مع هيئة الطاقة الذرية والاستشعار عن بعد والهدف إدخال تقانات حديثة تطور القطاع وتحسن الإنتاج ودخل الفلاح.
البحوث التطبيقية
تقوم الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية على التركيز في هذه المرحلة على البحوث التطبيقية التي يكون لها أثر إيجابي مباشر على تطوير الزراعة السورية وزيادة الإنتاج، فالشعار الذي تم اختياره لعام 2018 يمثل منهاج عمل كرسه الباحثون السوريون من خلال إصرارهم على المضي والاستمرار لتحقيق التقدم والازدهار.
يعد مركز البحوث العلمية الزراعية في حمص من المراكز الرائدة على مستوى القطر، وحول نشاطاته وانجازاته خلال الفترة السابقة ومشاريعه المستقبلية .. التقت جريدة العروبة الدكتورة بشرى خزام مديرة المركز التي حدثتنا قائلة :
الموقع
يقع المركز شمال مدينة حمص في قرية الدوير ويمتد على مساحة من الأراضي الزراعية الخصبة حوالي 300 دونم تقريبا ، منها 10 دونمات منشآت ويتبع للمركز المواقع التالية :
دائرة بحوث الموارد الطبيعية مساحتها 40 دونما .ومحطة بحوث الري بالمختارية مساحتها 200 دونم . ومحطة بحوث قصر الحلابات مساحتها 40000 دونم .
وقد بلغ عدد العاملين في المركز والمحطات التابعة له حتى تاريخه / 253 / عاملا ، منهم / 9/ من حملة شهادة الدكتوراه ، و/ 16/ ماجستير ، و / 39 / مهندسا زراعيا ، والباقي فئة أولى باختصاصات مختلفة ، إضافة للفئات الثانية والثالثة والرابعة والخامسة .
أبحاث وتجارب
أكدت د. خزام أن مركز البحوث العلمية الزراعية بحمص يقوم بتنفيذ عدد كبير من الأبحاث والتجارب وفق الخطط العلمية الموضوعة للدوائر والشعب ( دائرة بحوث المحاصيل – دائرة بحوث البستنة – دائرة بحوث الوقاية – محطة بحوث المختارية – دائرة بحوث الموارد الطبيعية – دائرة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية – دائرة بحوث الثروة الحيوانية – شعب الأصول الوراثية وتكنولوجيا الأغذية – شعب خدمة نقل التقانة ، التأهيل والتدريب ، المعلوماتية ) منها يتم تنفيذه ضمن الأراضي التابعة للمركز ، وبعضها الآخر في حقول المزارعين ، وتتوزع الأبحاث والتجارب على بحوث محاصيل الحبوب والشوندر السكري والبقوليات الغذائية والمحاصيل الزيتية والذرة الصفراء بهدف تحسين وتطوير واستنباط أصناف جديدة من بذور المحاصيل الشتوية والصيفية ورفع إنتاجية المحاصيل الحقلية وتحسين نوعيتها من خلال تحسين التربية والتحسين الوراثي المتمثلة في استنباط وانتخاب تراكيب وراثية جديدة متميزة المواصفات وتتسم بتحملها إجهاد الجفاف ومقاومة الأمراض المختلفة وأهمها الأصداء على القمح ، حيث تختبر هذه الأصناف في حقول ( المشاهدة ، ومقارنة للغلة والحقول الاختبارية الموسعة ، إكثارات النويات ) وتتم موافاة الإدارة المختصة بالقراءات المأخوذة ليتم إعداد النتائج النهائية وطباعتها بغية عرضها على اللجنة الوطنية لاعتمادها .
المشاركة .. تعزيز للفائدة
وأضافت : تعمل إدارة المركز على دعوة الباحثين بشكل مستمر للمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية والمعارض لتعزيز الفائدة والمكانة العلمية للباحث ، رفع مستوى المهارات البحثية للباحثين في المركز من خلال عقد الدورات المتخصصة والتي تتركز على كل ما يخص البحث العلمي بدء ا من اختيار واقع المشاكل الزراعية لمزارعي محافظة حمص مرورا بكيفية إعداد خطة لأي بحث علمي ، وتشجيع الباحثين على القيام بالبحوث المبتكرة التي تفتح آفاقا علمية وتطبيقية جديدة في مجال البحث العلمي الزراعي والعمل على تسويقها واستثمارها بما يعود بالنفع والخير على المجتمع والوطن ونشر نتائج الأبحاث ، حيث أصدرت الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية « المجلة السورية للبحوث الزراعية » وهي متاحة للجميع مجانا ، ويمكن الوصول إلى الملخصات والمقالات الكاملة المنشورة في المجلة بسهولة وبدون أي قيود ، حيث ترحب المجلة باستلام مخطوطات بحوث تحقق معايير الجودة العلمية .
كما يعمل المركز على تفعيل دور الشباب وتدريب الباحثين الجدد على كل ما هو جديد في الأبحاث الزراعية بغرض مشاركتهم في أمور البحث العلمي لخلق صف ثان واع ومبتكر للمحافظة على الانجازات التي يتم تحقيقها وضمان مشاركتهم في اتخاذ القرار .
متابعة مستمرة
وأشارت إلى أن إدارة الهيئة توجه الباحثين في الإدارات البحثية لتنظيم زيارات دورية للمركز لمتابعة سير تنفيذ الأبحاث حسب الجداول الزمنية الموضوعة في الاستثمارات البحثية ، والتأكد من القيام بالعمليات الزراعية اللازمة للتجارب في الحقول الاختبارية من : (تسميد ، تقليم ، مكافحة وقائية وعلاجية ، فلاحة ، تعشيب ، ري تركيب شبكات وغيرها من عمليات الخدمة ) ، وأخذ جميع القراءات المطلوبة في كل استمارة بحثية وبعد تجهيز القراءات حسب أهداف البحث يتم إجراء التقييم الاقتصادي ودراسات الجدوى والتحاليل الإحصائية للتجارب ونتائج البحوث والتقنيات الجديدة في الدوائر المختلفة ، وإبداء الرأي فيها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية تمهيدا لاعتمادها وتقديم المشورة العلمية فيها .
محاصيل مربحة
حقق مشروع زراعة الزعفران أو ما يسمى (الذهب الأحمر) نجاحاً كبيراً في موقع مشتل البريج الحراجي في إطار سعي مديرية الزراعة لتشجيع زراعته كأحد أهم المحاصيل المربحة.
وكان مدير زراعة حمص المهندس نزيه الرفاعي أوضح في تصريح سابق أنه تم إطلاق تجربة زراعة الزعفران في موقع مشتل البريج الحراجي (50 كم جنوب مدينة حمص) ووصلت نسبة الإنبات فيه إلى 95 بالمئة ونسبة الإزهار 60 بالمئة، موضحاً أن التجربة حققت نجاحاً كبيراً.
عبد المسيح دعيج عضو اللجنة المركزية المشكلة للإشراف على المشروع في سورية حدثنا حول الوضع الراهن لهذا المحصول وأكد ما قاله مدير الزراعة بأنه مع نهاية الموسم الماضي – خريف 2018 – بلغت نسبة الإزهار 60% والإنبات 95% ، وسوف نتوسع بالزراعة ضمن منطقة البريج وتلكلخ . وأشار : إلى أنه تمت زراعة ألف كورمة في موقع مشتل البريج الحراجي, وتم قطاف الأزهار وفصل المياسم عنها لإجراء التحاليل المخبرية اللازمة وبدأت عملية حصر الطٌرز الوراثية البرية لهذه النبتة في محافظة حمص من خلال فريق متخصص، إضافة إلى تعريف رؤساء المواقع الحراجية والوحدات الإرشادية بالنبات للمشاركة في الحصر، وسيتم لاحقاً العمل على الإكثار المخبري للنبات وتحليل مكونات المادة النباتية ضمن برنامج لمدة ثلاث سنوات في المرحلة الأولى، علماً أن الإنتاج العالمي لا يزيد على300 طن سنوياً.
وأضاف : من المهم جدا استمرارنا بحصر الطرز الوراثية البرية لنبات الزعفران ، والقيام بالجولات التعريفية والمزيد من التجارب المخبرية .
أول المراكز التي تنفذ التجربة
ويعد مركز البحوث العلمية الزراعية في قرية جوسيه الخراب التابعة لمنطقة القصير بريف حمص أول المراكز التي نفذت تجربة زراعة الزعفران في سورية وفق مدير المركز المهندس جرجس وهبة، وفي لقاء معه أوضح قائلا: من خلال مبادرة فردية لأحد المهندسين تم البدء بتجربة الزراعة على مساحة 200 متر مربع في المركز شملت ألفي كورمة «زعفران» بالتنسيق مع وزارة الزراعة وهيئة البحوث العلمية الزراعية وتم التوسع بالزراعة في المركز لتصل عام 2008 الى مساحة 6 دونمات إلا أن المشروع توقف مع بداية الحرب في عام 2011، وحالياً تمت إعادة إحيائه من خلال العناية وخدمة ما تبقى في حديقة المركز من الكورمات.
وأضاف وهبة الحائز على ماجستير في زراعة الزعفران: إن التحاليل والتجارب التي أجريت على نوعية أزهار الزعفران في سورية أثبتت أنه من أفضل الأنواع على المستوى العالمي.
وعن مراحل زراعة وإنتاج وقطاف ثمار الزعفران أشار إلى : أن عمليات الزراعة تبدأ في شهر أيلول على اعتبار أنه محصول شتوي ويبدأ الإنبات والإزهار بعد شهرين تقريباً ويستمر نموه الخضري حتى شهر نيسان ليدخل مرحلة سبات حتى العام الثاني ويمكن أن يزرع في كل أنواع الترب في سورية وخاصة الرملية على ألا تكون طينية غدقة وتناسبه المناطق ذات الارتفاع من 600 إلى 1200 متر عن سطح البحر وبمعدل أمطار سنوي من 600 إلى 700 مم وفي هذه الحالة لا يحتاج إلى سقاية، كما أنه يحتاج إلى إضاءة بمعدل 11 ساعة يومياً ويتحمل درجات حرارة إلى ما دون الصفر بـ15 درجة وفوق الصفر حتى 40 درجة.
وتعد زراعة الزعفران من المشاريع المربحة جداً وذات جدوى اقتصادية كبيرة ولا يحتاج إلى خبرة طويلة في الزراعة ويوفر فرص عمل لآلاف المواطنين في حال اتساع رقعة زراعته إلا أنه لا بد من تأمين وسائل لتسويقه قبل تشجيع الفلاحين ونشر زراعته لأنه مكلف مادياً .
وأكد : المشروع يحتاج إلى أيدي عاملة ومدربة على كيفية فصل وفرز وانتقاء المياسم وذلك للحفاظ على النوعية الجيدة .
نشاطات
أكدت د . خزام على القيام بالعديد من النشاطات فقد نفذت بعض الكوادر البحثية في الإدارة العامة مهمة إلى مركز بحوث حمص، وتمت متابعة تجارب التربية والتحسين الوراثي لمحصول الخس والبصل والجزر ،والاطلاع على تجربة أداء سلالات مستنبطة من البازلاء ، وتم أخذ عينات من زيت الزيتون لتحليل الحموضة والبيروكسيد وقص وجمع طرود خضرية من أصناف اللوز لاستخدامها في الإكثار بالأنسجة.
كما تمت زيارة محطة بحوث المختارية والاطلاع على واقع تجارب معاملات تسميد وري الخس والبصل ، وزيارة دائرة بحوث الموارد لمتابعة تجربة تثبيت الآزوت الجوي لسلالات البازلاء وزيارة مشتل ديرعطية وقلع غراس من الخوخ البذري لزراعتها في مراكز البحوث.
تجارب ومحاصيل
وأضافت : انتهى مركز البحوث العلمية الزراعية بحمص ومحطة المختارية ودائرة بحوث الموارد من زراعة تجارب المحاصيل الشتوية (شوندر سكري خريفي، عدس، حمص، قمح، بازيلاء، ثوم)، حيث تمت زراعة تجارب الشوندر الخريفي (أصناف وحيدة ومتعددة الأجنة)، وفي تجارب العدس (الكفاءة الإنتاجية والإكثارات)، وفي تجارب الحمص (حقول اختبارية وموسعة وخطوط مشاهدة)، وفي تجارب القمح قاسٍ وطري ومروي وبعل (خطوط مشاهدة- كفاءة إنتاجية- حقول اختبارية- أجيال انعزالية- معدلات بذار)، وتجربة البازيلاء (تأثير تطبيق طرائق ري مختلفة وعدة كثافات نباتية ) .
منار الناعمة