أثبتت التجارب خلال السنوات الأخيرة أن الاتجاه نحو التعليم المهني والاهتمام به من شأنه خلق جيل قادر على الدخول إلى سوق العمل نتيجة لامتلاكه الخبرة والأفكار المتميزة في العديد من المجالات من خلال تنوع الحرف والصناعات التي يتعلمها خلال المرحلة الثانوية والمدعمة بوجود الآلات والأجهزة الحديثة والمتطورة « الجانب العملي » ويساهم في بث روح التنافس بين الطلاب لتقديم كل ماهو جديد ومفيد ..
وبالرغم من الأهمية الكبرى للتعليم المهني لسد حاجة سوق العمل ورفده بالطاقات والكفاءات الجيدة التي تتطلبها التنمية، مازال الإقبال عليه أقل من المطلوب ويعاني من بعض المعوقات التي تقف في وجه تطوره ..
وللارتقاء بهذا القطاع لا بد من تبني إستراتيجيات واضحة تؤدي إلى تنظيم قطاع التعليم المهني والتقني وتضمن تماشي مدخلاته ومخرجاته مع عالم المعرفة والتكنولوجيا الجديد وتعزيز مفهوم العمل المهني والتقني في المجتمع , و إعادة النظر بآليات القبول في الثانويات المهنية حيث لا يقتصر ذلك على العلامة في شهادة التعليم الأساسي وإنما من خلال مفاضلة تراعي تعدد رغبات الطالب ومشاركة أسرته في الإختيار وذلك وفق معايير محددة و إيجاد آليات تنفيذية تشجع الإقبال على هذا القطاع من خلال توفير محفزات مختلفة للدارسين وإيجاد فرص عمل لهم في القطاعات العامة والخاصة.
ولكي نستطيع المضي في رفد سوق العمل بيد عاملة خبيرة ، يجب الاهتمام بالمدارس المهنية التي تخرج هؤلاء الطلاب سواء بوجود الكادر التدريسي الاختصاصي ، أو البناء اللائق لتلقي العلم وخاصة « القسم العملي » كونه الأساس في اكتساب الطالب خبرته في مختلف الحرف وتهيئة الظروف المناسبة للطلاب لسير العملية التعليمية والتربوية بالشكل الصحيح ..
ثانوية الشهيد أيهم ديوب إحدى مدارس التعليم المهني في حمص ، يتخرج منها سنوياً الكثير من الطلاب المتميزين، يتابع عدد منهم دراسته الجامعية , وآخرون في المعاهد المتوسطة ,وهناك من يتجه إلى سوق العمل مباشرة لامتلاكه خبرة جيدة تؤهله لذلك ..
إلا أن هذه المدرسة تعاني كالعديد من المدارس العامة والمهنية في المحافظة الكثير من الصعوبات التي تنعكس سلباً على الطلاب بالدرجة الأولى .
زرنا المدرسة والتقينا بعض الطلاب والكادر التدريسي فيها ومدير المدرسة المهندس علاء محسن للإضاءة على الواقع التعليمي فيها وصعوبات العمل التي مازالت موجودة منذ سنوات ..
مع الطلاب
تحدثنا مع بعض الطلاب « من مختلف الحرف » عن رأيهم بالتعليم المهني والخبرة المكتسبة منه وملاحظاتهم حول واقع التعليم في المدرسة فكانت إجابات البعض توضح أنهم ونتيجة عدم قدرتهم على دخول التعليم العام جاؤوا إلى التعليم المهني, وبعد تعرفهم على الفائدة والخبرة التي من الممكن أن تؤهلهم للدخول في سوق العمل مباشرة حاولوا الاندماج مع زملائهم واكتساب المهارات في «الحرفة» التي يدرسونها .
البعض الآخر قال : أصبح التعليم المهني أساس الصناعة ونحن قادرون على إكمال دراستنا الجامعية كمهندسين في حال كنا من المتفوقين , لذا سنحرص على ذلك ، لكننا نعاني من قلة الكادر التدريسي وخاصة « القسم النظري » في الأول والثاني الثانوي , مما يجعل الأغلبية يصلون إلى الثالث الثانوي بمعلومات قليلة وخاصة في المواد العلمية .
البعض تحدث عن بناء المدرسة والذي يحتاج إلى صيانة وخاصة المرافق العامة والتي تعاني من الاختناقات المتكررة وسوء التصريف « قسم التدفئة والتمديدات » مما يدفع ببعض الطلاب للقيام بتنظيفها « اجتهاد شخصي » ولعدم وجود عدد كاف من المستخدمين في المدرسة , بقسميها العملي والنظري , سوى مستخدمين اثنين يعملان وهناك اثنان آخران لا يستطيعان القيام بالعمل لوضعهما الصحي الحرج « على حد قولهم »
أحد الطلاب قال : نعاني في القسم العملي من دخول مياه الأمطار شتاء من النوافذ لعدم وجود الزجاج وأحيانا نضع ألواح الكرتون لمنع دخول المياه والتسبب بالأعطال المتكررة للآلات « في قسم اللحام مثلا », ناهيك عن البرد القارس أثناء الدرس العملي وتحدث آخر عن المقاعد القديمة ، وأبواب القاعات الصفية المهترئة منذ سنوات وجدران الممرات التي تحتاج إلى الدهان و واقع النظافة ….
مع المدرسين
أحمد علماني مدرس في قسم ( cns ) آلات مبرمجة ، تحدث عن نقص الكادر التدريسي في قسم التصنيع الميكانيكي ، وأن عدد الطلاب ضمن الشعبة مقسم إلى فئات حسب توزيع المنهاج ، كل فئة يتراوح عدد الطلاب فيها من 10-15 طالباً ، والعدد إلى حد ما مقبول، وبرأيه أنه كلما كان عدد الطلاب أقل كانت فترة التدريب المتاحة لكل طالب أطول وبالتالي يحقق الفائدة المرجوة من التدريب العملي بشكل أفضل
وأوضح بأن المعدات الموجودة تناسب المنهاج الذي تم تعديله يفضل ادخال الآلات المبرمجة ( cns ) إلى منهاج الصف الثاني الثانوي وأن لا يبقى محصوراً بطلاب الثالث الثانوي
سليمان سلوم مدرس أول ثانوي « خراطة» تحدث عن مهارات الطلاب والفروقات الفردية وأنه رغم وجود بعض الصعوبات هناك طلاب متميزون ، واشتكى من عدم تعاون أهالي الطلاب مع المدرسة وعدم إدراكهم لأهمية التعليم المهني بالنسبة لأبنائهم واكتسابهم لحرفة تكون السبب في دخولهم سوق العمل بعد انهاء المرحلة الثانوية.
وتحدث عن طبيعة العمل والاختصاص وأنها لا تناسب العمل الشاق الذي يقومون به وتمنى إعادة النظر بها من قبل الجهات المعنية .
المدرس عبد الكريم ابراهيم : طالب بضرورة دعم المعارض التي تقام سنوياً والتي تشجع الطلاب على الابتكار والتميز ، والمساهمة في تطبيق الأفكار التي يطرحونها على أرض الواقع بما يفيد سوق العمل مستقبلاً .
واقع صعب
وفي ختام جولتنا تحدثنا مع مدير المدرسة عن واقع التعليم في الثانوية والصعوبات التي تعترض عملهم فقال : بناء المدرسة قديم وهو مشاد منذ عام 1983 والبنى التحتية فيه بحاجة إلى صيانة باستمرار ، وقد تأثر البناء خلال سنوات الحرب بسبب التفجيرات التي حدثت بالقرب من المدرسة..
وعن سؤالنا عن واقع النظافة والمرافق العامة و النوافذ التي تدخل منها الأمطار شتاء وتؤثر على الطلاب والآلات ، وواقع الكادر التدريسي ، والإجراءات المتخذة من قبل إدارة المدرسة لحل تلك الصعوبات قال : تعاني المدرسة من قدم البناء « كما ذكرنا » بالإضافة الى المرافق العامة التي تعاني الانسدادات بشكل متكرر .
وأشار إلى أنه تم إرسال كتاب إلى دائرة الأبنية المدرسية في مديرية التربية بهذا الخصوص وعن وضع النوافذ السيئ , وأن القوالب الخشبية مهترئة وتحتاج إلى تبديل وأنه مهدد بالسقوط في أي لحظة , وكان الرد بعدم وجود ميزانية خاصة بذلك حالياً .
منوها بأن وضع أبواب القاعات الصفية ليس بأفضل حال فهي مهترئة وبلا أقفال منذ سنوات طويلة مؤكدا بأن المدرسة بحاجة إلى إعادة تأهيل بشكل كامل ..
نقص يتم تداركه
وأضاف : فيما يخص الكادر التدريسي فهو كامل بالنسبة للقسم العملي ، لكن هناك بعض النقص في قسم التصنيع ، ومع ذلك يتم تداركه واعطاء المنهاج حتى لا يتأثر الطالب بذلك .
وأشار إلى وجود كادر إداري غير مفعل « المنشطات الاجتماعيات » وذلك لعدم قدرتهن على التعامل مع الشباب»الذكور» في هذه المرحلة العمرية الحرجة وفضل أن يكون المنشط الاجتماعي من الذكور لقدرته على التعامل مع الطلاب بشكل أفضل ، خاصة مع وجود حالات هروب من المدرسة بعد الدخول إليها صباحاً , وأن المنشطة غير قادرة على التعامل مع هؤلاء الطلاب الذين يهربون بالقفز عن سور المدرسة المنخفض وخاصة من الجهة الشرقية والذي يمتد من مفرق مديرية النقل إلى مديرية الموارد المائية , ونوه إلى أن الشوارع التي تحيط بالمدرسة بحاجة إلى تعبيد حتى يتمكن الطالب من الدخول للمدرسة شتاء دون أن يغرق برامات المياه في تلك الشوارع .
وأضاف : نعاني من تدني مستوى الطلاب في القسم النظري لعدم اكتراث المعلم والتزامه بالتعليم وشعوره بالمسؤولية تجاه الطالب ما ينعكس سلباً على الطلاب وخاصة في الأول الثانوي .
منعكسات سلبية
وأشار إلى المنعكسات السلبية لقرار قبول الطلاب من الأعمار الكبيرة في مدارس التعليم المهني أو الطلاب الذين حصلوا على الشهادة الإعدادية منذ أكثر من سنتين وقد أثبتت التجربة أن عملية تسرب الطلاب ازدادت لعدم التزام هؤلاء بالدوام وتحريضهم لزملائهم على الهرب من المدرسة, وتساءل: لماذا لا تتم الاستفادة من مراكز التدريب المهني وزج هؤلاء الطلاب فيها خاصة وأن تلك المراكز تتميز بوجود الآلات الحديثة التي تساعد في اكتساب الطالب الخبرة الجيدة .
وأضاف : هناك قرار من مديرية التربية يسمح للطالب المتأخر ساعة كاملة عن الدوام صباحاً بالدخول الى المدرسة وبالتالي أليس من مسؤولية المدرسة أن تعلم أين قضى الطالب هذا الوقت والذي من الممكن أن يكون قد قضاه بممارسة أشياء تسبب مشاكل له وللمدرسة منوهاً أنه من الضروري عدم التساهل في هذا الموضوع ووجود إجراء حاسم مع الطالب يحميه ,بغية عدم الوقوع بالمشاكل خارج المدرسة خاصة مع عدم تعاون الكثير من الأهالي بهذا الخصوص واعتبار التعليم المهني مكاناً أفضل من بقاء أولادهم خارج أسوار المدرسة .
وهناك مشكلة أخرى نعاني منها « الحديث مازال لمدير المدرسة » وهي التقارير الطبية لتبرير غياب الطالب عن المدرسة لأكثر من /16 / يوماً والتي يجد فيها الكثير من الطلاب المستهترين وأهاليهم طريقة للعودة إلى المدرسة بعد انقطاع عن الدوام المدرسي كل هذه المدة وقيام المدرسة بفصل الطالب .
واقترح أن يكون التقرير الطبي من طبيب مستوصف الصحة المدرسية بعد الكشف على الطالب وتبيان حالته الصحية وحاجته للغياب .
وأشار إلى التأثير السلبي لطول فترة التسجيل في التعليم المهني والتي تستمر حتى 2/11 من كل عام وبالتالي دخول أعداد كبيرة بعد انتهاء فترة التسجيل ومقاربة الفصل الأول على الانتهاء وبالتالي عدم استفادة الطالب من المعلومات التي تلقاها زملاؤه و انتهاء الفصل دون تحصيل علمي .
طاقات شبابية متميزة
وأشار في ختام حديثه إلى أهمية التعليم المهني في خلق فرص عمل جيدة للكثير من الشباب يرفد سوق العمل بخبرات وطاقات شبابية متميزة ,
منوها بأن3 % من طلاب التعليم المهني يتابعون تحصيلهم العلمي في التعليم العالي ويدرس البقية في المعاهد المتوسطة التابعة لمديرية التربية ,وقد تم افتتاح الكلية التطبيقية في جامعة البعث لاستقبال طلاب التعليم المهني أي أن مخرجات التعليم المهني هي مدخلات لهذه الكلية ,مشيراً إلى أن مناهج المعاهد المتوسطة عبارة عن خلاصة لفروع الهندسة أو التجارة والاقتصاد في التعليم العالي
وأن بإمكان حملة الشهادة الثانوية المهنية الانخراط في سوق العمل مباشرة كونهم يتمتعون بخبرة جيدة تؤهلهم للعمل .
وذكر أنه :وكنوع من التحفيز والتشجيع يقوم طلاب التعليم المهني بالمشاركة بمشاريع تخرج في معرض الباسل للاختراع ,وفي معرض دمشق الدولي وكانت مشاركة العام الماضي مميزة.
مؤكداً بأن أغلبية المدارس يتم تحويلها إلى ورش مهنية (تصنيع مقاعد – طاولات – طاولات حاسوب _ وخزائن …الخ)وينظم هذا العمل المرسوم 39 الذي يضبط عملية الإنتاج مما يوفر الكثير من النفقات والمبالغ الكبيرة .
وتقدم هذه المدارس خدماتها لمؤسسات القطاع العام بأسعار زهيدة وذلك بالتنسيق مع محافظة حمص وينال المشاركون بهذا العمل مكافآت تشجيعية حسب ما نص عليه المرسوم.
وأضاف : قمنا بتنفيذ مشروع صيانة دارة التدفئة المركزية في أمانة سر المحافظة بعقد موقع بين إدارة المدرسة والمحافظة وفق المرسوم 39 لعام 2000, ووفق قانون العقود /51/ لعام 2004 صيانة دارة التدفئة المركزية في مديرة التربية بحمص منوهاً أن التنفيذ كان على أيدي الطلاب والأساتذة وتم توفير مبلغ حوالي 25 مليون ليرة على خزينة الدولة وبالتالي فإن دعم التعليم المهني له تأثير ايجابي في مختلف نواحي الحياة والذي ينعكس إيجابا على الطالب والمجتمع معا .
كادر تخصصي
وكنا قد سألنا المهندس محمد العبود معاون مدير التربية للتعليم المهني والتقني بحمص في حديث سابق عن الصعوبات التي تعترض التعليم في مدارس التعليم المهني فقال : من الصعوبات التي تعترض هذه المدارس هو نقص أعداد الكادر التدريسي التخصصي وتمنى أن تتم صيانة المدارس من ميزانية مديرية التربية تحت بند صيانة المدارس وتخصيص مبلغ من المال لأجل هذا الأمر ,عندها تتم الصيانة بوقت أسرع بعيدا عن الإجراءات الروتينية ..
منوها أنه يتم سنويا تخريج دفعات كثيرة من الطلاب المهنيين مزودين بالمعرفة والخبرة العملية أسهموا في تطوير بلدنا سواء على مستوى القطاع الحكومي والقطاع الخاص ..
كما تم استحداث مهن وأقسام وتخصصات جديدة، لإعداد الطلاب وإكسابهم المعارف والمهارات التي يتطلبها سوق العمل , وأكد أن التعليم المهني بحالة تطور دائم من أجل مواكبة سوق العمل باستمرار ..
بقي أن نقول :
من المعروف أن قطاع التربية من القطاعات التي تعرضت للتخريب والتدمير وسرقة التجهيزات على يد المجموعات الإرهابية المسلحة خلال الحرب وبعد عودة الأمان لربوع المحافظة حرصت مديرية التربية على إعادة بناء بعض المدارس وصيانة وتأهيل البعض الآخر حسب الإمكانيات المتاحة .
ولكن ذلك لا يعني غياب الاهتمام بالمدارس القائمة بحجة صيانة وتأهيل المدارس في مناطق أخرى وعدم وجود الإمكانات المادية الكافية ,خاصة لمدارس التعليم المهني والذي يتسبب تأخر الصيانة فيها إلى تعطيل الآلات التي كلفت الدولة مبالغ طائلة لشرائها وستكلفها أكثر عند إجراء الصيانة المتأخرة من جديد، ناهيك عن أبسط حقوق الطلاب بأن يكون بناء المدرسة والتجهيزات بالمستوى اللائق بهم .
وبالتالي على مديرية التربية إعادة النظر بخطط الصيانة حرصاً على المصلحة العامة .
تحقيق وتصوير : بشرى عنقة