المقامة بالتعريف هي :قصة قصيرة يبث فيها الكاتب ما يشاء من أفكار أدبية أو فلسفية تتسم بروح الدعابة والمجون واعتبر عدد كبير من الباحثين أن بديع الزمان الهمذاني مبتدع هذا الفن وصاحب الريادة في ابتكاره وعلى يديه استوت المقامة جنساً أدبيا ًوفناً من فنون النثر العربي في القرن الهجري الرابع,وغدت لها معالمها ومذاقها ,بهذا الكلام بدأ المحاضر الدكتور سراقبي محاضرته عن خصائص فن المقامات عند الدكتور غازي مختار طليمات في مقر فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص ويضيف الدكتور وليد بأن من أشهر مرتادي هذا الفن في العصر الحديث هم فارس الشدياق وناصيف اليازجي في بلاد الشام ,وكاد هذا الجنس الأدبي أن يندثر لولا الدكتور غازي مختار طليمات الذي أراد أن يرتاد هذا الفن ليكون مراحاً عن جفاف النحو وقواعده وهو المعروف بسيرة علمية عريقة فكتب في الدراسات النحوية ونشر كتباً تطبيقية تعليمية تتأبى على المقصد التجاري وله كتب في الشعر والدراسات العروضية .ومسرحيات عدة ولديه مشروع ضخم لتأريخ الأدب العربي من شعر ونثر صدر منه حتى الآن ثمانية أجزاء وهو بذلك باحث جاد وقارىء نهم وأكاديمي لا يقرُّ إلا بأنه راغب في الازدياد من العلم..
مقاصد متنوعة للمقامات
ويضيف المحاضر أن المقاصد التي ترودها مقامات «طليمات» متعددة هدفها السخرية من أمراض اجتماعية والكاتب في هذه المقامات يتقمص شخصيتي الراوية والبطل فالراوية هو حبيب بن لبيب والبطل سيار بن عيار والكاتب موفق في اختيار هذين الاسمين وهذا يدل على أثر المعجم اللغوي للكاتب في اختيار المباني اللغوية المفصحة عن المعاني ,ويبين أن موضوعات المقامات تنضح بالواقع ويستطيع القارىء لها أن يقف على البناء الهيكلي لكل مقامة والأسس الفنية التي اتكأت عليها وهي تقوم على حكاية يسردها راو ٍهو حبيب بن لبيب على لسان بطل هو سيار بن عيار و تعالج قضايا اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية .ثم تنتهي المقامة ببضعة أبيات من الشعر تمثل إيجازاً للمشهد أو للموضوع المعالج .
الخصائص الفنية لمقامات (طليمات) :
لعل تقنية السرد القصصي الموجز هي السمة الغالبة على المقامات وقد نأت عن التطويل في السرد القصصي واعتمدت العرض السريع للأحداث وعدم الجري وراء التفاصيل التي تبتعد بالقارىء عن متابعة الحدث وتناميه,أما الخاصية الثانية فتتمثل بالجمل القصيرة المتتابعة في السرد تغلب عليها الأفعال وتقل الجمل الاسمية ومعلوم أن الجمل الفعلية هي الأكثر قدرة على نقل الحدث ,أما الخاصية الثالثة فهي اللغة التصويرية الساخرة والرابعة هي المعجم اللغوي الثرّ ,والخاصية الأخيرة هي الإيقاع القائم على قصر الجمل والسجع ولزوم ما لا يلزم في أواخر الحروف من فواصل ,حتى أنه يلتزم في بعض الأحيان بثلاثة أحرف وهذا ما يذكّر بلزوميات المعري.
لغة المقامات
ويبين الدكتور سراقبي أن لغة المقامات حتى لو شملت بعض الألفاظ الصعبة إلا أنها محببة وتثري المعجم اللغوي للقارىء ,فهي لغة تعيد إلى فن المقامة ألقه,وتتضمن توظيفاً ناجحاً لمعجم لغوي دفاق ,أما التراكيب فلا وجود للتصنع فيها فيقول: (وإذا وقع قارىء المقامات على ألفاظ هي إلى الغرابة أقرب,ومن الحوشي أدنى,فما كان ذلك ليقطع على القارىء متعته أو ينحرف به عن اقتناص المعنى ,من هنا تأتي قيمة المقامات الانتقادية اللاذعة التي ما إن تبدأ بقراءة أول سطر فيها حتى تشدك وتجذبك إلى ضفافها ,وتوقظ في أعماقك حبك للغة العربية الأصيلة والمشرقة فهي قائمة على أسلوب نقدي خدمة للأدب واللغة والناشئة بعد أن كادوا ينسون هذا الفن وجمالياته.
مقومات المقامة
ويشرح المحاضر مقومات فن المقامة التي تؤكد أصالة هذا الفن في تاريخنا العربي فهو فن له أصوله وقواعده التي يجب توافرها فيه, يحتاج إلى تعاضد الموهبة والمقدرة اللغوية ,والبديهة الحاضرة,والخيال المجنح ,والتصوير عبر ألفاظ اللغة وتراكيبها لذلك نرى قلة من يتجرأ على الكتابة في هذا الفن الأدبي.
وختم محاضرته بقراءة مقامتين من كتاب (مقامات ناصحة مازحة لا جارحة )للدكتور غازي مختار طليمات صدر حديثاً عن تزوير شهادات الدكتوراه من قبل ضعاف النفوس والثانية عن معاناة الناس من شح مادة المازوت بعنوان المقامة المازوتية.
والجدير بالذكر أن الدكتور غازي مختار طليمات من مواليد حمص 1935يحمل شهادة الدكتوراه في علوم اللغة العربية ودرّس في الجامعات السورية له العشرات من الكتب في مختلف الفنون الادبية من شعر ومسرح ونقد وقد برع في فن المقامات وظل محافظا على إنتاجه منها نظرا لما يتمتع به من حس الفكاهة واصطياد الفكرة المدهشة.
ميمونة العلي
المزيد...