العلاقة بين الشاعر و الناقد

الشاعر الحقيقي و الناقد الحقيقي .. هل هما صديقان حميمان ؟ أم عدوان لدودان .. في ظني أنهما وجهان مضيئان لعملة ذهبية واحدة و العلاقة بينهما ودية و تكاملية فالشاعر يصوغ قطعاً من وجدانه تنبض بالحياة و الجمال تفتح أمام اليائسين كوة نور للأمل و تشعل في دربهم الدامس شمعة صمود و الناقد يوضح عناصر الإبداع في هذه القطع الوجدانية و يبرز مواطن المتعة و الفائدة فيها و هو تجاوب فعلي مع تجربة الشاعر و كأنها تجددت مرة ثانية في نفسه حتى إن قيمة النقد تكاد تساوي قيمة المنقود
وأمير الشعر العربي « أبو الطيب المتنبي » كان بعد أن ينتهي من نظم إحدى روائعه الخالدة ينشدها في بعض المجالس الأدبية التي كانت سائدة في العصر العباسي و عندما يبادر أحد الحاضرين و يسأله عن أحد الأسبيات أو يبدي ملاحظة نقدية يجيب بتواضع العظماء « اسأل ابن جني فهو أدرى بشعري مني » و ابن جني هذا هو راوية شعر المتنبي و شارح ديوانه وناقده فالمتنبي يعتبر أن الشاعر لا يرى عيوبه إلا في مرآة النقاد و لو رآها في مرآته لما أقدم على الوقوع فيها و يعتبر أن القصيدة التي ينتهي من نظمها تصبح ملكاً للمتذوقين و القراء و عليه أن يقبل ملاحظاتهم الموضوعية بكل رحابة صدر
إن المنجز الأدبي الذي لا يبدو على جسمه أثر لحبل السرة لأنه لم يولد من منجز سابق عليه بل تكون من أصل الإبداع و المعاناة فكان نموذجاً جديداً متفرداً أما المنجز الأدبي الذي يظهر على جسمه أثر لحبل السرة فهو نمط تقليدي مكرر منطفئ مولود من غيره أضف إلى ذلك أن الأعمال الكيلومترية « العملاقة » من وجهة النظر العاطفية لأصحابها تبدأ بالتقزم التدريجي و التضاؤل السريع عند وضعها تحت مجهر النقد المنهجي الذي يعتمد على الحجة و المنطق و البرهان حتى تصبح تلك الأعمال بمساواة الأرض تماماً
إن القصيدة التي تبحر تحت علم النقد لا بد أن تصل إلى عقل القارئ و عاطفته لأنه الربان الذي يضبط حركتها و تظهر مهارته عند هبوب العاصفة و الشعر الأصيل تصهره نار النقد لتعيد تشكيله بطراز أجمل أما الشعر الهجني فيحترق و يتحول إلى رماد النسيان و سيتابع النقاد مهنتهم الحزينة في تجديف قارب الشعر و سياط الشتائم من بعض الشعراء تنهال عليهم و لكنهم يتابعون الغناء و النشيد إلى أن يتولى الزمن بغرباله العظيم اكتشاف القمح و رمي القش
هناك قاعدة تقول « ما كل ما يلمع ذهباً » و هنا يتبادر سؤال مشروع من الشخص المؤهل لمعرفة لمعان الذهب الحقيقي من لمعان الذهب الزائف ؟في عالم المعادن المحسوس الصائغ طبعاً هو المؤهل لذلك أما في عالم الشعر المجرد الناقد الأدبي هو المخول بإصدار الحكم في محكمة النقد بعد تقديمه مطالعة تتضمن حيثيات الحكم و أدلته و قرائنه و كم من مقالة لناقد رفعت نصاً مرفوضاً إلى الأعلى و أنزلت نصاً مقبولاً إلى الأسفل إن الناقد يهدف إلى نشر ثقافة التذوق من أجل الارتقاء بالذائقة الجمعية للقراء نحو مرتبة أعلى و ليس من مهامه تقديم فروض الطاعة أو الدعاية الجوفاء للنصوص التي يتعامل معها خوفاً من سطوة أصحابها أو طمعاً في عطاياهم و كل نقد لديوان شعر جديد يبدأ بعبارة: صدر للأخ الغالي و الصديق الحبيب « فلان « الخ هذا ليس نقداً و إنما قصيدة مدح منشورة و لا داعي لقراءتها لأنها تحكم الهوى وقديماً قيل : آفة الرأي الهوى.
نزيه شاهين ضاحي

المزيد...
آخر الأخبار