تعتبر التنمية المستدامة الهدف الأساسي والأسمى للعالم أجمع ،خاصة و أن الطاقة هي المحرك الأساسي و الفاعل لكل نمو و تنمية كونها العنصر الفعال لكافة القطاعات الاقتصادية ,و في سورية بشكل عام كل الطاقة المستخدمة هي طاقة تقليدية و غير مستدامة و ملوثة للبيئة و بسبب الارتباط الوثيق بين البيئة والتنمية ظهر مفهوم التنمية المستدامة..
منظومتان في مبنى الإدارة العامة
و في خطوة رائدة بحمص يستفيد مبنى الأمانة العامة للمحافظة من الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء (العروبة) التقت المهندس محمد سامر شمه مدير التقانة المعلوماتية في الأمانة العامة لمحافظة حمص و الذي أوضح بأن الفكرة تولدت بعد القراءة عن العديد من الأبحاث على مستوى العالم للاستفادة من الطاقة المتجددة كحلّ مستقبلي وحيد لتوليد الطاقة بدون إضرار البيئة و تدميرها , وبعد الاطلاع على النجاح الكبير لعدد من المشاريع المنفذة بدمشق في القطاع الحكومي و التي نفذها المركز الوطني لبحوث الطاقة التابع لوزارة الكهرباء،أشار شمه إلى أنه تم التواصل مع المركز و الذي يعتبر الجهة العلمية المعتمدة في سورية و المنفذ لمشاريع في مجال الطاقة المتجددة وفق تعليمات القانون رقم 3 لعام 2009 والناظم لعملية استثمار الطاقة المتجددة و التعامل معها ,وبعد التأكد من أن المركز مستعد للتعاون مع أي جهة سواء في القطاع العام أو الخاص وفق تعليمات القانون , وقَّع محافظ حمص مع مدير المركز الدكتور المهندس يونس علي اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع نظام توليد كهروضوئي في كانون الأول لعام 2016باستطاعة إجمالية 44 كيلو واط يتم ربطه مع الشبكة الكهربائية للمبنى.
و أوضح شمه أن موقع بناء الأمانة العامة لمحافظة حمص كان مناسباً جداً خاصة و أن مساحة سطح البناء بحدود ألفي متر مربع.
و أشار إلى أن المشروع يحتوي على منظومتين :
الأولى باستطاعة 40 كيلو واط ON Grid بدون بطاريات وتضخ الكهرباء إلى الشبكة مباشرة
والثانية بإستطاعة 4 كيلو واط Off Grid مع مصفوفة مدخرات تستخدم لتأمين الطاقة الكهربائية بشكل دائم لغرفة تجهيزات الشبكة الحاسوبية في المبنى
وعن ساعات عمل المنظومة يومياً أشار شمه أنها مرتبطة بالشمس مؤكداً بأن فترة الصيف تزيد فيها الكهرباء التي يتم ضخها بالشبكة بسبب ازدياد ساعات سطوع الشمس عن أيام الشتاء .
بتكلفة 37 مليون ليرة
وعن الكلفة المالية للمشروع ذكر شمه بأنها وصلت إلى 37 مليون ل.س تقريباً , و الأمانة العامة مبدئياً التزمت فقط بتسليم مكان العمل , بينما أجرت كوادر المركز الوطني لبحوث الطاقة المتجددة بدمشق كل عمليات الدراسة و التعاقد والتنفيذ وفقاً لاتفاقية التعاون, ونفذت كوادره المشروع بإشراف فريق من حمص وتعتبر الملكية للمركز حتى الانتهاء من التسديد…و أشار إلى أنه تم وضع المشروع بالعمل بتاريخ 21-8-2017
أما بالنسبة لتسديد التكاليف فأشار شمه إلى أن الاتفاقية تنص على أن يبدأ التسديد بعد سنة كاملة من وضع المشروع بالعمل على شكل أقساط سنوية تحتسبها لجنة مكلفة من المركز مرة كل عام بعد قراءة كميات الاستهلاك على عداد مركب على المنظومة وتعتبر قيمة الكهرباء الواردة للشبكة قسطاً من تكلفة المشروع , و يتم استيفاء كامل التكلفة خلال مدة زمنية لا تتجاوز ست سنوات بعدها تنتقل ملكية المشروع للأمانة العامة وفي ذلك التوقيت فإن أي فائض بإنتاج الكهرباء يتم ضخه بالشبكة تدفع ثمنه شركة الكهرباء وفق اتفاق مع شركة الكهرباء..حيث تستهلك الأمانة العامة كل إنتاج المنظومة و الفائض يتم ضخه في الشبكة المحلية حسب فترات الشمس و ساعات التغذية الكهربائية..
201 لوح شمسي
وعن مواصفات المنظومة ذكر شمه بأنها مؤلفة من 201 من الألواح الشمسية مع الحوامل و يعتبر أول مشروع ينفذه المركز بحمص , ومن مميزاته أنه تم تركيب منظومة إضافية باستطاعة 4 كيلو واط ساعي تتضمن بطاريات تخزين تغذي غرفة المخدمات و مقسم المحافظة بشكل مستمر على مدار اليوم ,أي أن المشروع مكون من منظومتين الأولى 40 كيلو واطON Grid تتألف من 182 لاقط شمسي باستطاعة 225 واط لكل لاقط من إنتاج محلي من شركة (شركة قطاع مشترك ما بين وزارة الصناعة و وزارة الكهرباء و الشركة الأوكرانية ) (الشركة السورية الأوكرانية) لإنتاج الألواح الشمسية بالإضافة لمحولي استطاعة (المعرج) باستطاعة 20 كيلو واط إنتاج أوروبي و قواعد بيتونية و حوامل معدنية وكوابل للتوصيل , والهدف من هذه المنظومة دعم الشبكة و تخفيف الأحمال و يدخل ضمن استهلاك المبنى من الكهرباء ,و الثانية أربعة كيلو واط ساعي Off Grid لتأمين عمل غرفة المخدمات الخاصة بالشبكة الحاسوبية مع المقسم و تتألف من 21 لاقطاً شمسياً باستطاعة 220 واط إنتاج محلي مع معرج كهروضوئي هجين باستطاعة 5 KVA مع مصفوفة بطاريات عددها اثني عشر بطارية 12 فولت 200 أمبير لكل واحدة من نوع GEEL, و تؤمن هذه المنظومة الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المخدمات والمقسم…
استثمار كل سطح
و أشار شمه أنه في فترة تنفيذ المشروع صدر تعميم رئاسة مجلس الوزراء بالتوجيه لكل القطاع الحكومي بإدراج مشاريع الطاقة المتجددة بخططهم في الموازنة الاستثمارية و تنفيذها كونها أولاً تؤمن استقرار الكهرباء في المبنى و توفر جزءاً من الطاقة و الفائض يمكن ضخه في الشبكة.
و بين شمه أن المشروع يمكن أن يطبق على أسطح المدارس والدوائر الحكومية, مؤكداً بأن هذه المشاريع لو نفذت كأنها عملية توسيع لمحطة جندر, ويمكن لنا أن نتصور مقدار التوفير المادي الكبير الذي سيتم تحقيقه بدءاً من القطع الأجنبي لثمن العنفات إلى أجور التركيب و الصيانة و ثمن المحولات و الكابلات و الضياعات الكهربائية ..
إنارة معبر جوسية
وعن تجارب مماثلة قال شمه: ساهمنا كفريق عمل في الأمانة العامة لمحافظ حمص من خلال مديرية دعم القرار بدراسة مشروع تغذية كهرضوئي لمعبر جوسية الحدودي و منذ سنة– تاريخ التفعيل – لم يتم استهلاك أي ليتر مازوت لغرض الإضاءة أو تشغيل الحواسيب, مشيراً إلى أن التمويل كان من منظمةADRAوبتنفيذ من شركة بدمشق حيث وصلت تكلفة المشروع إلى أربعين مليون ليرة و الهدف المساهمة بتسريع وتسهيل عودة المهجرين من خلال هذا المعبر.
حيث تم تركيب منظومتي Off Grid الأولى على سطح مبنى الجمارك تضم 32 مدّخرة والثانية على مبنى الهجرة و الجوازات وفيها 12 مدّخرة بالإضافة ل43 جهاز إنارة بالطاقة الشمسية مع الأعمدة المعدنية لإنارة الساحات, وتؤمن المنظومتان استمرارية عمل التجهيزات الحاسوبية بشكل دائم لتسهيل دخول الشاحنات و السيارات و الأشخاص لاستكمال الأوراق المطلوبة بالسرعة الممكنة ..
إنارة شوارع في المدينة
وفي حمص المدينة ذكر شمه أنه تم تنفيذ عدة منظومات طاقة شمسية لإنارة الشوارع بالتعاون بين الأمانة العامة للمحافظة و منظمة ADRA , ونفذ مشروع إنارة في شوارع حمص القديمة والقصور والبياضة وفي المناطق التي عاد إليها المهجرون كون إنارة الشوارع من الخدمات الضرورية , وتم تركيب250 جهاز إنارة بالطاقة الشمسية تقريباً , منها 80 جهاز في حمص القديمة و 60 جهازاً وسط المدينة بساحة الأندلس (ساحة الأربعين) و الشارع المقابل لنقابة المهندسين و شارع باب هود المقابل للبنك المركزي , كما تم تركيب 30 جهاز إنارة في الشارع الرئيسي لحي القصور, و60 جهازاً آخر في الأماكن التي عاد إليها أهلها في منطقة البياضة , و30 جهازاً في المدخل الشمالي لمدينة الحصن مشيراً إلى أن الأجهزة المركبة كلها من طراز All IN TWO, كما أنه مزود بحساس حركة يخفض الإضاءة إلى 30% بعد الثانية عشرة ليلاً عندما تكون الحركة ضعيفة , وأشار إلى أن التكلفة الإجمالية لهذه الأجهزة مع أعمدة الإنارة وصلت لما يقارب 55 مليون ل.س ونفذتها شركة بدمشق.
توجه عالمي
وفي تصريح للعروبة ذكر الدكتور يونس علي مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة بأن التوجه نحو استخدام مصادر الطاقات المتجددة أصبح توجهاً عالمياً لناحية تحقيق الأمن الطاقي و المساهمة في تأمين الطلب المتنامي على الطاقة و كذلك لناحية الحفاظ على البيئة و التقليل من الانبعاثات الضارة التي يسببها استعمال مصادر الوقود الأحفوري , أي أن التوجه نحو استخدام الطاقات المتجددة هو إحدى التوجهات الرئيسية ضمن سياسات التنمية المستدامة في قطاع الطاقة..
توقف فرضته الحرب
و انطلاقاً من ذلك بدأ التوجه نحو الاستفادة من مصادر الطاقات المتجددة في سورية و لاسيما في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح منذ عام 2004 حيث أطلقت وزارة الكهرباء من خلال المؤتمر الوطني لبحوث الطاقة مشروع تقييم مصادر الرياح بهدف إنجاز الأطلس الريحي الخاص بتحديد أهم المناطق الجغرافية التي تمتلك الكمون الواعد من طاقة الريح و التي يمكن أن تصلح لإقامة مزارع ريحية لإنتاج الكهرباء و تضمن المشروع تركيب 17 محطة لرصد سرعات الرياح تم تركيبها في مناطق مختلفة في عدة محافظات وتم تسجيل بيانات الرياح في تلك المناطق لمدة سنتين و بعد ذلك تم تحليل البيانات و استكمال كافة الدراسات الفنية و الاقتصادية المتعلقة بذلك حيث تم الانتهاء في نهاية 2008 من وضع خارطة استثمارية لطاقة الرياح و استناداً إلى هذه الخارطة تم الإعلان عن أول مشروع لمزرعة ريحية باستطاعة 100 ميغاواط في منطقة السخنة بمحافظة حمص وكان ذلك خلال عام 2009 ,و الإعلان عن مشروع آخر في منطقة قطينة عن مزرعة ريحية باستطاعة 50 ميغا واط و ذلك في عام 2010 ولكن لم يتم إنجاز هذين المشروعين بسبب ظروف فرضتها الحرب حيث اعتكفت وامتنعت الشركات الأجنبية عن التنفيذ و استكمال المشاريع متذرعة بظروف الحرب والقيود التي فرضتها و لاتزال العقوبات أحادية الجانب التي اتخذت من قبل بعض الدول الغربية بحق سورية ..
10 آلاف كيلو واط
و أضاف: خلال سنوات الحرب و على الرغم من الظروف الصعبة لم يتوقف المركز الوطني لبحوث الطاقة من الاستمرار بتنفيذ العديد من مشاريع الطاقات المتجددة ولاسيما الطاقة الشمسية من خلال تركيب منظومات كهروضوئية على أسطح بعض المباني و المدارس الحكومية ومن ضمنها المشروع المنفذ على سطح مبنى الأمانة العامة لمحافظة حمص باستطاعة 44 كيلو واط و الذي يهدف لتأمين الإنارة الليلية للموقع و تأمين جزء من الكهرباء خلال فترة النهار, وقريباً فسيقوم المركز بتنفيذ مشروع آخر في حمص باستطاعة 400 كيلو واط على أسطح بعض المدارس الحكومية داخل المدينة , و ذلك ضمن المشروع الذي أطلقته وزارة الكهرباء بالتعاون مع وزارة التربية للاستفادة من الأسطح الشاغرة للمدارس الحكومية في كافة المحافظات في تركيب لواقط كهروضوئية لإنتاج الكهرباء و ضخها في الشبكة العامة.. و يهدف هذا المشروع لتركيب 10 آلاف كيلو واط خلال خمس سنوات..
فوائد متعددة
و عن الأهمية الاقتصادية أوضح علي بأن مشاريع الطاقة المتجددة تعتبر ذات جدوى اقتصادية على مدى العمر الاستثماري الذي يمتد إلى 25 سنة حيث أن إنتاج كل كيلو واط ساعي من المصادر المتجددة يوفر حوالي 250 غرام من الوقود الأحفوري الذي تبلغ قيمته وفق الأسعار الحالية للنفط عالمياً حوالي 10 سنت دولار, بالإضافة للآثار البيئية الإيجابية من هذه الطاقات كونها تعرف بالطاقة الخضراء أو الطاقة النظيفة كونها تجنب البيئة كميات كبيرة من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من احتراق الوقود الأحفوري في محطات توليد الكهرباء التقليدية ..
أخيراً
لابد من القول :إن التوجه لأساليب مبتكرة و بأفكار خلاقة هو الحل دوماً للخروج من الأزمات, ونحن اليوم في مرحلة تقرع فيها نواقيس الخطر من استنزاف الطاقات الأحفورية ,وهو واقع يتطلب من (أبناء البلد) البحث عن الحلول العلمية و الاقتصادية لتنمية مستدامة حقيقية ..