تراجع الثروة الحيوانية خلال السنوات الماضية … قلة المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف والجفاف أثر على أعداد القطعان
تشكل الثروة الحيوانية رافدا مهما للاقتصاد الوطني لا يقل أهمية عن أي قطاع إنتاجي آخر ، و يعتبر من أكثر القطاعات المشغلة للأيدي العاملة وتنتشر أماكن عمله في الأرياف وتعتمد عليه أسر ذوي الدخل المحدود وهذا ما جعله واسع الانتشار لدرجة أن سورية كانت من الدول المصدرة لمشتقات الحليب من ألبان و أجبان لمختلف الدول المجاورة عدا عن كونها مصدرا أساسيا للحوم العواس و الأبقار ، وخلال سنوات الحرب تراجعت الثروة الحيوانية وانخفضت أعداد قطعان الأغنام والماعز والأبقار بصورة كبيرة وأصبحنا بحاجة للاستيراد من أجل ترميم القطعان ، وازدادت معاناة المربين الذين تخلو عن قطعانهم أو عدد منها من أجل أن يستمروا في العمل كونه يشكل مصدر رزقهم الوحيد .
تنادت الأصوات كثيرا وتعالت ما قبل الحرب وما بعدها .. لتوحيد الجهود وتوجيهها من أجل تنمية الإنتاج الحيواني عبر طرق عديدة مهمتها المساعدة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه الثروة الحيوانية مع ضرورة وضع خطط إستراتيجية للنهوض بالإنتاج الحيواني وتطوير التشريعات والقوانين المنظمة لكل مجالات الثروة الحيوانية بما يساهم في تحقيق زيادات مستدامة وقيم مضافة في الإنتاج المحلي …
كما كانت هناك مطالبات لإعادة هيكلة وتطوير أنماط الإنتاج وتحديثه لرفع إنتاجية الوحدة الحيوانية لأن ذلك من شأنه أن يخفف من وطأة الفقر في الريف وخلق المزيد من فرص العمل , وتشكل الثروة الحيوانية المصدر الرئيسي لمعيشة عشرات الآلاف من الأسر السورية الريفية وهي توفر الغذاء والدخل لنحو 70% من تلك الأسر …
ومن المعروف أن مربي الماشية كانوا يتعرضون للعديد من المنغصات والصعوبات نظرا لأن تربية الماشية تعتمد في كثير من الأحيان على الأحوال الجوية وبالتالي توفر المراعي والأعلاف وما زاد الطين بلّة ما تعرضت له البلاد من حرب كونية لم ترحم البشر فكيف بالحيوان والحجر ؟؟ …
مع المربين
جملة من اللقاءات أجريناها مع بعض المربين في ريف حمص أوجزنا منها الآتي:
أبو ياسر « مربي أغنام» قال : أسرتي كاملة تعتمد على تربية الأغنام والمواشي فهي مهنة متوارثة من الآباء ولا يوجد لدينا خيار آخر وحياتنا في هذه الظروف تراجعت كحال بقية العائلات التي تعتمد على تربية المواشي إذ تناقصت أعداد القطيع فقد كنت أمتلك حوالي 400 رأس من الغنم وبسبب الأعمال الإرهابية وضيق المساحات وتكاليف التنقل تراجع القطيع إلى 225 رأسا لذلك أتمنى زيادة الدعم حتى أحافظ على قطيعي فهو مصدر رزقي الوحيد .ومن جانب آخر فقد تراجع حال العديد من الأسر التي تعتمد في حياتها على تربية المواشي كمورد وحيد للرزق لارتباط هذه المهنة بارتفاع أسعار المواد العلفية والمحروقات وأجور النقل وقلة عدد المساحات الصالحة للرعي نتيجة الظروف الجوية خلال سنوات الجفاف السابقة وتحويل بعض الأراضي إلى زراعات أخرى لا تصلح كمراعٍ وغيرها من الأسباب .. مما أدى إلى تراجع هذه المهنة وتقلص أعداد القطعان .
المربي أبو سمعان أكد أن المشكلة تكمن في الارتفاع غير المقبول للمحروقات ، إضافة إلى مزاجية الجمعيات الفلاحية في توزيع المواد العلفية وعدم كفاية كميات العلف المدعوم ، كما اشتكى من غلاء الأدوية البيطرية داعيا الجهات المعنية إلى النظر بأوضاع المربين الصعبة وتقديم المزيد من التسهيلات لاستمرار العملية الإنتاجية .
محمد – ش مربي أغنام ، قال : قبل الحرب كنت أملك أكثر من ألف رأس من الغنم,وكنا نستلم الأعلاف المخصصة بشكل دوري من المخصصات بالإضافة إلى اعتماد المربي على المراعي البعلية وزراعة الشعير لتأمين ما تحتاجه الأغنام .. أما حاليا فقد ارتفعت أسعار المواد العلفية وفقد البعض منها , بالإضافة إلى الأحوال الجوية في الأعوام الماضية وما سببته من جفاف في المنطقة مما دفعنا إلى بيع الكثير من رؤوس الأغنام وذلك كي نستطيع شراء الأعلاف لإطعام البقية .
أبو حاتم من البدو الرحل وقد استقر في المنطقة منذ سنوات عديدة قال : نعاني كثيرا لتأمين العلف للأغنام فقد ارتفعت أسعار الأعلاف وقلت المراعي وإن وجدت أرض جيدة فأصحابها يطلبون مبالغ مضاعفة « لتضمينها » أي تأجيرها كمرعى لعدة أشهر .
البعض من مربي الأبقار قالوا : ما قبل الحرب كانت المواد العلفية متوفرة واليوم موجودة, ولكن بكميات قليلة لذلك أصبحنا نعتمد أكثر من قبل على الأرض الزراعية أو الأرض غير المزروعة وذلك لتأمين إطعام الأبقار … ونتيجة للظروف التي تمر بها البلاد فقد ارتفعت أسعار المواد العلفية الضرورية لتربية الأبقار «كالتبن» حيث وصل سعر الطن إلى 60 ألف ليرة سورية ، مما دفع البعض منا إلى تقليل عدد الأبقار.
بعض المربين تناول جانبا هاما أيضا وهو ارتفاع أسعار البيطرة وكل ما يتعلق بالأدوية واللقاحات الخاصة بالحيوان .
تحسن بعد الاستقرار
لمعرفة حال الثروة الحيوانية ومدى التغيرات التي طرأت بعد الحرب التي مرت بها البلاد وعودة الأمن والأمان ولاسيما إلى المناطق التي كانت تشتهر بالثروة الحيوانية وهي أكثر ما تأثر بالحرب سألنا الدكتور أحمد شحود رئيس فرع نقاية الأطباء البيطريين بحمص فقال : تراجعت الثروة الحيوانية خلال فترة الحرب بسبب قلة المراعي نتيجة سيطرة العصابات الإرهابية المسلحة على مناطق الرعي والذبح الجائر للأغنام , ونقل أعداد كبيرة من الأغنام الى خارج المحافظة وخاصة مناطق البادية التي تتركز فيها الأغنام الى الشمال «منطقة الجزيرة» إضافة الى غلاء الأعلاف والجفاف الذي حصل خلال السنوات الماضية.
وأضاف : مع بداية عام 2019 وعودة الأمان للمحافظة ظهر تحسن كبير في أعداد الثروة الحيوانية نتيجة تحسن المراعي وعودة المربين من منطقة القريتين التي عادت إليها قطعان الأغنام بشكل ملحوظ, علما أنه لا يوجد حاليا إحصائية لهذا العام .
وأشار إلى أن عدد الأبقار في عام 2018 ) وصل إلى ـ (76) ألف رأس , والأغنام مليون و150 ألف رأس , والماعز 68 ألف رأس , منوها أن الأعداد تزايدت مع بداية هذا العام .
تأمين الظروف الملائمة
وأضاف : وللحفاظ على ما تبقى من الثروة الحيوانية ومحاولة لتحسين الواقع لإعادتها إلى مستواها الجيد نظرا لفائدتها لمن يعمل بها فهي مصدر رزق وكذلك لأنها ركن أساسي داعم للاقتصاد الوطني تسعى الجهات المعنية لتأمين الظروف الملائمة من خلال اعتمادها خطة متوسطة الأمد للمحافظة على الخدمات المقدمة للمربين بشكل مستمر كتشجيع الفلاحين على الاستمرارية في تربية الأغنام إذ تعمل على توزيع الأعلاف مدعومة وضمن دورات علفية وفقا للعدد الإجمالي لقطيع الأغنام الذي يملكه المربي قبل الحرب كنوع من الدعم .
وأشار إلى أن الحكومة فتحت باب الاستيراد للأبقار من قبل وزارة الزراعة بالتعاون مع المصرف الزراعي وكل بقرة «بكيرة» يتم شراؤها من قبل المربي يتم دعمها بمبلغ 500 ألف ليرة سورية من الحكومة لتشجيع المربين على تربية الأبقار , موضحا أن عملية الشراء يمكن أن تتم نقدا أو بالتقسيط أيضا ..
علما أن وزارة الزراعة تقدم كافة التحصينات الوقائية لكافة المناطق في المحافظة ولم تظهر أي جائحة مرضية معدية والقطعان خالية من الأمراض السارية والمعدية, وتقدم اللقاحات والتحصينات مجانا ضد الأمراض ، وهذا يدل على أن النظام الوقائي فعال ، ويتم التواصل مع الأطباء البيطريين الموجودين في الوحدات الإرشادية في حال وجود أي مشكلة قد تعترضهم أثناء العمل .
خطة مدروسة
وحول عمليات التصدير وانعكاسها على الثروة الحيوانية وتأثيرها على الأعداد التي تناقصت بشكل كبير بسبب الحرب أكد د . شحود : أن سورية قبل الحرب كانت تصدر وكان ذلك يتم ضمن خطة مدروسة من قبل الدولة ولفترة قصيرة جدا أي تكون فترة التصدير ضمن فترة مواليد الأغنام وانتهاء عملية التسمين ،وتكون عملية التصدير بالتنسيق مع الجهات المعنية ولاسيما وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية باعتبارهما الجهات المعنية بالتصدير أي أنه في حال كان التصدير ممنهجا ومدروسا ضمن الآلية المطلوبة فهذا الأمر يحسن الواقع الاقتصادي ..
وأضاف : إن التصدير في حال كان مدروسا يساعد على وقف التهريب ويضمن حضورنا السوري في السوق العالمية نافيا أن يساهم في ارتفاع الأسعار في السوق المحلية .
خدمات « على قد الحال »
مستودعات الأعلاف المتواجدة في ريف حمص تقدم ما يحتاجه المربي بشكل إفرادي أو بشكل جماعي « الجمعيات الفلاحية » ولكن العديد من هذه المستودعات كان قد توقف عن العمل بسبب الحرب وأعمال التخريب التي قامت بها المجموعات الإرهابية …
في أحد مستودعات الأعلاف في ريف حمص علمنا من هيام الأحمد أمينة مستودع الرقامة للأعلاف أن المستودع منذ إحداثه مع نهاية السبعينات بدأ يقدم الخدمات للعديد من القرى والتي يقارب عددها اليوم حوالي 14 قرية وهو يقدم المواد العلفية التي تستهلكها الأغنام والأبقار والخيول وهي تتضمن : النخالة – خلطة الحلوب – خلطة جاهزة للأغنام ..
أما آلية التوزيع فهي تتم وفق نشرة إحصائية تقدمها مديرية الزراعة لفرع المؤسسة العامة للأعلاف في حمص ومنها تأتي إلى المستودع وبحسب الأسماء الموجودة للمربين وعدد رؤوس المواشي التي يمتلكونها يتم توزيع الكمية .
وبالرغم من الحرب التي مرت على البلاد لم تتأثر آلية العمل ولكن الزيادة الكبيرة في الأسعار هي التي أثرت على المربين وفقدان بعض المواد العلفية زاد في المشكلة فمادة « الكسبة» وهي مادة ضرورية ومهمة في غذاء المواشي وخاصة الأبقار الحلوب لم تعد متوفرة لأنها كانت تجلب من حلب – الليرمون …
إن الحرب التي أثرت على كامل البلاد من حيث الغلاء ونقص الكميات وجميع المربين في حالة ضيم ولكن التعاون ما بين فرع مؤسسة الأعلاف وإدارة التخزين في حمص لتأمين المادة العلفية بالكميات المتوفرة سيساهم كثيرا في تخطي الصعوبات وتكون المستودعات بكامل الجاهزية للتسليم وبالتالي لا يحمل المربي عبء الانتظار أو العودة أكثر من مرة ..
ارتفاع مبرر ..
عندما اجتاح وباء ارتفاع الأسعار البلاد أثر على المواطنين جميعا فكان ضربة قاسية ولكن بالنسبة للفلاحين ومربي الماشية فالأمر يكون مضاعفا عندما يترافق الغلاء مع الأحوال الجوية التي لا تساعده على الاستفادة مما تنتجه الأرض وخاصة لإطعام المواشي ويكون أمام أحد أمرين إما أن يستغني عن عدد قليل – أو كثير – من رؤوس الماشية أو يعمد كما كل المربين إلى زيادة في أسعار المنتجات الحيوانية … فعندما تكون أسعار الأعلاف مرتفعة سيكون سعر الحليب واللبن واللبنة … مرتفعا .
أخيراً
يرى البعض أن تهريب الأغنام خارج سورية هو سبب ارتفاع أسعار اللحوم في فترة من الفترات علما أن وزارة الزراعة تتشدد وتمنع ذبح إناث العواس .
ورغم الكثير من الإجراءات المتخذة من الجهات المعنية إلا أن عمليات التهريب تحدث ولو بشكل متفاوت لذكور الماعز والأغنام البلدية عبر المناطق الحدودية .
ولابد من القول : بالرغم من تراجع الثروة الحيوانية ولاسيما الأغنام مازال هذا القطاع قائما ولم تستورد الدولة السورية إلا بحدود ضيقة .
بشرى عنقة – منار الناعمة