كارثة بيئية جديدة تهدد حياة أهالي قرية قطينة والمحاصيل الزراعية …مساحة الأراضي المتضررة ما يقارب 300 دونم منها 169 دونماً مزروعاً بالقمح

بعد ظهر يوم الأربعاء 13/3/2019 تعرض عدد من أهالي قرية قطينة ( رجال –نساء-شباب –مسنون – أطفال ) لحالات صحية سيئة تمثلت في صعوبة التنفس والاختناق الشديد لدرجة الإغماء وتشنج الحنجرة والتهاب العيون…الخ وذلك جراء كثافة وسمية الغازات والأدخنة المنطلقة من معامل الشركة العامة للأسمدة والتي حملتها الرياح إلى الجهة الجنوبية والغربية من القرية .

وليست هذه هي المرة الأخيرة ولا الأولى ، فقد سبقها حدوث أمثالها نذكر منها ماحدث يوم الخميس 26/4/2007 حيث تعرض عدد من تلاميذ وطلاب مدارس قطينة الواقعة في الجهة الجنوبية ، إلى حالات مشابهة لما حدث مؤخراً أثناء تأديتهم تحية العلم ، حيث تم إسعافهم إلى العيادات الشاملة والى عيادات الأطباء الخاصة ، ومن ثم تم صرف جميع التلاميذ والطلاب إلى منازلهم تفادياً لحصول حالات صحية سيئة أخرى , وللعلم فإن الأضرار الناتجة عن التلوث البيئي التي تؤثر على الإنسان والمحاصيل الزراعية واقعة لا محالة طالما أن معامل الأسمدة في حالة الإنتاج ,لأن ظروف تشغيل المعامل والأقسام المنتجة سيئة فنياً ، عدا عن وجود تسريبات للغازات والأدخنة من الأنابيب والمضخات المهترئة , والأضرار الصحية والزراعية تكون واقعة حسب حركة اتجاه الهواء ، حيث من المحتمل أن يتغير اتجاه الهواء في اليوم الواحد عدة مرات ، وبذلك تكون الأضرار في كل الاتجاهات .
وللتوضيح أكثر فإن الحالات التي وقعت مؤخراً كانت خطيرة نتيجة لوجود غاز الأمونيا الخانق حراً في الجو ، بسبب توقف دارة تحويل مادة الأمونيا الغازية إلى سائلة بشكل كامل مما أدى إلى انطلاق غاز الأمونيا بشكل حر .
كما إن قسم حمض الكبريت في معمل السماد الفوسفاتي يعمل بأسوأ حالة فنية ، مما يؤدي إلى تسرب وانطلاق غاز (so3) السام الذي يؤثر على الإنسان والنبات ، بالإضافة إلى الجسيمات الصلبة التي تنطلق من مداخن معمل السماد الفوسفاتي والتي تؤثر على المواد الصلبة كالحديد وجدران الاسمنت ..

حدوث أكثـر من 200 إصابة
على أثر الكارثة البيئية التي حدثت أعد عدد من الأطباء الموجودين في قطينة تقريراً عن الحالات التي شاهدوها وعالجوا أصحابها ، حيث ذكروا الحالات النفسية التي ازدادت سوءاً إثر التشغيل السيئ لمعامل الشركة العامة للأسمدة التي تنطلق منها أكاسيد الكبريت والآزوت ، حيث تؤدي لحدوث حالات تنفسية صعبة عند أشخاص ليس لديهم حساسية سابقاً ، كما تؤدي إلى تفاقم الحالات عند من لديهم إصابات تنفسية سابقاً وقد وقع العديد من حالات الاختناق الشديد وصلت لدرجة الإغماء أثناء تشغيل قسم حمض الكبريت .
وجاء في التقرير : للعلم فإن إحدى منظمات الأدوية المانحة قدمت أكثر من مئتي جهاز رذاذ لأهالي القرية لمساعدتهم في التخفيف من الأزمات التنفسية عند حدوثها مما قلل عدد المراجعين للعيادات الخاصة والعيادات الشاملة ورغم ذلك – وعندما حدثت الكارثة – فقد ازداد بشكل كبير عدد الحالات التنفسية الصعبة والتحسسية الشديدة التي وصلت لدرجة الاختناق وتشنج الحنجرة ، مما اضطر عدد من الأشخاص لأخذ جلسات الإرذاذ والأوكسجين وقد بلغ عدد الأشخاص ( من مختلف الأعمار والأجناس ) الذين راجعوا عيادة أحد الأطباء حوالي 33 شخصاً حالاتهم ناجمة عن التعرض لمنبعثات معامل الأسمدة السامة منهم 3 أشخاص أحيلوا إلى مشافي حمص لاستكمال العلاج ، وإحدى السيدات توفيت وطفل عمره خمس سنوات يتوقف عن الذهاب إلى الروضة عند تعرضه لحالة شبه اختناق يضاف إلى ذلك « كما جاء في التقرير «هناك أكثر من 200 حالة راجعت عيادات الأطباء الخاصة والعيادات الشاملة بسبب سوء وضعهم الصحي .

إصابات واضحة
وفي عيادة خاصة لأحد الأطباء أوضح الدكتور أن حوالي 7 حالات صحية راجعوا عيادته خلال يومي الخميس والجمعة ( بعد حدوث الكارثة يوم الأربعاء 13 آذار ) احتاج أصحابها لإجراء جلسات رذاذ ووصف الدواء اللازم لمتابعة العلاج ، وبعض الأشخاص احتاجوا لمعالجة وريدية نظراً لشدة الإصابة التنفسية، من جهة ثانية تجاوز عدد الأشخاص الذين أصيبوا بضيق في التنفس الـ 70 حالة وذلك خلال مدة 40 يوماً من بداية شهر شباط ، حيث أجريت لهم جلسات رذاذ متكررة مع إعطائهم أدوية علاجية وللعلم فإن معظمهم لديهم أجهزة رذاذ يستخدمونها في المنازل ..
إن مشكلة التلوث في قطينة التي عمرها أكثر من 40 عاماً دون وجود بصيص أمل أو تفاؤل بسيط في الحد من هذه المشكلة ، جعلت أهل القرية يجمعون على مطلب من الجهات المعنية وهو تأمين وجبة غذاء داعمة للأطفال ( حليب وبيض ) تقيهم من أضرار الغازات السامة ، وكذلك دعم العيادات الشاملة بالمستلزمات الطبية اللازمة : سيارة إسعاف ، عدد من الأطباء الاختصاصيين ، وذلك كي تقوم بمهامها المطلوبة على أكمل وجه .

مشاهدات ودلالات
ما يتعلق بالمحاصيل الزراعية فقد تعرضت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية – بعد حدوث الكارثة – لأضرار بالمحاصيل الزراعية المختلفة تفاوتت شدتها من مكان لآخر حسب بعد وقرب وموقع الأراضي الزراعية , وحسب حركة اتجاه الرياح و برأي بعض المهندسين الزراعيين فإن نسبة الضرر في المحاصيل الزراعية الواقعة في الجهة الجنوبية من القرية 70-80 % وكلما أصبحت الأراضي بعيدة عن موقع المعامل تدنت نسبة الضرر إلى 50 % وأقل حتى إن النباتات والأعشاب الضارة مثل ( الشوك – الخبيزة ) احترقت بالكامل مع العلم أن الأدوية الكيميائية لا تقضي عليها .
وخلال الأيام القليلة التي تلت وقوع الكارثة قام ممثلو مديرية الزراعة بحمص , واتحاد فلاحي حمص وعضو مجلس محافظة حمص عن قطينة وعدد من المهندسين الزراعيين والجهات الرسمية في القرية بجولة ميدانية على الأراضي المتضررة حيث شاهدوا بالعين المجردة ما أصاب المحاصيل الزراعية من أضرار كبيرة , وأكدوا أن هذا الوضع يعتبر مأساوياً بالنسبة للمزارعين وعلى الشركة أن تدفع لهم تعويضات مالية وكل المزارعين المتضررين كانت علامات التوتر والانزعاج واضحة على وجوههم وعلى أحاديثهم التي توجه اللوم الى كل الجهات المعنية العاجزة عن تخليصهم من هذا الوباء الخطير .. وحسب رأي رئيس الوحدة الإرشادية في قطينة : إن الاحتراق الذي حصل في المحاصيل الزراعية نتيجة كثافة وشدة الغازات , تختلف نتائجه حسب نوع المحصول ففي المحاصيل التي في طور الإزهار أو الإنتاج : كالفول والبازلاء والحمص والثوم والبصل , تكون نسبة تجديد الاخضرار ضعيفة وفي محاصيل القمح والشعير ( في مرحلة الاسبال ) تكون الأضرار كبيرة وعلى كل مزارع متضرر أن يرفع دعوى قضائية على الشركة للتعويض .
وللتذكير في هذا المجال فإن بعض المزارعين الذين لديهم أراض فيها أشجار زيتون منتجة وتقع في الجهة الشرقية من القرية أقاموا سابقاً دعاوى قضائية على الشركة ( تعويض عطل وضرر ) وحصلوا على هذا التعويض وهم مستمرون في رفع الدعاوى كلما وقع الضرر .
وحسب المعلومات التي حصلنا عليها فإن عدد المزارعين الذين تعرضت أراضيهم للضرر بلغ حوالي 100 مزارع , ومساحة الأراضي المتضررة ما يقارب 300 دونم مزروعة بمحاصيل : قمح – شعير – بازلاء – فول – حمص – ثوم – بصل – وجزر . وأهم هذه المحاصيل محصول القمح الذي يعتبر محصولاً استراتيجياً , حيث تبلغ المساحة المزروعة بالقمح والتي أصابها الضرر 169 دونماً , لذلك فإن الخسارة تكون كبيرة للمزارعين وللدولة .
ويتساءل المزارعون : إذا كان وجود هذه المنشأة الاقتصادية ضروري لتأمين حاجة القطاع الزراعي من أنواع الأسمدة الكيميائية , هل يعني ذلك أن تؤدي الغازات والأدخنة السامة المنطلقة من معامل الشركة إلى إتلاف محاصيلنا الزراعية وإصابتنا بمختلف الأمراض ؟ والى متى يستمر هذا الوضع السيئ ؟ وهل هناك أمل بأن تخف هذه الملوثات الغازية بعد القيام بأعمال إعادة تأهيل وتطوير المعامل ؟!

أضرار بشرية وزراعية
المهندس طلال العلي مدير البيئة في حمص تحدث عن الأضرار الناتجة عن تشغيل معامل الأسمدة ووجود التلوث القديم الجديد فقال : تلوث مياه نهر العاصي وعدم صلاحيتها للأغراض الزراعية أحيانا مما أدى الى خروج مساحات من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة عن الخدمة , وعدم صلاحية المياه يؤدي إلى صرف مبالغ مالية كبيرة لتنقية هذه المياه لتصبح صالحة للاستخدامات المنزلية .. وأضاف : أدى التلوث في مياه نهر العاصي وبحيرة قطينة إلى انحسار الثروة السمكية في النهر وفي البحيرات التي تملأ منه , كما أدى التلوث إلى خلل في مواصفات التربة وتسرب الملوثات إلى باطن الأرض وتلوثت المياه الجوفية بمادة النترات حيث خرج العديد من الآبار من الخدمة وأصبحت بحاجة إلى معالجة .
وأشار إلى أن التلوث الناجم عن الغازات والأبخرة يؤثر صحيا على السكان وعلى البيئة مما يؤدي إلى انتشار بعض الأمراض وبالتالي صرف مبالغ كبيرة على الأدوية اللازمة لعلاج تلك الأمراض .
وفي الشأن السياحي قال : أدى تلوث بحيرة قطينة إلى عدم إمكانية إقامة منشآت سياحية على ضفافها « والتي تتميز بالاتساع وقلة العمق» وبالتالي تصح أن يقام على ضفافها منتجعات وفنادق وتمارس في مياهها الرياضات المائية وهذا كله يفوت مبالغ ضخمة على الاقتصاد الوطني من العائدات السياحية .

رفع التلوث البيئي
وعن الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل مديرية البيئة بهذا الخصوص قال : تم عقد اجتماع فني بيئي برئاسة نائب المحافظ وعضو المكتب التنفيذي لقطاع البيئة والصحة والطاقم الفني في المديرية مع إدارة الشركة العامة للأسمدة وتم تزويدهم بدراسة فنية تفصيلية تتضمن الإجراءات المطلوبة لكل من أقسام المعمل لرفع التلوث البيئي « وتحقيق مبدأ الإنتاج الأنظف» وتطبيق أساليب وأدوات الإدارة البيئية .

تنفيذ الشروط المطلوبة
ولدى سؤالنا عن العقد الذي تم توقيعه مع شركة روسية لصيانة واستثمار المعامل قال : تم توقيع عقد بين وزارة الصناعة «المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية» وشركة روسية لصيانة واستثمار المعامل ,وبرأي مديرية البيئة أنه من الضروري إلزام الشركة المتعاقد معها بتحسين الوضع البيئي من خلال تنفيذ الشروط المطلوبة لصيانة محطة المنصرفات السائلة والإنبعاثات الغازية وغبار الكبريت وذلك من خلال تحديث تقنية المعمل في كافة أقسامه , وتشغيل محطات المعالجة الرئيسة للشركة بكفاءة عالية للمنصرفات السائلة , ومعالجة الملوثات الغازية , وإنشاء مستودعات نظامية لتخزين الكبريت والتخلص الآمن من النفايات الصلبة , إضافة الى رفع التلوث الحاصل بسبب الشركة العامة للأسمدة عن الأراضي الزراعية المجاورة وتحسين تربتها .
وختم حديثه : إن الحل الأمثل بيئيا على المدى الإستراتيجي هو نقل المعامل من موقعها إلى مواقع إنتاج الفوسفات في المنطقة الشرقية , وبالتالي التخلص النهائي من التلوث البيئي وتحقيق الجدوى الاقتصادية من ذلك نظرا لارتفاع تكاليف الإجراءات الإسعافية ..

لا تلوث حاصل
وباعتبار الشركة العامة للأسمدة طرف أساسي ومهم في الموضوع اتصلنا بمدير الشركة محمد حمشو لمعرفة الإجراءات التي قامت بها الشركة خلال الفترة الماضية أثناء الحالات المرضية التي ظهرت بين سكان قرية قطينة نتيجة لكثافة وسمية الغازات والدخان المنطلق من معامل الشركة والتي حملتها الرياح إلى الجهة الجنوبية والغربية من القرية , وكان رده بتأجيل موعد اللقاء الى يوم آخر وعند القيام بالاتصال به ثانية ولعدة مرات استغرب الحديث عن وجود التلوث ونفى ذلك وكانت الحجة في النهاية أنه يتم البدء بتنفيذ العقد الموقع مع الشركة الروسية ولا وقت لديه للإجابة عن تساؤلاتنا ولا عن شكاوى الأهالي القاطنين بجوار المعامل ..

أخيرا
نتمنى أن يراعي العقد المنفذ مع الشركة الروسية صحة وسلامة المواطنين والأراضي الزراعية ومن ثم الاهتمام بالعائدات الاقتصادية التي من الممكن أن يحققها نجاح العقد …

رفعت مثلا – بشرى عنقة

المزيد...
آخر الأخبار
في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج... فرز الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية إلى عدد من الجهات العامة أفكار وطروحات متعددة حول تعديل قانون الشركات في جلسة حوارية بغرفة تجارة حمص بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية مديرية الآثار والمتاحف تنفي ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول اكتشاف أبجدية جديدة في تل أم المرا ب... رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من القطاعات القبض على مروج مخـدرات بحمص ومصادرة أكثر من 11 كغ من الحشيش و 10740 حبة مخـدرة "محامو الدولة "حماة المال العام يطالبون بالمساواة شراء  الألبسة والأحذية الشتوية عبء إضافي على المواطنين... 400ألف ليرة وأكثر  سعر الجاكيت وأسواق الب...