الشعر وآفاق التجريب .. نقد تطبيقي وتمييز التجريب من التجربة في شعر الحداثة

على مدى يومين متتالين ناقش المنتدون في كلية الآداب مفهوم التجريب في الشعر آفاق وتطور كنا هناك وعدنا لكم بالتقرير التالي :

التجريب عند درويش
تقدمت الدكتورة روعة الفقس بورقة عمل تحدثت فيها عن التجريب في شعر محمود درويش من خلال قصيدته»في بيت أمي «وتحدثت عن العنوان كعتبة أولى لأي نص شعري وأكدت تميز درويش بالعنونة التي تشي بالإيحاء والجمالية الخاصة بأسلوبه وتستهوي قارئ نصه ,وبينت استحضار درويش في هذه القصيدة للوركا وبابلو نيرودا أما مقرر الجلسة الأستاذ الدكتور سعد الدين كليب فعلق على كلام الدكتورة الفقس بأنه لا يوجد فيه حديث عن التجريب.

آلية التجريب
الورقة الثانية مقدمة من الدكتور عبد النبي اصطيف من جامعة دمشق بعنوان التجريب في الأدب المصطلح والمفهوم وطبق مفاهيمه على نماذج عربية منسية فبدأ بتعريف التجريب في الشعر وأسبابه مبيناً أن الأدباء يشعرون بالرتابة فيجربون ليخرجوا من الرتابة ضمن ممكنات النظام الموجود فالأديب يرى أن آفاقاً كثيرة لم تكتشف بعد ..يجرب علَّه ينجح وهناك أمور وصلت إلى طريق مسدود يرى الأديب ضرورة شق طريق جديد لها, وأسهب في شرح آلية التجريب بتطبيق مبدأ المحاولة والخطأ وهذا ما قامت به نازك الملائكة ,مبيناً أن النمو الطبيعي لأي تجربة أدبية تبدأ بالتجريب ثم مرحلة التجذير والتأصيل إلى أن يطالها الرتابة فيأتي من يتحدى هذه الرتابة وهكذا ..
طبق الدكتور اصطيف مفاهيمه تلك على تجربتين شعريتين لم تأخذا طريقهما إلى الشهرة وهي تجربة الدكتور لويس عوض وكمال أبو ديب ورأى أن ملامح تجربة لويس عوض ظهرت جلية في كتابه «كوتولاند وقصائد خاصة» مبيناً أن هذا الديوان هو ثورة على الرومنتيكية,يدعو فيه إلى كسر عمود الشعر ويرى أن الموشحات خروج على عمود الشعر في الأندلس ,مبيناً أن صب الخمر في القوارير القديمة لا يؤدي إلى نتيجة جديدة,كما عرج الباحث على تجربة كمال أبو ديب ونزوعه للتجريب في نتاجاته الأدبية عامة مبيناً أنه حاول تقمص دور المتنبي في أحايين كثيرة .وقد طرأ التجريب على تجربته الشعرية حتى في الشكل الخارجي للطباعة حيث كتب باللونين الأبيض والأسود مرة كتابة سوداء على ورق أبيض و مرة بيضاء على ورق أسود ,وكذلك كان هناك توظيف لنوعية الخط والطباعة .ومن الجدير بالذكر أن بعض المداخلات التي وردت من قبل الحضور حول أهمية تجربة كلا الشاعرين (عوض وأبوديب)خاصة وأنها تجارب لم يدم لها الاستمرار وقد رد الباحث اصطيف على هذا الكلام بأن التجربة التي لا تتأصل بالاستمرارية لا قيمة لها وأنه اورد هذه الامثلة كتثبيت لهذه الفكرة..

التجريب وفاعلية التأسيس
قدمت الأستاذة الدكتورة مها خير بك من الجامعة اللبنانية ورقة عمل عنونتها بـ «التجارب الشعرية الحديثة وفاعلية التأسيس» تحدثت فيها عن مفهوم التجربة الشعرية مبينة أن المعنى المعجمي للتجربة يشير إلى الكشف ,أما الشعر فيفيد الإحساس وتساءلت: هل كل التجارب الشعرية التي عرفها القارىء العربي أفادت الكشف والاحساس ؟ موضحة أن السياب كان حداثوياً لكنه كان يكتب في الماضي وعيناه للأمام ,مبينة أن الكلام في التجربة الشعرية يماثل تماماً الكلام في التجربة العلمية مع تمايز كبير في المختبر والنتائج ,حيث التجربة الكيميائية تعليمية بينما يتوجب على التجربة الشعرية أن تعطي شيئاً مغايراً,علينا أن نبقى متصلين ومتجاوزين في اللحظة ذاتها ,حيث تستعصي حرمة اللغة الشعرية على الكشف,وبينت أن جبران خليل جبران كان مؤسساً لقصيدة النثر وكذلك أدونيس ,موضحة أن الشاعر الحقيقي تسكنه قوة الابتكار فيسكنها ليستكشف بها ومعها عوالم باطنية لا تُلمس بالرؤيا لذلك مهمة التجريب تتمحور حول منح الحياة الهدف والمعنى .

وظيفة التنقيط الفراغي
الدكتور مرشد أحمد من جامعة حلب تحدث عن جمالية التنقيط الطباعي في شعر الحداثة مبيناً أن التجريب في الشعر هو ممارسة أدبية واعية وليست ميلاً عشوائياً ,والذات المبدعة هي سيدة نفسها ,أما غواية الحداثة فهي المحفز الذهني مبيناَ أن التنقيط الفراغي بعد الكلام هو صمت شعري يؤدي دوراً جمالياً ويشتغل التنقيط قبل النص المكتوب وبعده واستشهد بأمثلة من مجموعة أزاهر الدم لمحمود درويش حيث يشرك التنقيط الفراغي المتلقي في صياغة النتيجة التي تُترك مفتوحة ضمن ما سبقها حيث يساهم التنقيط في تعدد الأصوات فهو ليس تزويقاً مجانياً بل أنجز نسقاً وظيفياً وبين أفق التخييل الشعري ويدل على نبل الإبداع كونه يرفض أحادية التلقي .الجدير بالذكر أن إحدى المداخلات حول ورقة العمل التي قدمها الدكتور مرشد حول وظيفة التنقيط المفقودة من خلال السمع وبالتالي للتنقيط وظيفة في التلقي البصري للنص فقط.
ما بعد بعد الحداثة
في نهاية الجلسة تساؤلات عديدة أغنت الحوار وحولت الجلسة العلمية إلى ميدان تطبيقي للمفاهيم النظرية وأكدت المداخلات أن امرىء القيس كان حداثوياً بالنسبة لأبناء جيله وكذلك كان أبو نواس والمتنبي وأن التجريب موجود في كل أدب وهناك فرق بين التجربة والتجريب ولا تجربة دون تجريب شرط أن يهدف التجريب للتفرد ,في حين تحدثت إحدى المداخلات أن الأبحاث التي قُدمت تُنظِّر في الجانب الوردي للتجريب ولم تنظر في أن يكون التجريب عبثيا ًأحياناً خاصة في ظل العدد المتنامي للشعراء ورغبة الجميع في كتابة الشعر ,وليس بالضرورة أن يكون كل تجريب إيجابياً فبعض التجريب ولَّد قطيعة مع التراث الشعري المحفوظ في الذائقة الشعرية ,وإن التجريب الشعري في كثير من الأحيان لم يرق لمرحلة التجربة ولم يؤثر ولم يؤسس ,لذلك ليس ضرورياُ الاحتفاء بهذه التجارب الفاشلة كان من كان قائلها.

أخيراً
أفكار هامة جداً تم تداولها في مؤتمر كلية الآداب حول التجريب في الشعر تمنيت لو حضره أكبر عدد من الشعراء ليفيدوا من رؤية النقد لتجاربهم حتى يتمكنوا من تقييم أنفسهم من خلال معرفة المذاهب التجريبية في الشعروتطوير نتاجاتهم لترقى لمستوى الحلم عسانا نؤسس لتجربة قابلة للحياة .
ميمونة العلي

المزيد...
آخر الأخبار