انطلاقاً من أهمية القطاع الزراعي في الاقتصاد المحلي تولي جريدة العروبة الأهمية القصوى للقضايا التي تشغل بال الفلاحين وتؤرقهم وتتحول عاماً بعد آخر إلى عبء حقيقي يجعلهم غير قادرين على متابعة العمل بوتيرة متصاعدة..
حالات كثيرة من الإقلاع عن العمل بالزراعة بمختلف الأصناف نشهدها وهي ليست قليلة ,وحالات أخرى تعود عودة عرجاء فلا المحصول يغطي التكاليف و لا الدعم المقدم يفي بالغرض ، في اغلب الأحوال تبقى الكلمة الفصل للتاجر الذي يتفنن كل عام باختراع طرق وأساليب لجني أكبر ربح ممكن دون أدنى جهد ….
العروبة التقت عدداً كبيراً من فلاحي ريف المحافظة و الذين كانت شكواهم هذه المرة عن العمولة الكبيرة التي يتقاضاها المصرف الزراعي على أسعار الأسمدة , والتي يرون فيها عبئاً إضافياً لا يستهان به …
عمولة المصرف
فلاحون من قرية المرانة قالوا: نعتمد على زراعة التفاح وهو نوع يحتاج إلى عناية خاصة و لايمكن التهاون بأي خطوة من خطوات العناية و التقليم و الحراثة التي تتجاوز أجرة ساعتها الألفي ليرة , ليزيد في الطنبور نغماً أسعار السماد المرتفعة ,وشعورنا بالغبن ازداد أكثر عندما عرفنا سعر العمولة التي يتقاضاها المصرف الزراعي لقاء تسليم الأسمدة من شركة الأسمدة للمصارف الزراعية والجمعيات الفلاحية أو الفلاحين بشكل فردي..
عدد من فلاحي قرى الناعم والجوبانية وبولاد قالوا : نعتمد في قرانا على زراعة البطاطا و هي أيضاً من المحاصيل التي تحتاج إلى كميات من الأسمدة لاينجح الموسم بدون وجودها, وإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة لتكاليف الإنتاج بدءاً من البذار إلى الري والأسمدة و الأدوية إلى الجني و أجور اليد العاملة وصولاً إلى التسويق نجد أن المحصول خاسر … وأشاروا إلى إقلاع عدد لا بأس به من الفلاحين عن الزراعة و تقلص المساحات المزروعة بهذا المحصول ,وأضافوا: حبذا لو يتم تخفيض العمولة التي يتقاضاها المصرف الزراعي على الأسمدة كونها مرتفعة جداً – بنظرنا – و بالتالي تقل الأعباء الكثيرة الملقاة على عاتقنا.
السعر مرتبط بالتكلفة
وأشار فلاحون من قرية الزعفرانة إلى أن تكاليف الإنتاج هي المحدد الرئيسي لسعر المنتج في السوق ,و العلاقة بين التكاليف و التسويق طردية, و بالتالي إذا تضافرت الجهود لتخفيض التكاليف فإن هذا سينعكس بشكل مباشر على السعر في الأسواق و يخلق حالة انتعاش جيدة للقطاع الزراعي ويساعد الفلاح الذي يعاني الأمرين ويخفف من الهموم والأعباء الكثيرة التي يعاني الفلاح منها…
خيبات متتالية
من جهة ثانية أوضح مزارعون من قرية عيناتا و الرجبلية وتل الصفا وأم حارتين أنهم يعتمدون على زراعة الخضراوات والفاكهة ومنها الفريز, وأضافوا أن الحاجة للأسمدة ضرورية جداً و خاصة للخضراوات الشتوية المزروعة في بيوت بلاستيكية ,ورغم العناية الفائقة إلا أن موجة صقيع واحدة كفيلة بالقضاء على المواسم كلها و(كأنك يا أبا زيد ماغزيت) , لنعيد الكرة في العام اللاحق وهكذا دواليك .
وقالوا : إذا حسبنا سعر الأسمدة خلال موسم واحد نجد أنها غالية جداً وتزيد الحمل على الفلاح الذي يحتار من أين يتلقى الصدمات و الخيبات في مواسم متعددة و متتالية .
ترك العمل الزراعي
وذكر مزارعون من بلدة شين وقرى جبلايا و الخويخة و حاصور :في كل عام تختصر المسافة المزروعة عن العام الذي يسبقه بسبب غلاء الأسعار .
وأشار أحدهم إلى أن الأرض مصدر رزقه الوحيد و أصبح من الضروري البحث عن مصدر آخر لأن التكاليف – على مايبدو – في ارتفاع متوال..
مطلب محق !
و ذكر محمد الأحمد مدير فرع المصرف الزراعي بحمص أن مطلب الفلاحين محق بهذا الخصوص إذ يرون أن العمولة كبيرة جداً ,ولكن الأمر ليس كما يبدو فالمصرف يتحمل الكثير من النفقات لقاء شراء الأسمدة من الشركة العامة للأسمدة أو استيرادها – حسب الظرف ،و تحدد العمولات وأسعار المبيع بالتنسيق بين وزارة الصناعة التي تتبع لها المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية ومن ضمنها الشركة العامة للأسمدة و وزارة المالية التي يتبع لها المصرف الزراعي ,وتحدد الأسعار بناء على قرار لجنة اقتصادية وزارية تدرس التكاليف و الأسعار بشكل دقيق,مشيراً إلى رد اللجنة على المطالبات بتخفيض العمولة أو البيع للفلاحين بشكل مباشر بعدم الموافقة بهدف ضبط عملية البيع وفق القرارات الناظمة سواء بالأسلوب النقدي أو بالإقراض .
ونوه الأحمد في حديثه أن على المصرف الزراعي الكثير من النفقات التي يلتزم بها لقاء قيامه بعملية شراء الأسمدة من الشركة العامة و تسليمها للفلاحين أو الجمعيات الفلاحية في المحافظة ,حيث تصرف العمولات على أجور النقل و صيانة المستودعات بشكل دوري حفاظاً على بنيتها من الضرر الذي يصيبها نتيجة وجود المواد الكيميائية فيها بالإضافة لصيانة الطرق المؤدية لها و تحمل الخسارات الناتجة عن فروق الأسعار وخاصة عندما كان يتم استيراد السماد.
التأخير بسبب الجمعيات
أما عن موضوع التأخير بتسليم الأسمدة في بعض الأحيان فعزاه الأحمد لتأخر الجمعيات الفلاحية في عملها بتنظيم جداول الفلاحين الراغبين باستجرار السماد وفق أحكام المادة 17 من النظام المالي الناظم لعمل الجمعيات .
مؤكداً أنه خلال الأشهر المنصرمة من العام الحالي تم تسليم ألف طن من سماد اليوريا و 340 طناً من سماد السوبر,و يسعى المصرف لتخديم الفلاحين بالطاقة القصوى مشيراً لعودة العمل بنظام الإقراض في مفاصل متعددة. ستأتي العروبة على ذكرها لاحقاً .
همس من اتحاد الفلاحين !!
من جهة ثانية قال يحيى السقا رئيس اتحاد فلاحي حمص وموفق زكريا رئيس مكتب التسويق في تصريحهما للعروبة أن الاتحاد أرسل عدة كتب مطالبة إما بتخفيض عمولة المصرف الزراعي أو إيلاء هذه المهمة للجمعيات الفلاحية المنتشرة في ريف المحافظة .
وأشارا إلى أن سعر مبيع الطن الواحد من سماد اليوريا 46% من فرع المصرف الزراعي التعاوني للفلاحين 175 ألف ل.س بينما يستلمه المصرف من الشركة العامة للأسمدة بسعر 130ألف ل.س والفارق 45 ألف ل.س وهي القيمة التي يتقاضها المصرف كعمولة , أما سعر مبيع الطن الواحد من سماد سوبر فوسفات 46% من فروع المصرف الزراعي للفلاحين 151200ل.س بينما يشتريه المصرف من الشركة العامة للأسمدة بسعر 120ألف ل.س والفارق بين السعرين 31200 ل.س وهي العمولة….
ويرى السقا وزكريا بأن الزيادة الكبيرة بين السعرين و التي هي عبارة عن عمولة المصرف كبيرة جداً ,و يقترح الاتحاد أن تقوم الجمعيات الفلاحية التعاونية باستجرار الأسمدة المخصصة لها وفق التنظيم الزراعي المعتمد بأسلوب الشراء المباشر من الشركة العامة للأسمدة المنتجة مع تحمل هذه الجمعيات تكاليف النقل وتوزيعه على مستحقيه من الفلاحين.
وأكدا أن هذا الوفر المادي سينعكس إيجاباً على تخفيض تكاليف إنتاج المحاصيل الزراعية و خاصة غير الإستراتيجية منها و التي يتحكم بسعرها قانون العرض و الطلب و تجار السوق المحلي مما يعود بتحسن المستوى المعيشي للفلاح , خاصة وأن سعر مبيع الأسمدة الزراعية وحصر توزيعها وبيعها عبر فروع المصرف الزراعي التعاوني محكوم بقرار اللجنة الاقتصادية …
الرد الوزاري
ومن مصادر مطلعة حصلت العروبة على رد وزارة الصناعة والذي جاء فيه: ( إن تحديد أسعار الأسمدة يتم بموافقة اللجنة الاقتصادية بعد دراسة تكاليف إنتاجه من قبل الشركة العامة للأسمدة , وقد وافقت اللجنة على الرفع التدريجي لسعر الغاز المستجر من قبل الشركة العامة للأسمدة وصولاً إلى حدود السقف المعتمد مع بداية العام 2019 والذي يعكس ارتفاعاً على تكلفة إنتاج السماد و بالتالي رفع سعر الأسمدة وليس تخفيضها….
ومما جاء في الرد (يتعذر على الشركة تخفيض أسعار الأسمدة إلا في حال إعادة النظر في تسعير مادة الغاز و أسعار مادة الفيول و الكبريت الخام وتوريد الغاز إلى الشركة بشكل مستمر) ..
وفي السياق ذاته ذكر مدير عام الشركة العامة للأسمدة المهندس طراف مرعي بأن الشركة تعترض على السعر الحالي للأسمدة وتطلب رفعه كونه لايغطي تكاليف الإنتاج ونحن بانتظار قرار اللجنة الاقتصادية للبت بالموضوع بشكل نهائي .
أخيراً
يبدو أن المقولة السائدة في يومنا هذا بأن لاشيء ممكن أن يشهد انخفاضاً في سعره يتحقق في كل مفاصل حياتنا اليومية ,و من هنا يرى الفلاح نفسه بأنه الحلقة الأضعف دائماً .
ولابد – في المرحلة الحالية تحديداً – من منح الفلاح تعويضاً مشجعاً لضمان استمراره بالعمل الزراعي بحيث يبدأ بالدعم المادي للبذار و المبيدات و ….و لاينتهي بتخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج ..
تحقيق- هنادي سلامة – محمد بلول