في مشهد بات مألوفا للكثيرين أصبحنا نرى سائقي التكسي العمومي قد انسجموا مع فكرة عدم تشغيل عداد الأجرة وتناسوه تماماً منذ بداية سنوات الحرب وحتى الآن ورغم عودة الحياة إلى ما كانت عليه وفتح جميع الشوارع في الأحياء إلا أن حجتهم ما زالت قائمة ويختصرونها بعبارة واحدة (ما بتوفي معنا.. وظروف الحياة ما بترحم )
لذلك بات من الطبيعي أن يشترطوا على الراكب الأجرة التي يريدونها متجاهلين موضوع العداد، وأصبح السائق يحدد الأجرة حسب مزاجه وتقديره للمسافة ، ولم تقتصر هذه المخالفة على المدينة بل امتدت إلى الريف والمزعج أيضا « كما يقول الناس » إذا ما فكر المواطن اليوم الطلب من سائق «التكسي» الذي يقله إلى مكان ما أن يشّغل العداد يظن أنك تمزح معه أو أنه من بلد آخر ، وكأنه لا يعرف الواقع المعيشي وغلاء الأسعار والمحروقات وووو.. لذلك حتى الراكب نسي موضوع العداد وتوقف عن النقاش مع السائق وكأن حقه بدفع الأجرة التي يشير العداد إليها عند الوصول قد مات …
في جولة قمنا بها في بعض أحياء المدينة تحدثنا مع بعض المواطنين عن معاناتهم في دفع الأجرة التي يفرضها السائق عند اضطرارهم الاستعانة بسيارة الأجرة بدلا من وسائط المواصلات ا؟لأخرى فكانت الآراء التالية …
ما بتجيب همها
بتول محرز» موظفة» قالت: لا نركب سيارة الأجرة إلا إذا اضطررنا إلى ذلك أي في وقت الازدحام وبعد انتظار طويل على مواقف الباصات , ومع ذلك هناك استغلال كبير من السائقين وعدم تقيد بالعداد والحجة دائماً أنها لا تغطي النفقات اليومية لهم أو (ما بتجيب همها) , وأضافت : يستغل السائق حاجتنا وضيق وقتنا لتحديد التسعيرة التي تناسبه ..
تعديل العداد
المواطن سمير اليوسف قال : رغم أنه مع كل زيادة كانت تطرأ على سعر صفيحة البنزين كان يعقبها مباشرة تعديل لعدادات «التكسي »العمومي «حسب ما تشير إليه الجهات المعنية» ، ومع ذلك يبقى الأمر على حاله في عدم التزام السائقين بتشغيل العداد، وربما بعضهم لم يعدل عداده حتى يوهموا الركاب بأن الحق معهم في عدم تشغيله.
اتفاق مسبق
سماهر « ربة منزل » قالت : عندما أضطر لأخذ سيارة أجرة أتفق مع السائق قبل صعودي على التسعيرة, حتى لا أفاجأ عند وصولي بقيمتها وهناك من يرفض أن يقلني لأن الأجرة لا تعجبه وهناك من يقبل ولكن عندما أعطيه أجرته لا يرد لي الباقي بحجة أن الطريق كان مزدحماً وبالتالي لابد من زيادة الأجرة وتساءلت لماذا لا تقوم شرطة المرور بمراقبة مدى التزام سائقي سيارات الأجرة بالتعرفة.
السائق محمد قال : يقوم عناصر شرطة المرور بملاحقتنا وينظمون المخالفات بحقنا لكل صغيرة وكبيرة , ورغم عدم تقيد الكثيرين بقانون السير إلا أن شرطة المرور تلاحق سائق التكسي ويضيف: إنه يقوم بدفع المخالفات التي باتت ترهقه ليستمر بالعمل لأن سيارته هي مصدر الرزق الوحيد له ولأسرته.
صيانة ورسوم
السائق أبو جميل أكد أنه يضطر في كثير من الأحيان لعدم تشغيل العداد لأنه وعلى حد تعبيره (غير منصف) وبرأيه : أن تعرفة العداد الحالية بالكاد تسد نفقات سيارته من صيانة ورسوم وميكانيك وقطع تبديل ، مؤكداً أنه يحدد التسعيرة وفقاً لتقديره المسافة والتعرفة المناسبة كي لا يستغل الراكب, وتكون الأجرة مرتفعة وبنفس الوقت لا يتعرض هو الآخر للخسارة، لافتاً إلى أنه يأخذ من الراكب مثلاً من دوار السيد الرئيس باتجاه حي المحطة مبلغ 400ل.س وهو مبلغ منطقي بالنسبة للسائق والراكب على حد تعبيره.
أما السائق أبو محمد يرى العمل على سيارة عمومي يدور محركها طيلة اليوم لا يتناسب مع التسعيرة المحددة على العدادات من قبل الجهات المعنية ، وبرأيه التفاهم مع الراكب بخصوص التسعيرة أفضل من وجود العداد .
استغلال الحاجة
انطلقت الموظفة إنعام من مكان عملها عند انتهاء الدوام الرسمي وخلال فترة الذروة مستقلة سيارة تكسي عمومي لشراء بعض الحاجيات حتى تصل بسرعة إلى منزلها مع عودة أبنائها من المدارس ، لكنها تشاجرت مع سائق التاكسي والسبب في ذلك امتناعه عن تشغيل عداد السيارة، ومطالبته لها بأجرة تفوق المتوقع بكثير مما اضطرها للاستعانة بأحد عناصر شرطة المرور وتنظيم الضبط اللازم بحق السائق ..
التسعيرة مضاعفة
المواطن رأفت قال: في إحدى المرات اضطررت إلى السفر للقرية , ففكرت أن أستقل سيارة أجرة « لوجود حقائب كبيرة و أمتعة معي » , وأردت أن أعرف كم يسجل عداد الأجرة من حي الأرمن حيث أسكن وحتى الكراج الشمالي , فطلبت من السائق الذي اشترط أن يأخذ 800 ليرة قبل أن يقلني ، أن يشغل العداد وسأعطيه ما يريد ، و كانت المفاجأة عندما وصلنا أن العداد يشير إلى 153 ليرة فقط .. فهل يعقل أن يدفع الراكب أضعاف مضاعفة من الأجرة كلما اضطر لذلك .. وأن يأخذ السائق أكثر مما يستحق بكثير.
ضبوط ومخالفات
وأفادناشرطي مرور أن العناصر منتشرون في جميع أحياء المدينة يراقبون يومياً سيارات الأجرة العمومية ويتم تنظيم ضبوط بحق أصحابها ففي حال مخالفتها يتم حجزها لمدة أسبوع وتغريم سائقها مشيرا إلى أنه في حال امتناع أصحاب سيارات الأجرة عن تشغيل العداد أو تقاضي أجر زائد يتم توقيف السائق وحجز السيارة بناء على البند / 5 / من المادة / 199 / من قانون السير.
في حال الشكوى
مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحمص رامي اليوسف أوضح أن عناصر المديرية تقوم بالتحرك بناء على الشكوى المقدمة من المواطن بأن سائق التكسي قد تقاضى تسعيرة زائدة لا تتناسب مع المسافة التي قطعها , وأوضح أنه حينما يتم التأكد من وجود المخالفة سواء تقاضي أجور زائدة أو «أجور بدل خدمات» يتم تنظيم الضبط اللازم بحق السائق المخالف وتحويله إلى فرع المرور لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحقه والتي قد تصل إلى حجز السيارة وغرامة مالية ..
دوريات مستمرة
ولمعرفة رأي مرور محافظة حمص وإجراءاتها بحق المخالفين تحدثنا مع رئيس فرع المرور الذي قال: نقوم بضبط هذه المخالفة بشكل يومي ومستمر في كل المناطق وخاصة في الأحياء البعيدة عن مركز المدينة لأن هناك البعض من سائقي سيارات الأجرة العامة يأخذون تعرفة من الركاب خلافاً لتأشيرة العداد وحتى أنهم لايشغلون العداد ولايظهرونه للراكب، وتابع: إضافة إلى دوريات شرطة المرور هناك دوريات مباحث المرور التي تقوم بضبط هذه المخالفة وتوقيف السائق وحجز المركبة لأن المشرع شدد على المخالفين بالتوقيف مع حجز المركبة ودفع الغرامة التي تستوجبها هذه المخالفة.
وأشار إلى أن مرور حمص نظم الكثير من الضبوط المخالفة «عدم تشغيل عداد» خلال عام 2018 وأضاف: تم توقيف السائقين وحجز المركبات وتقديمهم للقضاء من خلال متابعة الدوريات لهذا الموضوع أو بناء على شكوى من المواطنين فيما يتعلق بزيادة التعرفة على العداد، كما نظم فرع المرور العديد من الضبوط لعدم الإعلان عن تعرفة الركوب في مكان ظاهر ، وقال: لدينا مكتب شكاوى يتلقى كل الشكاوى من المواطنين ويتم التدقيق بذلك وتنظيم الضبط اللازم للمخالفة وإحالته للقضاء.
وعن حجة السائقين بعدم تشغيل العداد ( ما بتوفي معهم) لأن هناك ازدحاما كبيرا وسط المدينة خلال وقت الذروة , كما أن إصلاحات المركبة تكلف كثيراً، قال: قد لا يتناسب سعر العداد مع الإصلاحات الكبيرة للمركبة لأن هذه الإصلاحات تأتي نتيجة الاستخدام الكبير للمركبة ولفترة زمنية كبيرة، ولكن هناك بعض السائقين الذين يقومون بإجراء صيانة دورية للسيارة تحسبا لأي وضع طارئ لمركبتهم فيكون إصلاح المركبة خفيفاً عليهم.
وأوضح : أن العداد يعمل على الزمن والمسافة الكيلومترية وبالتالي حتى ولو توقف السائق عند إشارة مرور أو أثناء الازدحام في الشوارع يستمر العداد في العمل وبذلك فهي حجة واهية.
وعن حجة السائقين بعدم إنصاف التسعيرة لهم، قال: هناك لجان موجودة وإذا كانت هناك حاجة لتعديل العداد وكانت هناك طلبات كثيرة من السائقين لتعديله ورأت الجهة المعنية أن تتحرك اللجنة وتقوم بدراسة التسعيرة، يتم التعديل.
ولفت إلى أن مخالفة عدم تشغيل عداد أو وضعه في مكان غير ظاهر هي توقيف السائق وإحالته إلى القضاء وحجز المركبة والعقوبة حبس من عشرة أيام وحتى الشهر وهناك غرامة مالية قد تصل إلى 15 ألف ليرة ويتم حسم 8 نقاط من البطاقة….
لسنا الجهة الوحيدة
مدير فرع السورية للشبكات حيدر النقري قال : يتم ارسال التسعيرة الجديدة التي من المفروض أن يتقيد بها سائق سيارة الأجرة من قبل المحافظة , ونعمل «الشبكات» من خلال طاقم فني مدرب على برمجة العداد وفق التسعيرة المطلوبة , ويتم تغيير البرمجة مع كل طلب بذلك عند الحاجة.
وتابع تقوم السورية للشبكات بتصنيع العدادات (بالتعاون مع جامعة حلب )وتركيبه و صيانته عند الحاجة بالسرعة القصوى , علما أننا لسنا الشركة الوحيدة التي تصنع عدادات السيارات , فقد تم التعاقد سابقا مع شركة قطاع خاص تقوم بالتصنيع وصيانة العدادات التي تركبها.
ونوه إلى أهمية إعطاء التعهد لجهة واحدة حتى يتم حصر المسؤولية وبالتالي ضمان وثوقية العداد وجودته ..
وأضاف : يقوم بعض السائقين باللعب بالعداد وقد تصل إلى تعطيله بحجة عدم تناسب التسعيرة مع الواقع , علما أنه يتم مراعاة ذلك « عند برمجة العداد» وفق المسافة الكيلومترية المقطوعة تحسبا لأي غبن سواء للسائق أو للراكب …
بقي أن نقول :
إن الواقع اليومي يبين أن المشكلة بين راكب اضطر لأن يستقل تكسي أجرة وبين سائقها لم تنته مع تركيب عدادات للمسافة الكيلو مترية مقابل المبلغ التي تسجله وغالباً ما يتذرع سائقو« التكسي» بأن العداد معطل وآخر يتذرع بأن العداد غير معدل وفق التسعيرة الجديدة للنقل، وهكذا تبقى الأمور على حالها …، بينما بعض الجهات المعنية بعيدة عما يجري على أرض الواقع .. وما يزيد المشكلة عدم التدخل في الحد من ظاهرة فرض أسعار تفوق أضعاف الرواتب لأصحابها الذين أرهقتهم أعباء الحياة المتزايدة وغلاء الأسعار الذي لم يتواز معه زيادة في الرواتب والأجور وفق الواقع الحالي وانعكاسات الحرب السلبية على قطاع النقل مع ارتفاع أسعار المحروقات وقطع غيار المركبات والآليات التي ارتفعت أضعافاً مضاعفة وبما يحمل سائقي سيارات الأجرة من جهة والركاب من جهة أخرى أعباء كبيرة لا يستطيع الطرفان تحملها , حيث يبدو أن الطرفين محقان في الشكوى التي تستمر دائما , والتي تنتهي غالباً إلى خلاف على التسعيرة وما يمكن أن يترتب على هذا الخلاف من أمور قد تصل إلى القضاء أحيانا ..
بشرى عنقة