إذا ما كانت آلة الحضارة اللغة، فإن واقع اللغة في جوهر تعريفها أنها أصوات يُعبّر من خلالها الناس عن أغراضهم وحاجاتهم وحاجياتهم، ومكنونات ما يعتريهم من مشاعر وأحاسيس وعواطف وانفعالات، وما يفيض في العقل والوجدان من أمور وقضايا ما بين ما هو ذاتي وآخر موضوعي. فإن اللغة في منظومتها الدلالية، وأسيقة الحياة المتعددة هي إشارات ورسوم وإيقاعات وموسيقا وتلاوين صورٍ وإيماءات فلا شك أن الجانب التواصلي ما بين دهش ما هو خارجي عن المرء في معطى واقع محسوس، أو آخر معنوي يثير الدهش يبين حتى في براءة الطفولة نظراتٍ، نظرات، لكأن في لحاظها تساؤلات يحثها أكثر من لفت انتباه إجرائي السجية، لكنه قصدي الانتباه صدى لما هو حاصل ما بين ثنائية مثير واستجابة هي لمسة حضورٍ تفاعلي حجر صرحها الأساس باكورة الأشهر الأولى ضمن الحالة النمائية لتوكيد ذات التعبير عن وجود المرء في الحياة عبر القوة بالفعل، وهو يحوك كينونته تفاعلاً مع الواقع. تلك النظرات هي مقدمات لأسئلة وإرهاصات لتفاعل إدراكي، وإذا ما تتالت الحروف مقاطع، ومن ثم الكلمات جملاً وتعابير على صفحات تعاقب السنين وتنامي الاعمار، تأتي الأسئلة مستويات ومستويات تحفّ بها صعد الحياة، وتسمو بها فتوة قراءات، وغنى اجتهادات لتتجاوز جانبها الإجرائي ما بين طبع وسجية إلى إعمال تفكير، وسعة ثقافة، ومراتب لغايات وأهداف، حيث الدخول في إنتاج السؤال مهارة صوغٍ، يقوى صوغها، وتوطد ذاتها مهارة على قدر إدراك النواتج المقصودة بذاتها، وقد أضحت هي مرمى السؤال ما بين معلومة في إجابة، ونبوغ في تحليل، واستحضار لتداع حر يجذب آفاق الغنى الثقافي ما بين سائل من جانب، ومجيب من جانب آخر. وبذلك يتضح السؤال مُثير مشروع يتجاوز الفهم والاستيعاب إلى عوالم في الإبداع والابتكار والتقصي، وقد انبرى السؤال من خدر ثقافة سائل وشعاع مهارة محبوكة الضوء تستنهض كل همة في حذاقة كل مهارة تحاكي ذات صاحبها وحيثيات الإجابة. وقد تبدت ما بين ثقافة عامة، أو ثقافة عالمة تقرأ الواقع، وتتماهى مع الواقع، وثراء الماضي والحاضر واستشراف المستقبل متخذة من الحدس والتأمل والمقارنات والمقاربات مسارات عمل تغذيها جداول مصادر، ومراجع أبحاث في دراسات فيغدو بذلك السؤال بنّاءً أكان سؤالا مفتوحاً أم سابراً أم ترابطيا أم توليديا أم لامّاً وغير ذلك من أنواع الأسئلة وفي حاله مضفوراً بمحتوى صقيل المضمون وثري الدلالة وفي الشكل مهارة مثاقفة لكيفية الصوغ من جانب، ومهارة المطلوب من جانب آخر، ومراعاة فضاءات الذكاءات عبر مدارات العلوم ما بين نظرية وتطبيقية. هي ثقافة السؤال مهارة في الرواية والشعر ما بين تيار سردي وقافية ولوع، وفي النقد محكّات لروائز ومعايير تنظر في الأدب وترتقي في الإبداع، والواقع دروساً تُعلم، وفي الفلسفة مقولات يتسع لها المدى فكرا، وفي المنطق يعلو بها كل صرح، وفي الحياة ضروباً وجوانب شتى ما بين معارف وعلوم ميادين حياة كم “يزدحم السؤال على شفة السؤال” حيث الإنسان والحياة وقضاياه في معتركها.
نزار بدور