قصة قصيرة ..هاتف محمول لأم مازن ..!!

كعادتها كل يوم تبدأ أم مازن حديث الشكوى الذي لا ينتهي ..زوجها وأولادها غير مبالين بما تقول وكل واحد منهم مشغول ونظره معلق على شاشة جهاز هاتفه المحمول.

ومثلهم مثل غيرهم من متصفحي ” الفيسبوك” ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى يتبادلون التعليقات والمنشورات والرسائل والصور والأخبار مع أصدقائهم .

وحدها أم مازن لا تعرف من استخدامات الهاتف المحمول سوى الرد على  الاتصالات التي تردها ،وقلما تبادر بالاتصال بأحد أبنائها أو إحدى بناتها أو بأبي مازن ، وذلك عند الضرورة القصوى ويحصل هذا  عندما يتأخر أحد هؤلاء عن الحضور للمنزل بعد انتهاء الدوام المدرسي  أو الجامعي وحقيقة الأمر أن ” أم مازن” لم تكن لتفكر بامتلاك  هذا الجهاز الذي صار ثمنه  اليوم عدة ملايين من الليرات السورية لو لم  يأتها هدية من شقيقتها التي تقيم مع أسرتها منذ سنين  عديدة  في إحدى  بلدان الخليج العربي .

وعلى الرغم من تشجيع زوجها وأبنائها  وبناتها على استخدام التطبيقات الكثيرة الموجودة  في الجهاز لكن أم مازن لم تفكر حتى وقت قريب بهذا الأمر فهي منذ  الصباح تنشغل بأعمال المنزل  من طبخ وغسيل ، وذهاب إلى السوق لتأمين الخضار والفاكهة والخبز.

وهي أعمال باتت تشعر أنها مجهدة  ولكن ما باليد حيلة ، فالأبناء والبنات في المدارس والجامعات وأبو مازن في عمله الوظيفي.

وعندما تصبح مائدة الغداء جاهزة في الرابعة عصراً تنادي “أم مازن”

الغداء جاهز تفضلوا..!!

تكرر النداء ، عدة مرات ، قبل أن يلبوا دعوتها ، فكل واحد منهم مشغول  بتصفح الفيس أو اليوتيوب أو بقية أفراد أسرة التواصل الاجتماعي .

“ألا تشعروا بالملل .. ليل نهار وعيونكم معلقة بهذا الجهاز اللعين ..؟!

لكن أحداً لا يعلق على سؤالها وما يزعجها  أن بعضهم يقول :”شكراً.. لست جائعاً سآكل عندما أجوع ..!! ويستمر هذا في متابعة  الفيسبوك .. أو ما شابه.

في عيد ميلاد أم مازن الخمسين اتفق الجميع ، زوجها وأولادها وبناتها أن يعلمنها  استخدام التطبيقات الكثيرة لهاتفها المحمول فاختاروا لها صديقات هن أخواتها وبنات  أخواتها  وحتى بناتها وأصدقاء وهم أشقاؤها وزوجها أبو مازن.

وأول ما تعلمته أم مازن استخدام المسنجر فراحت كل يوم عندما تستيقظ ترسل عبارة” صباح الخير” لأبي مازن وهو لا يزال في الفراش ممسكاً بجهازه ، ينتقل من صفحة إلى أخرى . وكان أبو مازن يرد التحية بأحسن منها ( صباح النور والفل والياسمين ).

صار الفيسبوك يأخذ الكثير من وقت أم مازن ، وتزداد سلطته عليها يوماً بعد آخر ، حتى صارت تقضي عدة ساعات تتصفح الأخبار والمنشورات وعندما تجتمع الأسرة كانت تخبرهم ما قرأت وكل ذلك عن أخبار الوفيات وحوادث السير : (زوج ابنة خالة أمي أعطاكم عمره . التشييع غداً من منزله .  ( على طريق حمص – دمشق في منطقة التنايا .. تدهورت سيارة باص والضحايا أغلب ركابها …!!).
وعندما اعترض أبو مازن على هذه الأخبار وأنها تجلب الشؤم والحزن واليأس ، لم تعد أم مازن تنقل شيئاً منها وإنما راحت تخبرهم أخباراً أخرى مثل :(أكبر عملية تهريب ضبطتها سلطات الجمارك أمس .. قيمة المصادرات مليار ليرة سورية …)
-( عرس أسطوري في أحد فنادق دمشق كلفته ثلاثة أرباع المليار ليرة سورية …!!).
يحتج أبو مازن قائلاً :
( من تحت الدلف إلى تحت المزراب … ما لكِ وهذه الأخبار …!!).
وبعد صمت قصير تقول أم مازن :
( بعد اليوم لن أستطيع شراء سوى نوع واحد من الخضار …

الأسعار نار … تدبروا أمركم …!!)
يزداد تعلق أم مازن بالفيسبوك ومشتقاته إلى حد الشغف ويزداد عدد طالبي وطالبات صداقتها ، يوماً بعد آخر . وذات يوم طلب صداقتها

( معن ) … معن الذي لم تره ولم تسمع عنه شيئاً بعدما طرده والدها ولم يرض بتزويجها له … كان معجباً بها كثيراً وكانت ترتاح له أكثر …!!.

يبدو وسيماً لا يزال شاباً في الصورة . تتردد هل توافق أم لا ؟!!.

وتجد نفسها تضع إشارة على ( تأكيد )…

سرعان ما ارتسم مربع الدردشة أمامها .. إنه معن … يخبرها إنه طبيب مقيم في ألمانيا منذ سنين عديدة .. وأنه لم يتزوج .. وإنه عندما يأتي إلى سورية سيرسل هدية ثمينة إلى والدها لأنه بامتناعه عن تزويجها له ، فتح له أفقاً جميلاً فهاجر ودرس … وهو حرّ ، يعشق كل يوم ويتزوج كل يوم …!!)

( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) تقول وهي تغادر مربع الدردشة .

عندما عاد أبو مازن والأولاد إلى البيت كانت أم مازن في المطبخ . جالسة على كرسي كبير وعيناها معلقتان بالجهاز … وبعدما بدّل ملابسه جاء صوته :
-( أليس الغداء جاهزاً …؟!)

وترد أم مازن :

( أي غداء … ما معي من نقود تكفي لشراء شيء …!!)

وعندما وقف بباب المطبخ ورآها تقفل الجهاز وتنهض … قال وهو يهز رأسه :

( لعن الله الشيطان .. تباً لنا ساعة علمناك استخدام الفيس … فتفوقت علينا … كمن يعلمه الناس التسول فيسبقهم إلى الأبواب ..!!).
غير أن أم مازن وللمرة الأولى تنتصب واقفة ، وترمق زوجها بنظرة فيها عتب وتأنيب :
( ولماذا لا تلعن الغلاء … !! تفضلوا …!!

صحن بطاطا واحد كان على المائدة .. امتدت إليه بعد قليل أياد ثمانية .. أما أم مازن فعادت لتجلس على الكرسي في طرف المطبخ . تفتح جهاز الهاتف المحمول .. وتتابع المسلسل الذي كانت تشاهده …!!.
عيسى إسماعيل

 

المزيد...
آخر الأخبار