تعتبر بحيرة قطينة من البحيرات الفريدة من نوعها في العالم نظراً لوجود مميزات عديدة تتمتع بها… حيث كانت ومازالت لها أهميتها الطبيعية و الاقتصادية و السياحية…إلا أن قيام بعض المنشآت الصناعية على الضفة الشرقية و الجنوبية الشرقية منها كمعامل الشركة العامة للأسمدة أدى إلى تغيير مواصفات مياهها و تراجع الثروة السمكية جراء الملوثات السائلة و الصلبة التي ترميها تلك المنشآت في البحيرة التي كانت قبل ذلك مليئة بالأسماك من كل الأنواع , وبحسب أهالي المنطقة كان سكان القرى المحيطة بها يعتمدون عليها كمصدر للبروتين بدلاً من اللحوم الحمراء نظراً لتوفرها و سهولة صيدها, عدا عن ذلك فإن مياه البحيرة كانت مصدراً طبيعياً لمياه الشرب لكل السكان بسبب نقائها و صفائها و عذوبتها,أما اليوم فأصبحت غير صالحة للشرب و حتى للصناعة و الزراعة و الدليل على ذلك أن الشركة العامة للأسمدة توقفت عن استجرار المياه اللازمة لمراجل المعمل من البحيرة و استجرت المياه النقية من أعالي العاصي قبل دخوله إلى البحيرة عبر أنبوب ينقل المياه بكمية 500-600 متر مكعب بالساعة و بكلفة 65 مليون ل.س.
بداية تشكل البحيرة
عن كيفية تشكيل البحيرة و الميزات التي تتمتع بها قال المدرس المتقاعد مهنا الصباغ حاصل على إجازة جامعية في الجغرافيا و عضو مؤسس في الجمعية الجغرافية السورية في حديثه للعروبة :أن نهر العاصي الذي يصب في بحيرة قطينة حالياً كان اسمه نهر الأرناؤوط منذ زمن قديم , ثم أصبح اسم نهر العاصي لأن مياهه تسيل من الجنوب إلى الشمال بعكس مياه الأنهار في سورية ,ومنذ مئات السنين حدث بركان في جبل الحلو نجم عنه لابات بازلتية سائلة أدت إلى سج مجرى النهر فتشكلت بحيرة صغيرة , وهذه البداية الطبيعية لتشكلها…
و في العصر الروماني تم بناء سد صغير على اللسان البازلتي الناجم عن البركان الذي يسمى حالياً (الوعر) و ذلك في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية للبحيرة وأطلق عليه السد القديم ومع مرور الزمن اتسعت مساحة البحيرة عما كانت عليه من قبل وزاد مخزونها المائي , وفي العصر الحديث تم بناء سد آخر على أنقاض السد القديم عام 1945 فازدادت بذلك مساحة البحيرة وارتفع مخزونها المائي مرة ثانية حتى أصبح مخزونها الأعظمي 200 مليون متر مكعب من المياه وطولها 12 كم وعرضها 6كم ..
أما السد الروماني القديم مازالت آثاره موجودة حتى الآن منها نذكر بناء مهدماً كان يستخدم للمراقبة و الحراسة , وأغلب الناس في المنطقة لديهم انطباع على أن هذا الموقع اسمه قصر بلقيس وهذا خطأ تاريخي كبير..
أصل التسمية
أما بالنسبة لتسمية قرية قطينة فإن اسمها جاء من كلمة (قطن) أي سكن و هي تسمية مرتبطة قديماً بعدد من الرهبان الذين كانوا قاطنين (ساكنين) بجوار الدير القديم الذي سمي آنذاك بدير القديس يوحنا المعمدان نظراً لوجود رأسه في هذا المكان , وحسب الرواية التاريخية قامت مجموعة من اليهود في مدينة القدس بفلسطين بقطع رأس يوحنا المعمدان لسبب غير معروف, ومن ثم نقله أحدهم إلى مكان وجود الدير,وفي القرن التاسع عشر تم بناء كنيسة على أنقاض الدير القديم و سميت باسم كنيسة يوحنا المعمدان ومع مرور الزمن أصبح اسم القرية قطينة بعد أن تم تحريف اسمها القديم من قطين إلى قطينة..
بعض من ميزاتها
تمتاز بحيرة قطينة بسواحلها المتعرجة التي تحوي رؤوساً و خلجاناً كالبحر , و يوجد قسم منها (كالخليج) يطل عليها محلياً (بنت البحيرة) و يقع في الجهة الشمالية من تل قطينة, و كذلك سواحلها متنوعة التكوين :رملية (منطقة السويدا) وحصوية و صخرية (بوز الصخر) و حجرية (الوعر) و باعتبار أن البحيرة تقع مقابل فتحة حمص تلكلخ – طرطوس تتشكل فيها أمواج كأمواج البحر تصلح لرياضة التزلج على الأمواج..
أما من الناحية الاقتصادية كانت البحيرة مصدراً هاماً للأسماك حيث أن كل القرى الواقعة بجوار البحيرة لايوجد فيها أي محل لبيع اللحوم لأن الأهالي يستعيضون عنها بالأسماك , وللتوضيح كان يوجد في كل بيت من تلك القرى وسيلة صيد يدوية (شبكة طرح) يمكن لأي شخص من خلالها تأمين حاجة البيت من الأسماك بوقت قصير…
كما كانت شواطئها مصدراً أيضاً لمادتي الرمل و البحص اللازمتين لبناء المساكن في القرى و حتى في المدينة , و نذكر في هذا السياق أن دار الحكومة (السرايا) في مدينة حمص استخدم رمل و بحص البحيرة في بنائه,أما الأعشاب و النباتات المائية الموجودة على ضفافها (القصب – البوط – الحلفاء ) فكانت أفران المدينة تستخدمها لتشغيل النار , وكذلك يستخدمها الأهالي لصناعة الحصر و السلال (القفف) القشية, و لايمكن أن ننسى أن كل الأراضي الزراعية المجاورة كانت تروى من مياه البحيرة التي تعتبر أيضاً صالحة للشرب بشكل مباشر وللسباحة و لغسيل الثياب…
ومن الناحية السياحية كانت تعتبر البحيرة والسد الحديث مقصدان لتنزه الأهالي من القرى ومن مدينة حمص و للرحلات الترفيهية من مختلف المحافظات السورية حيث يقضون وقتاً ممتعاً وبشكل مجاني..
مناح استثمارية متعددة
من جهته ذكر مدير البيئة بحمص المهندس طلال العلي أن البحيرة بشكل عام من الأماكن التي كانت من الممكن أن تستثمر بشكل جيد و مدر للدخل للعديد من الأسر خاصة و أن أحد مناحيها الاستثمارية وضع مسامك سواء للقطاع العام أو الخاص.
و أكد أن البحيرة تعتبر مصدراً جيداً من الناحية البيئية لو كانت نسبة التلوث فيها أقل وكان من الممكن تحقيق مردود اقتصادي جيد لكن و بسبب معمل الأسمدة و وضعه الحالي و رمي المنصرفات التي تحوي نسبة عالية إلى حد ما من المواد الملوثة فإن تأثيره كبير على المياه في البحيرة الأمر الذي يؤثر سلباً و بشكل مباشر على مردود تربية الأسماك فيها ..
مؤكداً أن البحيرة من الأماكن التي إذا تم الاهتمام بها بشكل صحيح ستكون مورداً اقتصادياً و مكاناً سياحياً يضم العديد من المنتجعات ذات الإطلالة الجميلة .
و أشار إلى أن المنطقة مناسبة لإقامة العديد من مشاريع الطاقات المتجددة باعتبارها منطقة ريحية , و أضاف: ضمن التخطيط الاستراتيجي تم إقرار المنطقة لإقامة مزرعة رياح ومن المجدي جداً إعادة تفعيلها..
لا أرقام واضحة
وأشار العلي أن نسبة التلوث حالياً بدون أرقام واضحة و الموضوع نسبي ,خاصة و أن موسم الأمطار الخيّر خلال الشتاء المنصرم رفع منسوب البحيرة للحد الأعظمي ومن المتوقع انخفاض التلوث في البحيرة و هو أمر ناتج عن تمديد الملوثات و ليس زوالها , خاصة و أن المعمل حالياً يعمل بطاقة إنتاجية ضعيفة ,وبعد الصيانة المزمع إجراؤها في وقت قريب من المتوقع انخفاض التلوث الناجم عنه ,و اتخاذ إجراءات جدية بما يخص موضوع البيئة , و أشار إلى أن الأمر مرهون بالإجراءت التي تعدها الشركة المستثمرة للمعمل , ومن الممكن أن يطرأ تحسن على واقع البحيرة بيئياً …
تحسن الحجم التخزيني
من جهة ثانية ذكر المهندس اسماعيل اسماعيل مدير الموارد المائية بحمص أن منسوب الماء في البحيرة تحسن بشكل جيد جداً هذا العام إذ أنه و بعد أن كان المنسوب في العام الماضي لايتجاوز 41 مليون ونصف المليون من الأمتار المكعبة أي أقل من الحجم الميت بعشر ملايين متر مكعب تقريباً إلا أن حجم التخزين الحالي وصل إلى 101,5 مليون متر مكعب و أشار إلى أن واردات الحاصل جيدة هذا العام ..
و أوضح أن البحيرة عليها التزامات زراعية وأخرى صناعية لمصفاة حمص ولمعمل السماد الآزوتي و لمعمل السكر بحدود 35 مليون متر مكعب سنوياً بالإضافة للجريان الصحي و البيئي في النهر و بالتالي يجب أن يتجاوز الحجم التخزيني الخمسين مليون متر مكعب كحد أدنى و هو الحجم الميت ..
و ذكر اسماعيل بأن مساحة سطح البحيرة تصل إلى 60 كيلو متراً مربعاً في حالة الامتلاء الأعظمي و البالغ 200 مليون متر مكعب و المساحة كلها مستملكة لوزارة الموارد المائية مشيراً إلى تناسبها بشكل طردي مع حجم الماء الموجود فعلياً في البحيرة..
مزرعة ريحية مؤجلة
وفي تصريح للعروبة ذكر الدكتور يونس علي مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة في سورية بأن التوجه نحو استخدام مصادر الطاقات المتجددة أصبح توجهاً عالمياً لناحية تحقيق الأمن الطاقي و المساهمة في تأمين الطلب المتنامي على الطاقة و كذلك لناحية الحفاظ على البيئة و التقليل من الانبعاثات الضارة التي يسببها استعمال مصادر الوقود الأحفوري , أي أن التوجه نحو استخدام الطاقات المتجددة هو إحدى التوجهات الرئيسية ضمن سياسات التنمية المستدامة في قطاع الطاقة..
وأضاف :ضمن خطة وزارة الكهرباء للاستفادة من الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء وبعد إنجاز المركز الوطني لبحوث الطاقة كافة الدراسات الفنية الخاصة بتحديد المواقع الواعدة ريحياً وصياغة خارطة استثمارية لإقامة مزارع ريحية في تلك المناطق, تم خلال عام 2010 الاعلان عن تنفيذ أول مشروع ريادي تجريبي لمزرعة ريحية باستطاعة /50/ ميغاواط على الحدود الشمالية لبحيرة قطينة، وتقدمت عدة شركات عالمية متخصصة في هذا المجال لتنفيذ هذا المشروع.
و بعد دراسة العروض المقدمة من النواحي الفنية والمالية، تمت الإحالة للتعاقد مع شركة اسبانية وهي رائدة في مجال طاقة الرياح على المستوى العالمي، وتمت صياغة عقد على أساس مفتاح باليد لتنفيذ هذه المزرعة بقيمة عقدية بلغت حوالي /60/ مليون يورو في حينها، إلا أن هذه الشركة ومع بداية الحرب على سورية خلال الربع الأول من عام 2011 امتنعت عن متابعة إجراءات التعاقد بحجة صدور لائحة العقوبات الأوربية الجائرة على سورية والتي منعت كافة الشركات الأوربية من التعامل المباشر مع الجانب السوري….
ونتيجة لذلك لجأ المركز الوطني لبحوث الطاقة لمعالجة الموضوع مع الشركة في البداية بالحلول الودية المباشرة ,إلا أن الشركة لم تستجب لكافة المقترحات التي قدمت لها من الجانب السوري والتي تؤدي إلى متابعة تنفيذ العقد وإنجاز المشروع، وبعد فشل هذه المحاولات لجأ المركز إلى القضاء الإداري السوري وتم الحكم على الشركة الاسبانية بمصادرة التأمينات المقدمة…
وخلال فترة الحرب قام المركز بإعادة الإعلان عن المشروع عدة مرات، إلا أنه للأسف لم تتقدم اية شركة بحجة الأوضاع الراهنة التي كانت تسود مناطق واسعة من سورية في وقتها بسبب المجموعات الإرهابية المسلحة آنذاك…
و أضاف الدكتور يونس : نأمل حاليا من خلال التواصل مع بعض الشركات في بعض الدول الصديقة ولاسيما الصين وإيران وروسيا لتنفيذ عدة مشاريع في مجال الطاقات المتجددة ولاسيما طاقة الرياح في عدة مناطق ومن ضمنها منطقة قطينة بمحافظة حمص..
و أكد أنه من جانب آخر فإن وزارة الكهرباء تشجع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال, وفق أحكام قانون الكهرباء رقم /32/ لعام 2010 ، بحيث تلتزم الوزارة بشراء الكهرباء المنتجة من هكذا مشاريع بأسعار تشجيعية…
ثروة ضائعة في الهواء
المهندس جوهر شحود مشرف سابق على مشروع إقامة مزرعة ريحية قرب البحيرة ذكر للعروبة أنه كان من المفترض إقامة مزرعة ريحية بحمص و ذلك في حرم بحيرة قطينة بين المنسوبين وتم تخصيص حرم البحيرة لصالح الاستفادة منه في إنشاء هذه المزرعة, حيث قام قسم طاقة الرياح بحمص حينها بمتابعة التنسيق مع مديرية الموارد المائية و الوزارة و ذلك لكي يتم تخصيص محيط البحيرة لهذه الغاية, تمت عمليات إجراء إعادة حدود حرم البحيرة بالاستعانة بالفرق المساحية و كذلك متابعة إجراء دراسة ميكانيك التربة لأرض المزرعة و عملية ربط المزرعة مع الشبكة الكهربائية …
وأوضح شحود أن استطاعة المزرعة المقترحة هي 50 ميغا واط عبر تركيب 25 عنفة ريحية استطاعة كل عنفة 2 ميغا واط
حيث رست المناقصة على شركة إسبانية في عام 2011 و تم دفع التأمينات الخاصة بالمناقصة إلا أن ظروف الحرب حالت دون المباشرة – بحسب الشركة – ,و لم تقم بتنفيذ المشروع بحجة الحرب و طلبت التريث و هو أمر غير مقبول بنظام العقود , وتمت دعوة شركة أخرى لتنفيذ المزرعة بالسعر نفسه الذي رست عليه المناقصة و لكن رفضت السعر و طلبت سعراً أكبر.. وهكذا بقي مشروع إقامة المزرعة قيد التأجيل حتى تاريخه..
حاجة ملحة
و أضاف شحود أنه من الضروري الإسراع في تنفيذ هذا المشروع و غيره من مشاريع الطاقة المتجددة كونها صديقة للبيئة أولاً ومصدر جيد للطاقة و موفرة للمال و الجهد و الطاقة مع الزمن ثانياً, لأن أي مشروع من هذا النوع يستعيد الكلفة التأسيسية له على الأكثر خلال خمس سنوات من العمل و العمر الافتراضي لأي مشروع طاقة متجددة هو 25 عاماً و بالتالي توجد مدة 20 سنة ربح صاف تقريباً..
و أضاف : إن عدم الاستفادة من الطاقات المتجددة مثل الرياح و الشمس كمن يترك أمواله و ثروته ضائعة في الهواء , ونحن حالياً بأمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى لإقامة هذا النوع من المشاريع..
السد القديم ..موقع أثري
ولتثبيت المعلومات عن السد القديم, أفادنا مصدر في مديرية الآثار و المتاحف بحمص, بأن السد الروماني القديم الذي تم إنشاؤه على بحيرة قطينة و الذي مازالت آثاره باقية ,مصنف من ضمن المواقع الأثرية في محافظة حمص , وهناك موقعان آخران في الجهة الجنوبية منه وعلى مسافات متباعدة هما: تل قطينة الكبير و تل قطينة الصغير المعروف محلياً باسم (تل الواويات)
أخيراً
لن يفوتنا الحديث عن الثروة السمكية التي تعتبر من أهم مصادر الدخل بالنسبة لسكان القرى المحيطة إلا أن عدم التجاوب من قبل الهيئة العامة للثروة السمكية لم يتح للعروبة إلقاء الضوء على واقع السمك في البحيرة و التي شهدت في العام الماضي زراعة عدد لا بأس به من إصبعيات الكارب ..
و على أمل أن نلقى تعاوناً من قبل الجهات المعنية بالقضايا التي تطرحها العروبة للنقاش يبقى الأمل الأكبر بتحسن الواقع على كافة الصعد , و اعتبار الإعلام طرفاً داعماً لتحسين الواقع و ليس لرصد مكامن الخلل فحسب ..
هنادي سلامة – رفعت مثلا