تشكل تدمر واحة غناء في الصحراء السورية ، تحتضن آثارا لمدينة عظيمة ، تشهد على أعرق حضارة و تاريخ مجيد .
تمثال ” الربة أثينا ” و ” الموحدة بالربة العربية ” ” اللات ” في تدمر و بلاد الشام ، وهي تقف فوق قاعدة مريحة ، ترخي ثقلها فوق ساقها اليمنى ، و تثني الساق اليسرى قليلاً كمن يريد أن يقذف بيده رمحا و يصفها لنا الخبير الأثري محمد خالد الأسعد بقوله : ” ترتدي ثوب البيبلوس الشفاف ، الذي يغطي جسمها الممتلئ ، و يتثنى بخطوط شاقولية لينة ليبرز جمالها .
و يؤم بانثنائه على الخصر بنطاق معقود على الوسط تتدلى أطرافه بشكل حلزوني على الصدر و الكتف الأيمن درع يتوسطه رأس ((الميدوز)) الرأس منفصل يميل إلى الوراء و ينعطف نحو اليمين ليتلائم مع حركة الرجلين.
الوجه بيضوي ممتلئ يقطر عذوبة ، العينان لوزيتان في كل منهما دائرة،الشفتان رقيقتان تنفرجان عن ابتسامة عذبة تنم عن أعمق معاني الإنسانية ، وتمنح الوجه حيوية دافقة جذابة ، خصلات شعرها تسترسل على الكتفين بنعومة ورقة ، و تتجعد على الصدغين بلطف ، تغطي رأسها خوذة يحملها تمثال أبي الهول ، وعلى إطارها زخارف لحيوانات أسطورية ” .
و تابع الأسعد: يدها اليمنى ترفعها إلى الأعلى لتمسك بها رمحا ، وكانت تبسط اليسرى “المفقودة” لتحمل فوق راحتها نسرا أو ترسا ورغم أن قدميها مفقودتان ، إلا أن الجزء الباقي من الساق اليمنى أوضح لنا الطول الحقيقي للتمثال الذي هو نسخة من العهد الروماني ونهاية القرن الثاني أو بداية القرن الثالث الميلادي ، تحاكي رائعة النحات فيدياس الخالدة ((أثينا-بارتنوس)) التي أبدعها في القرن الخامس قبل الميلاد.
وعن أهمية التمثال أضاف الأسعد : يمثل خلاصة الفن اليوناني الكلاسيكي الفيدياسي شكلا و موضوعاً ، متصفة بقواعد ثابتة تجسد الاتزان ونبل الروح وطمأنينة النفس ، إلا أن الوجه الصبوح والعينين الشرقيتين اللتين تأسران القلوب بنظراتها الدافقة بالحنان والحزم معا ، و الابتسامة التي تخلد كل معاني الحب ، و ذوائب الشعر الحريري يجعل طابع النحت التدمري أكثر بروزا ووضوحاً و يضفي عليها مسحة شرقية عميقة الجذور في تربتنا الخيرة ” .
قام تنظيم داعش الإرهابي بتخريبه عند دخوله مدينة تدمر في العام ٢٠١٥ ، وعند تحرير المدينة ، قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بنقل التمثال إلى دمشق ويتم التحضير من أجل ترميمه مع مجموعة من القطع الأثرية الأخرى لإعادته إلى متحف تدمر الوطني.
ربى العلي