معاهد الثقافة الشعبية .. تثقيف الجيل في مختلف مناحي الحياة .. قلة المستلزمات ووسائل التدريب لا تشجع الانتساب للمعهد

« الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية» ولا يمكن معرفة مدى تطور المجتمع وتقدمه إلا من خلال مستوى الثقافة التي وصل إليها ، ولذلك فأي مجتمع يسعى إلى التطور والتقدم يطور ثقافته عبر مختلف الوسائل المتاحة ,فالثقافة لن تكون قادرة على أداء دورها في الحياة الراهنة ما لم تستجمع مهارات ومعارف تقنية وعقلية وفكرية متنوعة مع جملة من المبادئ الأخلاقية و الروحية ، بحيث تكون هذه المبادئ هي الضامن الوحيد كيلا يخرج الإنسان عن إنسانيته و يتنكر لفطرته الأساسية .
ومن هنا جاء سعي مديريات الثقافة إلى توفير كل ما من شأنه أن يرفد الحركة الثقافية بعناصر جديدة تسهم في إغناء معارف الإنسان وتزيد من مشاركته في القضايا الوطنية والقومية ، وذلك بالعمل على تشجيع الجمعيات والنوادي الثقافية ورعاية الموهوبين من رسامين وفنانين وشعراء ومسرحيين … وغيرهم ، إضافة إلى تيسير كل سبـل الثقافة الشعبية في أوساط الجماهير كي ينغمس الجميع في بناء الوطن والإنسان كل بحسب مقدرته وطاقته .

من أجل ذلك كله ، ولكي يتم النهوض بتلك المهمة الجليلة على الوجه الأمثل تـم إنشاء مراكز ثقافية في جميع أنحاء الوطن من أجل أن يتمكن المواطن من الانخراط في نشاطات تلك المراكز بما يمهد لتوطيد معرفة جيدة وأصيلة بالتراث العربي الذي ساهم يوماً في خلق نهضة يعتز بها ، ناهيك عن أنه يخلق الفرصة للاطلاع على التراث العالمي الذي تشترك فيه أمم الأرض قاطبة .
وهي تفعل ذلك عن طريق سعيها لتقديم المحاضرات و عقد الندوات و اللقاءات و المناظرات ، إضافة إلى ما تقيمه من عروض سينمائية و تلفزيونية يتواءم فيها النظري و العلمي كي يحقق الأهداف المرجوة .
ومن حيث أن المراكز الثقافية تعتبر منبرا للعلم والثقافة أوجدت ما يعرف بمعاهد الثقافة الشعبية وهي معاهد تعنى بثقافة الجيل ، و قد ألحقت هذه المعاهد لتكون رافداً قوياً يجسد روح الثقافة و مضامينها ، من خلال الدورات التي تعلن عنها هذه المعاهد و باختصاصات مختلفة كالرسم – النحت – الخط العربي – و اللغات الأجنبية و الحلاقة و غيرها .
من أجل جيل مثقف
تؤسس معاهد الثقافة الشعبية التابعة لمديرية الثقافة في حمص لبناء جيل مثقف في مختلف مناحي الحياة وتطوراتها التكنولوجية والمعرفية والخدمية والارتقاء بالفكر الشعبي وصولا إلى مجتمع ملم بشتى أصناف الفنون والمعرفة .
للتعريف أكثر بهذه المعاهد وأهدافها ومهامها وواقعها التقينا مثنى ابراهيم رئيس المراكز الثقافية في حمص وكان الحوار الآتي :

دورات متنوعة
تقدم معاهد الثقافة الشعبية دورات متنوعة حول مهارات الحياة ..اللغات الأجنبية ، وتمكين اللغة العربية ، والحرف اليدوية وصيانة الجوالات والحواسيب وبرامجها وقص الشعر والتصوير الضوئي والخط العربي وإعداد الممثل ، إضافة إلى دورات في التريكو والتطريز والخياطة وصناعة الورود وأدوات الزينة …
وأضاف : هذه الدورات شبه مجانية وبأسعار رمزية إذ يدفع الطالب رسم انتساب لا يتجاوز ألف ليرة سورية عن ثلاثة أشهر وبعض الاختصاصات لها دورات متابعة ، أما فيما يخص أبناء الشهداء فبناء على توجيهات وزارة الثقافة يتم إعفاؤهم من كافة الرسوم .
وأشار إلى أن هذه المعاهد هي عبارة عن معاهد تنمية وتطوير للكفاءات يقوم عليها اختصاصيون من ذوي الخبرات العالية.

على مدار العام
وأضاف: أن الدورات التي تنظم في معاهد الثقافة الشعبية تتم على مدار العام وتشمل / 52/ حصة دراسية موزعة على عدة دورات ، ويتم حاليا التسجيل للدورة الثالثة لعام / 2018 / وبأعمار من / 14/ فما فوق ويمكن استيعاب عدد من الطلاب الذين يتم توزيعهم على شعب بحيث لا يتجاوز عدد طلاب الشعبة الواحدة / 20 / طالبا ، وقد باشر الطلاب المنتسبون بالدوام الفعلي في ال/ 20 / من هذا الشهر ويستمر التسجيل حتى بداية الشهر العاشر لكي يتسنى لمن يرغب ممن سمعوا عن المعهد من أصدقائهم ومعارفهم وأعجبتهم الفكرة أن يسجلوا ولو بعد أيام من الدوام الفعلي .

تقنيات وحرف يدوية
منوها إلى أن مدة الدورة /3/ أشهر للتدريس ,يليها شهر واحد للاختبارات ، والناجح في الأخيرة يحصل على شهادة مصدقة من وزارة الثقافة تتيح للطلاب فرص عمل من خلال التعلم على التقنيات والحرف اليدوية بالإضافة إلى وجود فرص عمل جديدة للمدرسين ، ولكن للأسف « الحديث مازال لإبراهيم» بعض الشهادات لا يعترف بها من قبل بعض الجهات العامة .
وتعطى الشهادة بحسب طبيعة الدورة ففي بعض الدورات تعطى الشهادة بعد ثلاثة أشهر كالموسيقى وبعضها يحتاج إلى دورتين للحصول على الشهادة كدورة قص الشعر والخط العربي وهناك الدورات المتتابعة ولكل منها شهادة كدورات اللغات .

إمكانيات متواضعة
أكد ابراهيم أن معهد الثقافة الشعبية في حمص يعاني من نقص في العديد من المستلزمات الضرورية لمتابعة الدورات على أكمل وجه, وكذلك تعد إمكانيات المعاهد الموجودة في الريف ضعيفة جدا مقارنة مع معهد المدينة كونها تؤمن المستلزمات الضرورية للعملية التعليمية والتدريبية من وارداتها أي من قيمة الاشتراك في الدورات, وأضاف : للأسف لا يمكن قانونيا الاستعانة أو صرف أي نفقات لصالح معاهد الثقافة الشعبية من موازنة مديرية الثقافة ، ولكن نتمنى الحصول على دعم من المحافظة ولا سيما تأمين بعض المستلزمات الضرورية ، ولهذه الأسباب تضطر كافة المعاهد لاختزال دوراتها وفق الإمكانيات المتاحة .

مستلزمات ضرورية
قلة الوسائل المتاحة لإقامة دورة متكاملة يؤثر بشكل كبير على النتيجة ومدى تحقيق المعرفة والتعلم من هذه الدورة وقد أعطى ابراهيم أمثلة على ذلك فقال : عندما يقيم المعهد دورة في فن التفصيل والخياطة فالدورة تقتصر في بعض المعاهد على تعليم التفصيل والقص بينما الخياطة لا يتم التدرب عليها لعدم وجود مكنات خياطة في المعهد .

أجور متدنية
وأضاف : تعاني معاهد الثقافة الشعبية من عدة منغصات منها ما يتعلق أيضا بالمدرسين فرغم أنه يتم الاستعانة بذوي الخبرة والمعرفة إلا أنهم يعانون من تدني الأجور والتي لا تتناسب مع الواقع المالي الحالي في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار , مما ينعكس سلبا على إمكانية توفر عدد كاف من المدرسين وبالتالي لفت أنظار الطلاب للتسجيل في المعهد ..
وبالنسبة لعدد المدرسين واختصاصاتهم يحدده عدد الشعب والطلاب وكذلك الفروع المفتتحة والدورات المتبعة .

إعادة تأهيل
كان في حمص قبل الحرب / 14 / معهدا للثقافة الشعبية موزعين مابين الريف والمدينة إلا أن ثمانية منها خرجت عن الخدمة بسبب التخريب الذي تعرضت له على أيدي العصابات المجرمة أثناء الحرب, وحاليا يوجد سبعة معاهد في حمص – كفرام – مرمريتا –قطينة – المخرم – القبو – فاحل .
إضافة إلى أنه تم إحداث معهد الثقافة الشعبية بحي الزهراء ويعمل حاليا كنقطة في مدرسة محارب الأحمد من خلال دورات اللغة الأجنبية .
وأشار مثنى ابراهيم إلى أنه وبالرغم من أن مديرية الثقافة فقدت عددا من المعاهد الشعبية وأهمها معاهد – تدمر – القريتين – القصير إلا أن كافة المعاهد في المناطق المحررة بحاجة إلى إعادة تأهيل وصيانة وترميم أسوة بالمراكز الثقافية التي تعرضت للتدمير كون هذه المعاهد خصصت بمساحة مكانية ضمن هذه المراكز أي ليست مخصصة بمبان مستقلة ماعدا معهد حمص في المدينة فقد خصص بمبنى مستقل ولكنه بحاجة كما ذكرنا سابقا إلى دعم بالمواد والمستلزمات ، فقد ضمت الدورة الثانية حوالي (600 ) طالب موزعين على معاهد الريف والمدينة .

النادي الصيفي للأطفال
تقوم معاهد الثقافة الشعبية التابعة لمديرية الثقافة في الريف والمدينة بفعاليات « النادي الصيفي للأطفال» والذي يضم الأطفال من عمر 6- 14 عاما .
ويعتبر هذا النادي الأخ الأصغر لمعاهد الثقافة الشعبية فهو يتبع نموذج المعهد نفسه ويساهم في تطوير مهارات الأطفال في الرسم وتدوير مخلفات البيئة وهو عبارة عن فترة واحدة تمتد على مدار ثلاثة أشهر ( حزيران – تموز- آب ) .
وأضاف : إن نادي الأطفال بمديرية ثقافة حمص يطلق برنامجه مع بداية كل موسم صيفي ، والذي يستمر على مدى ثلاثة أشهر، ويتضمن عددا من الأنشطة الترفيهية والثقافية المتنوعة الهادفة إلى تنمية المواهب لدى الأطفال من مختلف الفئات العمرية, وهذا العام تم افتتاح دورات اللغات ( عربي – فرنسي – روسي – انكليزي ) ,ودورات بالخط العربي والموسيقى.
وأوضح بأن مواد جديدة مثل الخط والشطرنج أضيفت إلى نشاطات النادي التي تتضمن أيضا النحت والرسم والموسيقا والرقص والتمثيل ,إضافة إلى أنشطة النادي السينمائي للأطفال من خلال عرض أفلام عند الساعة 12 ظهرا كل سبت.
وقد ضمت فعاليات هذا العام حوالي 700 طفل موزعين على نوادي حمص المدينة والقبو وقطينة وفق دوام صباحي يتم توزيعهم على فئات ، وذلك كي لا يتعارض مع دوام معهد الثقافة الشعبية المسائي .
ولابد من التوضيح أن رسوم النادي الصيفي تعتبر الأرخص حيث لا تتجاوز/600/ ليرة سورية عن الدورة الواحدة ,وربما من أجل ذلك وغيره من المرغبات يحظى التسجيل في النادي إقبالاً كبيراً مع كل موسم .
تجديد دائم
و أشار ابراهيم ‏إلى أن الأنشطة لهذا الموسم لم تقتصر على الدورات الاعتيادية إنما قام النادي ‏باستضافة ‏شخصيات أدبية ونظم ورشات لقراءة القصص، إضافة إلى عرض الأفلام ‏العلمية والوثائقية ‏وإقامة ورشات رياضية وصحية وغيرها‏ ، وفي نهاية النادي الصيفي يتم افتتاح معرض يضم نتاجات الأطفال من أعمال فنية، إضافة إلى فقرة مسرحية وحفل يقدم فيه الأطفال فقرات غنائية راقصة.
وقد نظم النادي مسيرا كشفيا للأطفال يوم الخميس من كل أسبوع إلى مناطق ‏مختلفة ‏ضمن مدينة حمص “أثرية وتعليمية وسياحية وغيرها” مع عرض لفيلم ‏وثائقي عن المكان ‏بهدف تعريف الأطفال على مدينتهم وأهمية كل مكان وخصائصه واختتمت الفعاليات بمعرض منوع عرض فيه الأطفال ‏نتاجهم في مختلف المواد وأقيمت مسابقات ‏تم فيها تكريم الرابحين.
ومن الجدير ذكره أن هذا العام أضيفت دورة تعلم رقص الباليه للأطفال في مركز قطينة ، أما نفقات النادي فهي كالمعاهد من الواردات الضعيفة أصلا ، وهي بحاجة لدعم بأي طريقة أو اقتراح يساهم بزيادة المردود المادي أو تأمين المستلزمات الضرورية .

حلول مقترحة
ربما تستطيع محافظة حمص تقديم الدعم من خلال تجهيز قاعة لغات بشكل مسبق بتقنية متطورة سمعي – بصري بعدها يمكن اقتراح رفع الرسوم ، فهذه القاعة إن وجدت ستضاهي المعاهد الخاصة وتنافسها وبالتالي يرغب الطالب بالاشتراك, وحتى إن زادت الرسوم ستكون حتما أقل من القطاع الخاص .

منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار