يحفل الريف الحمصي بمواسم الخير المتتابعة على مدار السنة و تضيف طقوس شهر رمضان المبارك بعاداته الروحانية والاجتماعية بريقا من الجمال والألفة إلى هذا الريف لتذر ذكريات تظل راسخة في نفوس أهله ليعيدوا تكرارها في كل عام.
فمنذ اليوم الأول من أيام الشهر الفضيل تستعد العائلات لاستقباله بطقوس جميلة حيث تجتمع الأسرة بكبيرها وصغيرها على موائد الإفطار ، ويشكل بيت الجد والجدة الحضن الأكبر للم شمل… الأبناء والأحفاد وبعض الأقارب الذين شغلتهم ظروف الحياة عن هذه الجمعة في غير أيام شهر الخير ..
أما أطباق اللحومات في شهر رمضان فهي لا تكاد تخرج أيضا عن نطاق الأسرة الريفية التي تربي أصنافا متنوعة من الطيور والمواشي فتعلوا الصحون أحيانا وجبة الحمام المطهو بطرق مختلفة إما شيا أو سلقا والدجاج البلدي الذي يتميز بطعمه الزكي لما يضيفه إلى الطعام من نكهة خاصة ولذيذة تختلف عن ذلك المربى في المداجن العامة ..
أما وجبة السحور فهي الأخرى مميزة في الريف الحمصي لغناها بما تنتجه الدواجن والمواشي من بيض وألبان وأجبان وزبدة بلدية وقريشة خضراء أو معتقة /الشنكليش/إضافة إلى المربيات التي أعدتها المرأة الريفية من أشجار الحقل كمربى التفاح والمشمش فضلا عن أصناف الزيتون المختلفة وكلها من خيرات طبيعة القرية بجغرافيتها الصغيرة ..
وللمقبلات حكاية أخرى في الشهر الفضيل على موائد الأسرة الريفية بحمص حيث التين المجفف أو المعروف باسم الهبول والتين المطبوخ بالبخار و المطحون والمعجون بأصناف المكسرات و المعروف باسم الهبول والزبيب وتشاركهم لفائف السيالة المحضرة من مادة الطحين والحليب و المعشقة بالزبدة والقطر أو العسل المقطوف من خلايا النحل التي تشكل مصدر رزق لكثير من أهل هذا الريف الجميل ..
عن هذه الطقوس ومايميزها في الريف الحمصي كان لنا اللقاءات التالية …
مختار قرية الشنية في الريف الغربي نظير حسن أوضح
أن موائد الإفطار في الشهر الفضيل لها خاصية مختلفة في الريف حيث لا تكاد تخلو من خيرات الأرض التي زرعها أهل القرية في المواسم السابقة أو تلك التي أنتجتها الطبيعة بنفسها دون منة الإنسان من نباتات الفطر والرشاد والخبيزة والقرص عنة واللوف والسلق والسبانخ والبصل الأخضر والفجل وغيرها .
وتتصدر هذه الموائد حبات التمر بأنواعها المختلفة والعصائر التي جهزتها ربة المنزل سابقا من خيرات الطبيعة فتمتلئ الأكواب بعصائر التوت والرمان واللبن العيران ..
بدوره يضيف مختار قرية كفرلاها في ريف حمص الشمالي حسين البراك أن حساء الكشك المصنوع من قمح بيادر القرية واللبن المخمر يعد واحدا من أهم أطباق الإفطار تليه شوربة العدس والحبوب و التبولة والسلطات بأنواعها اللذيذة لتضيف ربة المنزل ما أبدعته يداها من أقراص الكبة أو فطائر السبانخ والمحاشي بأصنافها المتعددة وعلى رأسها ورق العنب والملفوف وغيرها من الأكلات التي اعتاد أهل الريف على تناولها مطهوة على مواقد النار والصاج بفضل حطب أشجارهم التي قلموا أغصانها في فصلي الربيع والخريف.
ويشير المدرس عبد السلام مصطفى من القرية ذاتها أن كفرلاها تشتهر أيضا بأكلة الكفتة أو اللحمة بصينية وتعتبر من الأطباق الرئيسية في رمضان إضافة إلى اللبنية المكونة من القمح المسلوق واللبن أما المشروبات فتتشابه مع باقي المناطق واليوم أضحى شراب الجلاب والتمر هندي واحدا منها حيث يتم إحضار مكوناته من المدينة ..
ومن تدمر حدثتنا فاطمة الأسعدعن أشهر طبق تشتهر به هذه المدينة العريقة فتقول :إن طبق (البرمة) والمكون من حبيبات القمح المدقوقة في الطاحون الحجري /الجرن / هو من الأكلات التراثية التي مازال أهل تدمر يتوارثونها حتى اليوم ويتصدر موائد الإفطار لدسامته ولذته حيث يوضع بمناسف نحاسية وتعلو فوقها قطع لحم الجمل أو الخروف أو الدجاج حسب إمكانيات الأسرة وتزين بالتوابل و المكسرات وبجانبه المقبلات كالمخللات وكان قديما يتم طبخ هذه الأكلة في التنور واليوم على وسائط النار الحديثة …
ويلفت ابن قرية الشعيرات في ريف حمص الشرقي /محمد الخضر أن الخير لا ينحصر بموائد الطعام في رمضان بل يتمدد ليطال كل فقير ومحتاج في القرية فقبل دقائق من حلول موعد الإفطار يسارع الأطفال إلى إيصال سكبة رمضان إلى الجار ليعود الصحن ممتلئا مرة أخرى بصنف مختلف من عند الجيران فتعمر الموائد بأصناف كثيرة من المأكولات والمقبلات .
ولا تحلو سهرات الريف الحمصي بعد الانتهاء من الإفطار إلا مع كأس من الشاي أو الزعتر البري أو المتة حيث تتناوب أباريق المياه الساخنة على مدفأة الحطب لتسقي الحاضرين الذين يتسامرون ويتبادلون الأحاديث المكررة عن أحداث القرية بماضيها وحاضرها وتعلو الضحكات أرجاء المكان حين يتذكر البعض حادثة مضحكة حدثت في الماضي مع أحد من أهل القرية لتصبح ليالي رمضان من أجمل ليالي العام التي ينتظرها الجميع ويسعدون ويستعدون لاستقبالها من جديد.
حنان سويد