يعتقد بعض الباحثين أن الأثر الكبير على الذكاء يكمن في البيئة، أي التربية. وبما أن العلاقة بين الذكاء والإبداع علاقة متينة، إذن فما ينطبق على الذكاء ينطبق على الإبداع.وهناك من يعتقد أن للوراثة أثراً كبيراً على الإبداع، بدليل أن هناك العديد من الطلاب يُبدعون في المجالات التي ُيبدع فيها آباؤهم وأمهاتهم.وسواء كان للوراثة أو للبيئة تأثير على الإبداع، فإن ما يهمنا هو ما نستطيع أن نوفره للشخص لكي يصبح مُبدعاً، أو ليطوّر إبداعاته.
فمما لا شكّ فيه أن التفكير الإبداعي يحتاج إلى بيئة مشجعة ومحفزة، سواء ورث الطفل ذلك أم لم يرثه.وهناك مقولة، تؤكد ، بأن في قلب كل فرد روحاً مبدعه. فإذا ما توفرت البيئة الملائمة، والمشجعة على الإبداع، فإن تلك الروح تتألق وتزدهر.
ومن أجل ذلك، فإن الأبناء بحاجة لأن تكون البيئة المدرسية والأسرية، غنيّة بكل ما يحتاجونه، وبكل ما من شأنه أن يدفع بهم إلى النمو نفسياً وعقلياً وجسدياً ووجدانياً واجتماعياً، ليبدعوا في واحدة أو أكثر من مجالات الإبداع المتعدّدة.وهم يحتاجون بشكل خاص، إلى نظام مدرسي، ومنهاج مدرسي يُعطيهم ويُعطي معلميهم مساحة كافية من الحرية، التي تسمح لهم بالطلاقة في التفكير، وبإجراء التجارب، وبالتأمل، وبالمطالعة الحرة، وبإعداد البحوث والدراسات، وبالاكتشاف، وباللعب ، وبالاستماع إلى الموسيقى، وبالاستمتاع بقراءة الشعر وممارسة الرسم والكتابة الإبداعية، وبتبادل الأفكار والآراء عن طريق النقاش الهادف والعصف الفكري، الذي يُحوّل الأطفال إلى شعلة من النشاط الذهني المتوقد، والعيون البرّاقة، والقلوب السعيدة أثناء مشاركتهم الفاعلة في جميع الأنشطة والأعمال المدرسية التي يقومون بها برغبة ومحبة.
إن أفضل أساليب التعلّم هي أن يشعر الطالب بأنه يحبّ كل عمل يقوم به، وكل شخص يشاركه في ذلك العمل».وسواء كان الطالب مبدعاً بالوراثة أم بتأثير البيئة، فلا بدّ له لكي يستمرّ ويطوّر تفكيره الإبداعي، من بيئة ثرية تشحن قدراته وترتفع بها إلى الأعلى. « فالمطلوب في هذا العصر مبدعون ومبتكرون ومكتشفون، وأناس لديهم القدرة على التخيّل وسرعة التغيير «.
السعي لإثبات الذات
يظن كثير من الشباب أن إثبات الذات لا يتحقق إلا عن طريق تحصيل الشهادات، وكلما كانت تلك الشهادات تحتل مكانة في المجتمع، وله نظرة خاصة فيها، كان تحقيق الذات بها أكثر وأسرع، وكلما حمل الشاب معها أوراقا ودورات كلما ارتقى في سلم تحقيق الذات، والحقيقة أن هذا الأمر ليس بصحيح، فليست الشهادات هي التي تحقق ذات الشاب، وليست الدورات هي التي ترفع من قيمته، بل الأمر خلاف ذلك، فقد يحقق الشاب ذاته وينجح في حياته من خلال عمل معين يجيده ويتقنه، أو مشروع ينشئه ويديره، أو غير ذلك من الأمور، وبكلامنا هذا لا نقلل من أهمية التعليم والحصول على الشهادات، ولكن نريد أن نقول: إنها ليس كل شيء، فحتى لو لم يتيسر للشاب فرصة الحصول عليها بإمكانه تحقيق ذاته بالعمل الجاد البناء المدروس، ولعل مما هو معلوم أن صاحب أكبر شركة كمبيوتر « غيتس» وهو مثال معلوف للكثيرين أن ليس معه إلا شهادة متوسطة، بل إنه ترك دراسته في كلية الهندسة وهو بالسنة الثالثة ليفتح هذه الشركة التي وجد أنها تثبت ذاته، ولا عجب أن أصبح بعد فترة صاحب أكبر شركة كمبيوتر وأحد أغنياء العالم، وكما قلنا فليس هذا مما يدعو إلى ترك التعلم ومواصلة الدراسة، ولكن هو مثال على أن النجاح والتميز وإثبات الذات لا يتوقف على ذلك .
وعلى الشباب السعي لإثبات الذات وذلك بالتفتيش عن مواهبه وميوله، فإن هذا هو بداية الطريق لتحقيق الذات، إذ كيف يمكن للشاب أن يثبت نفسه في مجتمع من المجتمعات ويتميز به دون امتلاك مواهب متميزة تؤهله لذلك، وعندما يحدد الشاب ميوله ومواهبه، ويربط ذلك يما يسعى إليه وما يطمح لتحقيقه بما يتوافق مع تلك المواهب، عند ذلك يبدأ طريق السعي والعمل والجد والاجتهاد للوصول إلى الغاية، وليبعد عنه أحلام اليقظة فإنها سراب خادع لا يحقق نجاحا ولا يثبت ذاتا.
المزيد...