المخدرات الرقمية … هل هي حقيقية أم مجرد وهم ؟ أبحــاث طبيــةوقـانونية تــؤكد خـطر تطبيقـاتها

« المخدرات الرقمية » مصطلح جديد شاع في السنوات الأخيرة مع جملة ما أفرزه عصر الثورة المعلوماتية المتمثلة بتطور تكنولوجيا الاتصالات وتبادل المعلومات ، ولم يجر الحديث عنها في الأوساط العلمية والقانونية في سورية وهذا ما دفع المهندس ثائر عفيف فانوس والقاضي مالك رضوان أمين لطرح هذا الموضوع في الأوساط الثقافية والقانونية…
وتم طرح جملة من التساؤلات حول حقيقة المخدرات الرقمية وهل هي موجودة على أرض الواقع ، ومدى تشابهها مع المخدرات التقليدية وما هو موقف القانون السوري منها .

المخدرات التقليدية
بداية تحدث المهندس فانوس بإيجاز عن المخدرات العادية حيث أكد تعريف الأوساط المختصة المخدرات التقليدية بأنها مواد تستخرج من مواد طبيعية أو تنتج كيميائيا تؤثر في الطريقة التي يعمل بها الجسم ويختلف تأثيرها في الأشخاص لأسباب كثيرة منها ما يعود لنوع المادة أو الكمية المستهلكة ومنها ما يتعلق بالشخص نفسه .
وأشار إلى أن نتائجها السلبية كثيرة وخطيرة قد تصل بالمتعاطي إلى الموت ، فالتعاطي هو الاستخدام غير المشروع لها بهدف الشعور بالراحة ،وتخفيف التوتر كما يتوهمون ، أو الهروب من الواقع ، وللمخدرات آثار ايجابية « طبية » تستخدم كعلاج يصفه الأطباء ومع ذلك لها آثار سلبية والأكثر شيوعا إحداث بعض التغيرات الوظيفية والهيكلية في المخ مما يؤدي إلى إضعاف الذاكرة ، أيضا تؤدي إلى ضعف في جهاز المناعة وحدوث اضطرابات ومشاكل في القلب ، وفي الجهاز الهضمي ،وتلف الكبد والسكتة الدماغية .
سلاح في الحروب
وأضاف : استخدمت المخدرات في الحروب كسلاح متمم للعمليات العسكرية خاصة في الحروب الاستعمارية لإضعاف الشعوب والسيطرة عليها وأشهرها حرب الأفيون الأولى والثانية التي دارت بين الصين والدول الاستعمارية بريطانيا وفرنسا ، كما استخدمتها الجيوش المتحاربة في الحرب العالمية الأولى والثانية وكان العديد من الجنود الألمان يتعاطون بإفراط البيرفيتين عندما كانوا يدخلون المعارك .
وفي عام 1971 جاء في تقرير صادر عن لجنة بالكونغرس الأمريكي أن القوات المسلحة الأمريكية استخدمت حوالي 225 مليون قرص منبه بين عامي 1966 و 1969 في حرب فيتنام حتى باتت تعرف تلك المعارك ب « حرب العقاقير»
استخدام المخدرات في حروب الشرق الأوسط
أشار تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى رصد كميات ضخمة من حبوب الكبتاغون تروج في الشرق الأوسط ، وهذا كان من الأسباب التي تفسر استمرار العصابات الإرهابية المسلحة في الحرب على سورية كل هذه السنوات بالرغم من قلة الموارد والظروف الرهيبة في الحرب.
وفي تشرين الثاني 2016 استولت السلطات التركية على 11 مليون قرص مخدر على الحدود السورية التركية ، وفي حزيران 2017 أعلنت الجمارك الفرنسية حجز 750 ألف قرص مخدر بمطار شارل ديغول وقالت إنه يتعلق بالحرب في سورية.
كما كشفت رئيسة دائرة المخدرات في وزارة الصحة السورية الدكتورة ماجدة الحمصي عن أن مادة الحشيش والحبوب المنشطة هي الأكثر تداولا بين بعض الشباب بسبب الحرب الإرهابية التي تتعرض لها البلاد والتي تسببت في تهريب المخدرات إلى داخل سورية..

المخدرات الرقمية
عرف م . فانوس المخدرات الرقمية بأنها عبارة عن ملفات صوتية ، وليست نغمات موسيقية ، وأحيانا يمكن أن تترافق مع مؤثرات بصرية وأشكال وألوان تتحرك وتتغير ، من خلال دراسة علمية اختصاصية دقيقة جدا ، فهي تخدع الدماغ عن طريق بث أمواج صوتية ،بحيث يختلف التردد المرسل بين الأذنين ، ويسبب اختلاف هذه الأمواج الصوتية ، ولأن الدماغ البشري غير معتاد على السماع بهذه الطريقة يضطر للقيام بعملية توحيد الترددات الواردة إليه من الأذنين للوصول إلى مستوى واحد ، وهذا أمر صعب على الدماغ تحقيقه ، فيصبح في حالة غير مستقرة ، يتماثل تأثيرها إلى حد كبير جدا مع التأثير الذي تحدثه المواد المخدرة .
وأضاف : بتعبير آخر إن المخدرات الرقمية تصل بالشخص إلى إحساس معين يحاكي إحساس تأثير أحد أنواع المخدرات…
من الناحية التاريخية الطبية
يذكر المختصون أن العالم الألماني هنري دوف اكتشف في العام 1893 هذه التقنية لأول مرة وتتلخص بتعريض الأذنين لأمواج صوتية أو ملفات رقمية بصيغة mpj3 بترددات مختلفة ومتقاربة مع الأخذ بالاعتبار أن إحدى الأذنين أضعف من الأخرى وخاصية الدماغ في التعامل مع تطبيق ترددين مختلفين على الأذنين بواسطة سماعات تعزل المحيط الخارجي ، وإضافة المؤثرات البصرية ، والهدف خداع الدماغ وتشتيته بالتأثير على النشاط الكهربائي للدماغ ، وتحفيز إفراز الهرمونات الدماغية وبشكل قسري مما يؤدي بالدماغ إلى الاستجابة بطرق مختلفة وحسب الغاية حيث تبين أن تطبيق النقر على الأذنين بترددات مختلفة منخفضة أو عالية حسب الغرض تستثير إفرازات هرمونية دماغية قسرية تؤدي إلى استجابات مختلفة تتراوح ما بين الاسترخاء والعزلة والاستثارة وقد تؤدي إلى الوفاة ، وكان الغرض من استخدامها هو علاج بعض المرضى النفسيين ، وفي حالات الجراحات الدماغية ونقص الهرمونات الدماغية . وجرى استخدام هذه الطريقة في الحرب العالمية الثانية في تعذيب السجناء ، واستخدمت هذه الآلية لأول مرة عام 1970 من أجل علاج بعض المرضى النفسيين لاسيما الاكتئاب الخفيف والقلق وذلك عند رفضهم العلاج الدوائي .
تطبيقات مصحوبة بدليل
ومن الناحية العملية حاليا يتم تسويق هذه المخدرات في عدد من المواقع الالكترونية على هيئة تطبيقات للهواتف وبرامج تعمل على جميع الأجهزة ، وتكون مصحوبة بدليل لبيان كيفية عملها والوصول للنشوة المطلوبة ، ويتحدد سعرها وفق الشعور الذي يود المشتري الحصول عليه . أشهر أنواعها من الأنواع المشهورة للمخدرات الرقمية ما يعرف بالأسطورة البلورية ، وهي تعطي الشعور بالاسترخاء والهلوسة والهدوء وتعطي شعورا بالنشوة من خلال توارد الذكريات الأليمة وهي من النوع الاندفاعي الهادئ الذي يبعث أحلام اليقظة ويعطي شعورا بالطمأنينة . والنوع الثاني هو الموجة العالية وهي موجة صاخبة تؤدي إلى تحفيز جميع خلايا الجسم والعقل وتؤدي إلى نشاط مذهل للفرد .
وبشكل عام يتطلب استخدام المخدرات الرقمية تطبيق شروط معينة من قبل المستخدم لضمان الحصول على التأثير المطلوب ، فمنهم من ينصح بالاسترخاء والجلوس في مكان هادئ ووضع غطاء على العينين ، ومنهم من يوصي المستخدم بشرب كوب من الماء قبل الاستماع ، وغيرها من الشروط التي تكون أحيانا في غاية الصعوبة ، كما يمكن تحديد الحالة المرغوبة ، حيث أن كل نوع من المخدرات الرقمية يمكن أن يستهدف نمطا معينا من النشاط الدماغي وهي على أنواع كثيرة
الآثار السلبية لتعاطي المخدرات الرقمية

بالنسبة للفرد المتعاطي فالآثار السلبية تتماثل في التأثير على عمل الدماغ ، إلا أنها تختلف عن المخدرات العادية ، ولعدم وجود مواد تدخل الجسم فإن أهم أضرارها معنوية نفسية ، حيث تؤثر المخدرات الرقمية على الحالة النفسية والجسدية للمتعاطي وتعمل على إبعاد وعزل المتعاطي عن الحياة الاجتماعية وتسبب الشعور برجفة وتشنجات بالجسم . أيضا تؤدي إلى تداخل حسي ينتج عنه تهيج الدماغ بدرجتين متضادتين تتراوح بين العصابية ، والانبساطية بدرجة تسبب المتعة النفسية والعبث بالحالة الانفعالية فتسبب الانبساطية الزائدة إفراز هرمون السعادة ، والعصابية تؤدي إلى إفراز هرمون الأدرينالين وهرمون الخوف والانقباض والمخاطرة ، وإفراز الهرمونين في آن واحد في الجسم يؤدي للتسمم الدموي والتشنج والصدمة العصبية ..
إضافة إلى الإصابة بالإدمان النفسي على مثل هذه الأصوات يدفع الفرد لاستنزاف نقوده للحصول عليها ، وكذلك تؤدي لانخفاض الطاقة الإنتاجية للفرد بسبب انعزاله عن الواقع الخارجي .
موقف المجتمع الدولي
لا يوجد حتى هذه اللحظة أي موقف رسمي صادر عن الأمم المتحدة أو المنظمات التابعة لها يقر بالمخدرات الرقمية أو ينفيها ، إنما هناك مواقف وأبحاث طبية وقانونية منشورة هنا وهناك غير رسمية ..
ونتيجة البحث أكد المحاضر أن الرأي في مجمل الأبحاث انقسم إلى قسمين : فالرأي الأول يرى أن المخدرات الرقمية حقيقة موجودة وتتماثل إلى حد بعيد مع المخدرات التقليدية، فالذبذبات والأمواج الصوتية تؤدي إلى تأثير سيئ في المتعاطي على مستوى كهرباء المخ كونها لا تشعر المتلقي بالابتهاج فحسب بل تسبب له ما يعرف بالشرود الذهني وهي من أخطر اللحظات التي يصل إليها الدماغ حيث تؤدي للانفصال عن الواقع وتقليل التركيز بشدة ، وقد تؤدي بعد مرور فترة زمنية على تعاطيها إلى الهلوسة والارتجاف والتشنج وتسارع التنفس ونبض القلب .
أما الرأي الثاني فيؤكد على عدم وجود أية بيانات علمية بشان هذه الظاهرة ولا يوجد ما يدعم هذا الأمر حيث أن مجرد العبث بإدراك الصوت ليس له تأثير على التصور الخاص بالمتعة أو أي شيء آخر ، فهذه المخدرات ليست جيدة ولا ضارة ، إنها محايدة .
وقد أكد المحاضر أنه مع استقراء المستقبل وتقدم الدراسات الاجتماعية والعلمية ومع تطور وسائل التواصل ونقل المعلومات ستجد المخدرات الرقمية موقعها ومكانتها شأنها في ذلك الهيرويين والمورفين والحشيش وسائر المخدرات الأخرى ، ويجب إعداد العدة لها منذ الآن .
مواقف المشرع السوري
استكمل هذا الجانب القاضي مالك رضوان أمين فقال : لقد عرف المشرع السوري في الفقرة ج من المادة 1 من القانون رقم 2 لعام 1993 وهو قانون مكافحة المخدرات حاليا المواد المخدرة بأنها كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية المدرجة في الجدول رقم 1 الملحق بهذا القانون إذ عرف المخدرات بمصطلح « المواد المخدرة « ولا يمكن مساءلة شخص ما عن تعاطي مادة مخدرة إلا إذا ثبت أن المادة المخدرة أو ذات التأثير العقلي التي تعاطاها منصوص عليها في الجدول رقم 1 المرفق القانون 3 لعام 1993 وإذا لم تكن مدرجة فيه فلا عقاب على من تعاطاها حتى لو كان لها ذات التأثير الذي تحدثه المواد المنصوص عنها في الجدول المذكور.
الاجتهاد القضائي
إن المشرع السوري وبموجب قانون المخدرات النافذ حاليا والذي حدد بشكل حصري المخدرات المعاقب على تعاطيها أو زراعتها ، أو نقلها ، أو الاتجار بها أو تهريبها .. دون أن يذكر المخدرات الرقمية صراحة أو ضمنا ، لا يعاقب كل من يتعاطى المخدرات الرقمية ،لانتفاء النص القانوني ، لأن مبدأ الشرعية الوارد في الدستور الذي ينص على أنه : لا جريمة ولا عقوبة إلا بموجب نص قانوني .
وأشار إلى أنه ربما إذا شاع تعاطي المخدرات الرقمية ، وانعقدت القناعة لدى المشرع على وجه اليقين بالآثار السلبية لها ، قد يصدر النص ،ويضيفها إلى الجدول رقم 1 المرفق مع قانون المخدرات . وقد أوضح القاضي أمين إلى ما استقر إليه الاجتهاد القضائي السوري حول جرائم المخدرات فأكد : لا يشترط لقيام جريمة الاتجار بالمخدرات وجود مشتر إنما يكفي حيازة المخدرات بقصد الاتجار ، كذلك يشترط للإدانة بجرم تهريب المخدرات أن يكون المهرب يعلم أن ما بحوزته هو من المخدرات والعقوبة تعتبر جنائية , ولابد من ضبط المادة المخدرة مع المتهم وثبوت بأنها مخدرة بخبرة فنية أصولية للتجريم فالحشيش لا يكتشف إلا بعد تحليله فنيا ولا يغني عن ذلك انتشار رائحته أو معرفته عن طريق الفم .
أما عن العقوبة فقد جاء في المادة 39 قانون رقم 2 لعام 1993 قانون مكافحة المخدرات أن تكون الإعدام لكل من هرب أو صنع مواد مخدرة في غير الأحوال المرخص لها في هذا القانون ، وكل من زرع نباتا من النباتات المصنفة على أنها مخدرة أو هربه في أي طور من أطوار نموه أو بذوره ، وإذا وجدت في القضية أسباب مخففة جاز للمحكمة أن تخفض عقوبة الإعدام إلى الاعتقال المؤبد أو المؤقت لمدة لا تقل عن العشرين سنة وغرامة مالية..
ولا يجوز منح الأسباب المخففة في حالات : التكرار أو استخدام قاصر لإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة ، وارتكاب الجريمة من أحد العاملين في الدولة المنوط بهم مكافحة جرائم المخدرات ، واشتراك الجاني في إحدى العصابات الدولية لتهريب لمواد المخدرة أو عمله لحسابها أو تعاونه معها , وقد تدرجت العقوبة للأخف جرما مابين الاعتقال المؤبد والمؤقت مع الغرامة المالية.
وقد ميز القانون بين المروج للمخدرات وبين المتعاطي ولذلك جاء في المادة 44 من القانون 2 لعام 1993 : تراعى السرية حيال الأشخاص الذين يعالجون من الإدمان على المخدرات ، أو الذين يتقدمون إلى المصحة للعلاج من تلقاء أنفسهم أو بطلب من ذويهم .
كذلك يعفى من العقوبات المقررة في المادة 39 و 40 كل من بادر من الجناة لإبلاغ السلطات العامة عن الجريمة قبل علمها بها .
متابعة : منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار