سعرها متأرجح .. البطاطا 350 ليرة شتاء و 150 صيفاً؟؟ الفلاح و المستهلك يخسران في كل مرة .. و الأسباب متكررة
تعتبر البطاطا من الأصناف التي يفضل المزارعون في ريف حمص زراعتها نظراً لملاءمة التربة والعوامل المناخية و غيرها من العوامل … وفي زمن مضى – ليس بعيداً – كانت زراعة البطاطا تشكل داعماً رئيسياً للمزارع والمستهلك على سواء..
العروبة تستعرض اليوم واقع هذا الموسم بعرواته الثلاث و الذي يبدو أنه بعيد كل البعد عن البساطة التي تغنت بها (صباح) يوماً..
عدد من المزارعين التقت بهم العروبة أشاروا إلى أن الإنتاج الأكبر و الجدوى الاقتصادية الحقيقية تكون في البطاطا السقي , وهنا بيت القصيد وقالوا : نحتاج إلى كميات كبيرة من المازوت للمولدات لري الأراضي و لكن قلة المازوت أو بالأصح عدم وجود المازوت المدعوم جعلنا نعاني الأمرين و نتكبد الكثير من التكاليف الإضافية حيث نضطر للتزود بالمازوت من السوق الحرة و يصل سعر البرميل لتسعين ألف ليرة..
تكاليف مرتفعة
وأكد مزارعون آخرون من قرى ريف حمص الشرقي أن الهم الأول هو تأمين مياه كافية لري الأراضي , وفي الشتاء الماضي ابتسم لهم الحظ بفضل موسم الأمطار الغزير و الذي اختصر الكثير من التكاليف , و هكذا تمكنوا من تحقيق هامش ولو بسيط من الربح ساعدهم للانتقال إلى الموسم التالي بخسائر اقل ..
وأشاروا إلى أن البطاطا من المحاصيل التي تتطلب الكثير من العناية و تكاليفه مرتفعة والتي تبدأ من ثمن البذار إلى الأدوية الزراعية و الأسمدة و الحراثة وصولاً إلى اليد العاملة.. وبسبب الغلاء الفاحش في كل شيء بات من المستحيل على المزارع أن يدعم محصوله بشكل جيد كما في السابق…
وأشار بعضهم إلى وجود أدوية زراعية بالأسواق المحلية غير فعالة و في أحيان كثيرة يكون الدواء كمن يرش الماء على الزرع أو أسوأ..
بسعر التكلفة أو أقل..!
المزارع حسن المحمد قال: نقوم ببيع البطاطا لتجار سوق الهال بسعر 150 ل.س للكيلو الواحد شريطة أن يكون نخباً أول… و بحسبة بسيطة – و الكلام للمزارع ذاته – بعد حساب التكاليف والإنتاج نجد أن تكلفة الكيلو الواحد تتراوح بين 140-150 ل.س و بذلك تكون عملية البيع غير مربحة أبداً للمزارع وحاله كمن يعمل بالمجان …
وأكد أحمد درويش أن العروة الصيفية أنقذت الموقف و كان المحصول جيداً ولولا ذلك لكانت الخسائر على الفلاحين كبيرة جداً ..والكلام ذاته كرره مزارعون من قرى: ربلة و الحوز و القرنية وغيرها
لا حل وسط..!
من جهتهم قال المواطنون : إن البطاطا من أساسيات الغذاء في أغلب البيوت إن لم نقل كلها, ولايمر أسبوع على الأقل دون أن تكون البطاطا حاضرة على المائدة.. و المشكلة الأكبر أننا لا نجد حلاً وسط معها ففي الشتاء لم ينخفض سعر الكيلو عن 350 ل.س و هو أمر مرهق جداً و في الصيف انخفضت إلى 150 ل.س و على الرغم من ارتفاع هذا الرقم إذا ما قورن بسنوات سابقة إلا أنه أفضل من السعر في فصل الشتاء , فلماذا لايتم إيجاد آلية تسويق تناسب جميع الأطراف و تضمن للفلاح هامش ربح و لو بسيط و تكون مناسبة للمستهلكين …؟؟
أقل بـ300 ألف ليرة على الأقل
من جهة ثانية أكد المهندس أحمد يوسف أحمد مدير فرع مؤسسة إكثار البذار أن العمل على قدم و ساق لتزويد الفلاحين بأنواع من البذار من النخب الأول و مضمونة و بسعر مناسب ومدروس , وأشار إلى أن جولات المهندسين مستمرة على كل القرى لتوعية المزارعين لأهمية التعاقد مع فرع المؤسسة ..
وأضاف : في العام الماضي تم عن طريق فرع المؤسسة بيع كيس البذار الهولندي المضمون بسعر 27 ألف ل.س في حين تم بيعه في الأسواق بسعر تجاوز 45 ألف ل.س و غير مضمون ..
وقال : من هنا نشجع المزارعين على التعاقد مع المؤسسة لأنها الضامن الحقيقي وأسعارها مدروسة وغير متأرجحة ..
ثقة ومصداقية
وأكد الأحمد أن صيغة التعامل بين الفلاحين و المؤسسة تثبت مصداقيتها عاماً بعد آخر و أشار إلى أن الاكتتاب خلال العام المنصرم بلغ 225 طناً على بذار نوع سبونتا و فريدا حسب رغبة المزارع حيث بلغ سعر الطن الواحد 575 ألف ل.س بينما في القطاع الخاص بدأ السعر بـ850 ألف ووصل إلى مليون ل.س..
و أشار إلى أنه ونتيجة المصداقية في التعامل و الإقبال من الإخوة المزارعين أعلنت المؤسسة عن بدء الاكتتاب على بذار البطاطا للعام المقبل و لغاية تاريخه وصلت الكميات المكتتب عليها إلى 600 طن ومن الممكن أن تمدد فترة الاكتتاب حتى العشرين من شهر آب المقبل , و ذكر بأن المتعاقدين من قرى متعددة من ريف حمص و هم من قرى نقيرة و قطينة و شنشار ودحيرج والدمينة و المشرفية و كفر عبد و دير بعلبة و زيدل و سكرة و تل أحمر وغيرها..
وأضاف: يدفع المزارع حالياً عربوناً و قدره 125 ألف ل.س لكل طن و عند وصول الكميات يتم تحديد السعر بشكل دقيق , مؤكداً بأن الشركة الأجنبية التي يتم التعاقد معها ملتزمة بتأمين حاجات المؤسسة أولاً ثم طلبات القطاع الخاص..
مشروع وطني
كما تحدث الأحمد عن المشروع الوطني لإنتاج إكثار بذار البطاطا في محطة برج قاعي , و أوضح أن هذا العام شهد التجربة الأولى حيث تمت زراعة بيوت شبكية بكمية صغيرة لاستشكاف مدى ملاءمة البيئة و نسبة نجاح زراعة البطاطا …
وعن الإنتاج أشار أن البيت بمساحة 400 متر مربع وصل إنتاجه لأكثر من طنين من البذار , بحيث وصل إنتاج 3 بيوت إلى خمسة أطنان و 650 كغ بذار بطاطا بدون نواتج الفرز ..
تدخل إيجابي
من جهة ثانية قال عماد ندور مدير فرع السورية للتجارة : إن الهدف الأساسي في العمل هو التدخل الإيجابي لمصلحة الفلاح والمستهلك بالأوقات المناسبة و أشار إلى أنه ومنذ عشرين يوماً بدأت عمليات تسويق البطاطا بعد أن (منّعت) وأصبحت ملائمة للتخزين و أسعارها مناسبة , حيث يتم تخزين الكميات المسوقة في وحدات التبريد الموجودة بالفرع وهي وحدة تبريد بالصناعة سعتها 1000 طن ووحدة تبريد الوليد سعتها 4000 طن لتكون سعة التخزين الإجمالية 5 آلاف طن..
و أضاف : نستلم البطاطا من أرض الفلاح – إن رغب – بسعر وسطي بين 140-150 ل.س للكيلو الواحد شريطة أن تكون نوعيتها سبونتا نخب أول و قابلة للتخزين , و هذا أمر تقرره لجان الفحص قبل القيام بعملية الاستجرار , وبهذه الطريقة نوفر على الفلاح نفقات النقل ونختصر عليه دفع نسبة السمسرة في سوق الهال و نحميه قدر الإمكان من استغلال تجار القطاع الخاص ..
مشيراً إلى أن المؤسسة و كصيغة من صيغ التدخل الإيجابي في كل عام تطرح الكميات المخزنة في الأشهر التي لا تتواجد فيها كميات كافية من البطاطا بالأسواق و بالتالي تتمكن من السيطرة على السوق و ضبط الأسعار و نخفف من تحكم التجار بالمستهلكين .. و بذلك تكون عملية التسويق عبر السورية للتجارة لها فائدة مضاعفة للفلاح و المستهلك و للمؤسسة في الوقت ذاته …
وأشار ندور أن الاستجرار يتم من جميع الفلاحين الراغبين بالتسويق عن طريق فرع المؤسسة والكميات الأكثر تأتي من قرى: الرستن و تلبيسة و سكرة و الخريبات و قطينة و ربلة و قرى القصير , و تمكنا لغاية تاريخه من استجرار ما يقارب ألف طن والعمل مستمر و نحن قادرون على استجرار كميات إضافية من الفلاحين …
مؤكداً أن تسليم ثمن المحصول يتم بشكل مباشر بعد عمليات الوزن و الفحص و التدقيق و تتم العملية خلال يوم أو يومين بالحد الأقصى…أما بالنسبة لسعر المبيع فذكر ندور أنه أمر يحدده العرض و الطلب..
نراه خجولاً…
وهنا لابد أن نذكر – ولو بعجالة – رأي بعض المواطنين في طريقة تسويق المحصول من قبل السورية للتجارة حيث اشتكى الفلاحون أن اللجنة لاتوافق إلا على النخب الأول و تستجره بسعر عادي , أما تاجر القطاع الخاص فهو يستجر المحصول كاملاً و بذلك يكون التعامل مع القطاع الخاص أفضل لأننا إذا قمنا بتصريف النخب الأول فقط ماذا سنفعل بالباقي من المحصول ؟ و قالوا: حبذا لو تجد السورية للتجارة صيغة تجعلها منافساً حقيقياً للقطاع الخاص..
بينما رأى مستهلكون بأنهم لايلمسون تدخلاً بالأسواق بشكل فعلي خاصة و أن الأسعار التي تبيع بها السورية للتجارة البطاطا مقاربة كثيراً للسعر المتداول في السوق فأين الدعم و الضبط في هذه الحالة إذا كان التاجر في القطاع الخاص هو المتحكم بالسعر و هو صاحب القرار الأقوى؟؟
وفق جدول محدد
أما بالنسبة للسماد الذي يتزود به المزارعون من المصارف الزراعية الخمسة بالمحافظة ذكر مدير فرع حمص المهندس محمد الأحمد أن التمويل لكل محصول يتم وفق جدول زمني و بكميات يحددها جدول الاحتياج الصادر عن الإدارة العامة , و أضاف: إن القرار الصادر عن إدارة المصرف الزراعي بتاريخ13 آذار من العام الحالي يقر بجدول احتياج يتم بموجبه تمويل الفلاحين بكميات السماد المناسب لكل دونم و بتوقيت محدد .
فبالنسبة للعروة الربيعية من البطاطا السقي ، يتم تزويد الفلاحين بالسماد من 1 / 12 و لغاية 15 / 3 حيث يحتاج كل دونم إلى 35 كغ من السماد الآزوتي و 21 كغ من الفوسفات , و الكميات ذاتها توزع لكل دونم بالنسبة للعروة الصيفية من تاريخ 1 / 2 و لغاية 30 / 4 أما العروة الخريفية فيحتاج كل دونم إلى 39 كغ من السماد الآزوتي و 21 كغ من الفوسفات و فترة التمويل من 1 / 7 و لغاية 31 / 8 , و بالنسبة للبطاطا الربيعية البعل حدد الجدول حاجة كل دونم إلى 18 كغ من السماد الآزوتي و 18 كغ من الفوسفات و فترة التمويل تبدأ في 1 / 12 و تستمر لنهاية شهر شباط..
وأوضح أن كل مزارع يتزود بالسماد من المصرف يتقدم بترخيص صادر من مديرية الزراعة (من إرشادية قريته) تسجل فيه كل مزروعاته مع عدد الدونمات لنتمكن من تزويده بما يتلاءم مع المساحة المزروعة من كل محصول ضمن الفترة المحددة , و من الممكن أن يدفع ثمن السماد مباشرة أو تسديده عن طريق قرض سماد على أن يتزود بالبذار من فرع المؤسسة العامة لإكثار البذار وبعد الحصول على عدد من الثبوتيات و غيرها..
مشيراً إلى أن إقراض السماد يتم للمحاصيل الإستراتيجية وهي القمح والشوندر السكري وتأتي البطاطا بالدرجة الثالثة …
المتوقع أكثـر من 20 ألف طن
وفي تصريح للعروبة ذكر مصدر دائرة الإحصاء في مديرية زراعة حمص أن المساحات المزروعة بالبطاطا في المحافظة في تزايد مستمر بعد عودة الأمن و الأمان حيث تصل المساحة المخططة للزراعة إلى 1492 هكتاراً لكن المنفذة فعلياً تصل إلى 1067 هكتاراً ..
وأضاف : تبلغ المساحة المزروعة في المركز الشرقي 326 هكتاراً و في المركز الغربي 10 هكتارات أما في مركز تلكلخ تصل المساحة إلى 100 هكتار وفي مركز الرستن 22 هكتاراً و في مركز القصير 600 هكتار وفي مركز المخرم 9 هكتارات ..
وأشار إلى أن تقديرات إنتاج البطاطا السقي تتجاوز 20 ألف طن ففي المركز الغربي يتوقع إنتاج 300 طن و في المركز الشرقي 6611 طناً و في مركز تلكلخ 3800 طن و في مركز الرستن 440 طناً و في مركز المخرم 180 طناً بالإضافة إلى مركز القصير حيث يتوقع إنتاج 9000 طن..
أما بالنسبة لتعويض الأضرار فأكد المهندس أمين الحموي مدير صندوق الجفاف بمديرية الزراعة أن التعويض يشمل كل المحاصيل الزراعية لكن في حالة الأضرار الناتجة عن ظروف مناخية أو أوبئة لايمكن تفادي ضررها بالوسائل الاعتيادية ..
الأمطار رحمة
من جهة أخرى ذكر المهندس موفق زكريا رئيس مكتب التسويق باتحاد فلاحي حمص أن إجمالي مساحات البطاطا المزروعة بلغت 1067 هكتاراً وتقدر كميات الإنتاج بحوالي عشرين ألف طن بمعدل وسطي 2 طن للدونم الواحد..
وأشار زكريا إلى أن الزراعات تتركز في منطقة المركز الشرقي و منطقة القصير و المركز الغربي بالإضافة لمساحات بمنطقة الرستن.
و أوضح أن الإنتاج لهذا الموسم يعتبر جيداً بفضل الأمطار الوفيرة التي خففت من تكلفة الإنتاج بالنسبة للسقاية وتأمين المحروقات و كانت كمياتها الجيدة رحمة حقيقية للفلاح استطاع من خلالها أن يعوض شيئاً من خسارات متلاحقة..
أما بالنسبة للتسويق فأشار زكريا أن الفلاحين يأملون أن يكون دور السورية للتجارة فعالاً بشكل أكبر خاصة و أن البطاطا مادة استهلاكية و مطلوبة بالأسواق بشكل كبير وعلى مدار العام , و بالتالي تحقق دورها في ضبط الأسواق و حماية الفلاح و المستهلك على حد سواء .
أخيراً
وبعد استعراض جميع الآراء نجد أن بيت القصيد يكمن في تحقيق الدعم الحقيقي للفلاح سواء في موضوع تخفيض أسعار الأسمدة أو تأمين المازوت الزراعي المدعوم وصولاً إلى إيجاد صيغة تسويق أعمق تتمكن من خلالها السورية للتجارة من استيعاب كل الفائض بالأسواق و تأمين عائدية اقتصادية للفلاح و تحقيق حماية حقيقية للمستهلك في الأوقات الحرجة و بالتالي تحقق توازناً بين العرض و الطلب وتحمي المستهلك من الفروقات الحادة في الأسعار بين موسم و آخر ..
إذاً … لابد من تضافر الجهود بشكل حقيقي و جاد من قبل كل الجهات المعنية بالعملية الزراعية والتسويقية ليتمكن الفلاح من الاستمرار في عمله و لئلا يجد أسباباً تدفعه للعزوف عن الزراعة و هنا تكون الخسارات الحقيقية..
هنادي سلامة – محمد بلول