طالبات حمص يطرحن أسباب ترهل التعليم مع مديرة التربية

لم يعد خافيا علی أحد مدی الترهل الذي وصل إليه قطاع التعليم في سوريا, فسنوات الحرب ، التي شنها النظام المخلوع علی البلاد، كانت عاملا فاعلا في زيادة تأذي مؤسسات التربية والتعليم وإذا كانت أية معالجة لواقع بلد حطمته الحرب تبدأ من إصلاح مؤسسات الدولة لضمان إعادة قدرتها علی خدمة المجتمع، بما يكفي لاستمرار حركته وتعافيه، فإن قطاع التعليم ومؤسساته يأتي في مقدمة ما يجب إصلاحه ومعالجته جذريا…

في بادرة طيبة نظمت مديرية تربية حمص مؤخراً  لقاءاً جمع عددا من طالبات المرحلتين الإعدادية والثانوية في حمص  مع مديرة التربية د. ملك السباعي.

المناهج المدرسية

طرحت بعض الطالبات مشكلة المناهج المدرسية من حيث كفاية الكتاب المدرسي وملاءمته لقدرات الطالب الاستيعابية وعبرن عن ضعف القدرة علی استيعاب الكتاب المدرسي كالتاريخ والجغرافيا والفلسفة وهنا عقّبت د. السباعي بأن المناهج المفروضة منذ سنوات، والتي وُضعت في حقبة حكم النظام المخلوع، اهتمت بالمهارات المعرفية لدی الطالب وأهملت الإعداد المعرفي العلمي نفسه.

وهذه واحدة من أبرز مشكلات التعليم في سوريا, فالمنهاج السلوكي التلقيني الذي ساد لعقود، وطبع السياسات التعليمية، تغير إلى آخر أقرب إلی تنمية مهارات تفكير الطالب, لكن دون الاهتمام برصيده المعرفي, ولئن كانت عملية التربية والتعليم قد صارت موضوعا أوليا رئيسا لمجموعة من النظريات الحديثة، منذ بداية ثورة المعلوماتية والاتصالات قبل ثلاثة عقود تقريبا، كالسلوكية والبنيوية والمعرفية الاجتماعية… فإن نصيبنا في سوريا من استغلال وتوظيف تلك النظريات الحديثة، لتحسين المناهج بما يتواكب مع تغيُّرات الزمن، كان ضئيلا ومشوها فاقدا للتوازن الضروري بين التلقين والمهارة.

و أكدت د. ملك أن الوزارة عاكفة علی وضع مناهج ملائمة في السنوات القادمة!

تعليم اللغات الأجنبية

تحدثت إحدى الطالبات عن  صعوبة دراسة اللغة الفرنسية، إضافة للغة الإنكليزية و كذلك اللغة العربية ,و بينت طالبة أخری معاناة تتعرض لها شريحة كبيرة من الطلاب العائدين من المهجر والمنافي، فطلاب الثانوية يجدون أنفسهم ملزمين بدراسة اللغة الفرنسية التي تُدرس منذ الصف الأول الإعدادي في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام المخلوع, لكن المشكلة أكبر وأوسع.

ولابد من الإشارة أنه قبل التحرير كان في سوريا أربعة مناهج مختلفة تُدرّس في أربعة مناطق وهي شرق الفرات، ريف حلب الشمالي، إدلب، ومناطق سيطرة النظام المخلوع  و خلق هذا الوضع تضاربا يحتاج إلی معالجة عاجلة وأخری طويلة الأمد, ففي ريف حلب الشمالي دأب الطلاب على دراسة اللغة التركية و الكردية و الإنكليزية إضافة إلى اللغة العربية، بينما في مناطق سيطرة النظام المخلوع كانوا يدرسون اللغات الروسية والفرنسية والإنكليزية إضافة إلی العربية, وبعد التحرير وعودة ملايين السوريين إلی مناطقهم ظهرت المشكلة.

ضغط الدروس وغياب الحصص الترفيهية

اشتكت بعض الطالبات من الضغط الشديد بدروس المواد العلمية والأدبية المتتابعة، دون تخصيص حصص للاستراحة والتخلص من التشنج الذهني والتوتر، كالرياضة والموسيقی والفنون.

 نقص الكادر وتردي البنية التحتية

بعض المداخلات أكدت علی نقص التجهيزات اللازمة للمدارس كالمخابر,وكذلك نقص المدرسين.

و المفارقة أن بعض المعلمين العائدين من الشمال، تقدموا إلى تربية حمص عارضين خبراتهم للتعليم، فكان الجواب بأن باب التسجيل علی الساعات أو الوكالات انتهى، و أن لدی المديرية فائض من المعلمين, لنتفاجأ بالنقص الكبير في الكادر التعليمي!

مشكلات سلوكيات الكادر التعليمي والإدارات..

بعض الطالبات وصفن بعض المعلمين والمعلمات بالعجز وعدم القدرة علی القيام بعملية التعليم و كان رد  د. السباعي بأنه لا يمكن وصف معلم مجاز ويحمل شهادة أكاديمية في اختصاص من الاختصاصات بأنه “لا يعرف شيئا”- حسب التعبير الذي استخدمته احدی الطالبات- لكن حقيقة الأمر هو أن الناس متفاوتون في مقدراتهم التواصلية  فكثيرة هي الحالات لخريجين جامعيين متمكنين لكن قدراتهم في التواصل الاجتماعي أقل بكثير من رصيدهم المعرفي.. وأكدت أن المديرية تجري بشكل دوري دورات تأهيلية للمعلمين لرفع قدرتهم وتعزيز مهارات التعليم.

وإذا تحلينا بالشجاعة لمواجهة الواقع فلا بد لنا من الاعتراف بمشكلاتنا, إذ يوجد أعداد ليست بالقليلة من المعلمين والمعلمات الذين يفتقدون إلی الحد الأدنى من القدرة علی القيام بالعملية التعليمية,إما لضعف مهارات التواصل الاجتماعي، أو  لتدني المستوی المعرفي.

ونضيف هنا مشكلة المتسربين, فقد كان للتهجير واليتم والتشرد الذي نجم كله عن المقتلة السورية التي مارسها النظام المخلوع نتائج مروّعة ليس أقلها ارتفاع نسبة المتسربين من التعليم إلی أرقام كارثية, فارتفعت الأمية في شريحة الأطفال من7حتی18 سنة ،لاسيما بين أطفال المهجرين إلی الشمال السوري, واليوم وبعد الخلاص من نظام الموت تتلمس سوريا جراحها لتجد ملف جحافل المتسربين هو جرحها الأكثر خطرا، فالأطفال المتسربون تشير أرقامهم إلی كارثة بحجم جيل كامل و يجب أن تُعالج بحلول جذرية حقيقية, و أشارت معلمة من الشمال السوري بأن مديرية التربية في حلب أعادت الأطفال إلى المدارس، وأصدرت التعليمات بتوزيعهم علی الصفوف الدراسية بحسب أعمارهم فالذين تجاوزوا سن 12 سنة  توزعوا علی الصفين الخامس والسادس، فتعطلت العملية التعليمية إن صح التعبير, فهم لا يملكون من المعرفة حتی مهارات قراءة وكتابة الأحرف الأبجدية، كما لا يمكن للمعلم أو المعلمة أن يعطل المنهاج المقرر ويتفرغ لتعليمهم, ألم يكن حريا بكل مديريات التربية الاستعانة بخبرات معلمين عالجوا هذه الكارثة في سنوات الحصار والمهاجر والمخيمات؟ لقد خاض هؤلاء المعلمون معارك ضد واقع مرير فالمدارس كأطلال كوّمها القصف الوحشي المستمر, وكان عليهم المبادرة لتمكين الأطفال من مهارات اللغة ليكونوا مؤهلين عند توفر فرصة الدراسة أن يلتحقوا بصف دراسي ويواكبوا أقرانهم.. كان نضالهم مستمرا وخصوصا في تعليم الأطفال الكبار الذين لم يلتحقوا بمدرسة, فتطورت تجربتهم, وأقيمت دورات مكثفة لمدة 3 أشهر, ثم دورة مكثفة مبسطة لقواعد اللغة العربية للأطفال الراغبين.

في النهاية لا يمكننا ولا يسعنا إلا الاعتراف بمأساوية الواقع التربوي التعليمي لبلد عاش حربا مدمرة لسنوات طويلة، و من الضروري الإسراع في المعالجة بطرائق وخطط دقيقة و مدروسة ..

فراس النجار

 

 

 

 

المزيد...
آخر الأخبار