لكثرة ما امتدحه أصدقائي واتفقوا على أنه الحلاق الأمهر في المدينة ، ويتقاضى أجراً مناسباً، والحق يقال إن ما شاهدته من حلاقة لكل منهم ، شجعني للذهاب إلى دكانه كي أقص شعري ..!!
ألقيت التحية وجلست بانتظار أن يفرغ من قص شعر الزبون المتربع على الكرسي والمستسلم لمقص الحلاق ثم لآلة الحلاقة الكهربائية ..!!.
جاء رجل بدا لي أنه عامل أو مهني ، لأن لباسه يشير إلى ذلك وقال للحلاق : ( أبا أحمد .. أريد أن تقص لي رأسي.. متى أعود .. لا أستطيع الانتظار؟!!)
ضحك الحلاق وقال له : ( أعوذ بالله … ومن قال إنني أقص الرؤوس ؟! )
استدرك الرجل وقال: ( أقصد أن تقص لي شعري !! )
عندما جاء دوري ، و بكلمات مهذبة فيها رجاء طلب الرجل أن أصعد إلى الكرسي ..
وبدأ حديثاً خجولاً في البداية بقوله إنها المرة الأولى التي يراني في محله .. فأجبت باختصار موافقاً .
ثم بدأ يحدثني عن أمجاده وأن كبار الشخصيات المعروفة في حمص هم من زبائنه والرجل ، كما يبدو في الخمسينيات من عمره .. فقال بفخر إن المرحوم أحمد الحاج يونس ، وزير الزراعة في عهد الوحدة كان من زبائنه ومن زبائنه أيضا ً المرحومين هاني السباعي – وزير في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي وكذلك أقسم أن المرحوم المحافظ مصطفى رام حمداني كان كل نصف شهر يتردد إلى دكانه ..!!
وعندما سألته عن تاريخ ميلاده أجابني إن عمره خمسة وخمسين سنة وأنه ورث المهنة عن أبيه وهذا ورثها عن جده ..!!.
قلت له بهدوء إن من ذكرهم عند ولادته كانوا في ذمة الله ، فهل خرجوا – رحمهم الله – من قبورهم وجاؤوا إليه ، عدا المرحوم المحافظ حمداني الذي غادر حمص بعد انتهاء مهمته عام 1964 ولم يعد إليها ..!!.
هنا توقف عن الحلاقة ونظر إلى المرآة والتفت وقال لي :
( يا أستاذ أنا لم أقل إنهم كانوا زبائني … كانوا زبائن المرحوم أبي ..!!)
(يا رجل أنت تؤكد أنهم كانوا من زبائنك وتفخر بذلك ..) وأردفت (يقولون إن الحلاقين يخترعون قصصا ً وهذا أمر جميل .. لكن ..!!).
تابع عمله وبعد صمت قصير قال لي : (هل تعرف يا أستاذ بأن الحلاقة فن وأنه في فرنسا .. يتبع الحلاقون لنقابة الفنون الجميلة … ؟!!)
قلت له إنني لم أسمع بهذا وما أعرفه أن نقابة الفنون الجميلة التي صار اسمها ( اتحاد لا تقبل سوى عشرين بالمائة ممن يتقدمون للانتساب إليها … فكيف إذا تقدم الحلاقون للانضمام إليها ؟!!.
أنهى الرجل عمله في حلاقة شعر رأسي ، وأراد أن يحلق لي ذقني فاعتذرت منه لأنني اعتدت أن أحلقها بنفسي .. ودفعت له الأجرة ..!! وخرجت دون أن التفت إليه ، بينما سمعته يقول : ( مع مية سلامة .. شرفتنا ياأستاذ ..!!) .
عيسى إسماعيل