الفجر يشق نوره على الطريق الزراعي المؤدي إلى أرض جدي الذي على الرغم مما كان يشعر به من التعب والإعياء إلا أنه كان يصلي بصمت العاشق لأرضه التي أدمت دروبها الوعرة قدميه كان يستريح بين الفينة والأخرى على صخرة يشعل غليونه ويراقب خيوط الدخان المتصاعدة، يطبع التين اليابس ويعلقه في خيطان لتصبح قلائد مخبأة لمؤونة الشتاء والتي تعد من حلوياتهم الوحيدة والمفضلة، راح يتأمل الجبل الشاهق أمامه والذي يكاد يعانق السماء وكأنه يبحث عن وليفة عمره جدتي التي كانت مازالت متوارية خلف الأشجار تجمع ماتبقى من الثمار ليعود ويلقي نظرة رضا على موسمه الوفير..
لم تكن تلك السنوات التي قضاها في الزراعة سنوات ضائعة.. سنوات كان لسقوط الثلج فيها بسماكة كبيرة والأمطار الغزيرة والجليد الذي يرصع الأشجار كثريا الكريستال ما يجعل الطرقات تنقطع بين البيوت وتنعزل القرى لكن ذلك الطقس يعد من المآثر الحسنة إذ تبقى الثمار نظيفة تبعد شبح الدود والحلزون الذي بات اليوم يفتك بشجرة التين فتكا كبيراً وبما أن حديثا يجر حديثا والموسم موسم جني الزيتون نجد ثمرته ممتلئة بالدود, ، مسافات طويلة قطعناها بين زمن جدي العابق برائحة التراب من المطرة الأولى في شهر أيلول تختزنها الأرض، ذاكرة بعيدة بين زمنه النظيف كنظافة مزروعاته وزمننا هذا الذي بات ماديا دنيويا بحتا ،ترى هل ضاق بنا الزمان حتى أصبح اليوم موسم قطاف التين فرصة حقيقية لأبناء القرى للربح الوفير إذ باتوا يزحفون جماعات وفرادى إلى الأراضي المشجرة بالتين ليلتقطوا ما سقط منه بحلزونه ودوده ويبيعونه لسيارات تأتي إلى القرى قاصدة شراء التين اليابس فيصنعونه بطريقتهم المعتادة في الغش على شكل معمول أو أنواع أخرى تستجر الأمراض المستشرية والتي لم يستطع الطب الحديث بأدويته المحلية والمستوردة سد بابه الواسع ، كل ذلك يحدث في زمن تكثر فيه الأسئلة والشكوى لا طائل منها طالما الأجوبة لا تزال معدومة…
عفاف حلاس