أعلن الأديب سامر أنور الشمالي أنه سيقوم بتوزيع كتبه على الراغبين بالقراءة من معارفه وأصدقائه ، ولا يخفى على أحد أهمية الكتب في حياة المبدع لذلك أثارت فعلته تلك عشرات الأسئلة في مخيلتي خاصة وأنه كان يمر بوعكة صحية مؤخرا ً منعتني من إجراء حوار معه بمناسبة فوزه مؤخرا ً بجائزة (راشد الشريقي) لذلك زرناه في مكتبته مهنئين بالسلامة والجائزة… سألناه فأجاب وعدنا لكم بالحوار التالي مع شهادة د . هيثم يحيى الخواجة بتجربته الإبداعية .
س – لم يسبق لي أن سمعت بكاتب يوزع كتبه على أصدقائه بعد أن يكرر نشر إعلان ذلك في صفحته وحسابه الخاص على الفيسبوك هل هذا انتحار أدبي؟!.
ج – يتفاخر الكثير من الأدباء بحجم مكتباتهم ، فنقرأ في حواراتهم أن مكتبتهم تضم 5000 كتاب مثلا ً، وإذا أجرينا عملية حسابية بسيطة لاكتشفنا أنه من المحال قراءة هذه الكتب كلها ، فإذا كان الإنسان يقرأ كل أسبوع كتابين وهو عدد جيد لكاتب، فإنه خلال عام واحد سيقرأ حوالي مئة كتاب فإذا كان عمره الأدبي 25 عاما ً فإنه قرأ حوالي 2500 كتاب في حياته تلك وهذا يدل على أن كثيرا ً من الأدباء لايقرأون مايتباهون باقتنائه .
س – هل هناك ربط بين العمليات الجراحية الثلاث التي أجريت لك وبين توزيع الكتب؟
ج – لاأنكر أنني لم أعد أستطيع القراءة لساعات طويلة كالسابق والزمن لايسمح بقراءة مئات الكتب لذا قررت إهداءها لمن يحب القراءة ، ففي مكتبتي أعداد كبيرة من الكتب والمجلات التي لن أقرأها والتي لن أعيد قراءتها ثانية: لذلك قررت توزيعها لئلا يرميها الورثة في الحاوية .!!. طالما أنني لاأستطيع أخذها معي إلى العالم الآخر, ، ربما هناك من يستطيع الإفادة منها .
س – أليست قاسية مفردة «حاوية» لماذا لم تقل على الرصيف خاصة وأننا كنا نرى كتبا ً تباع على الرصيف في مقدمتها مايشي بأنها كانت في مكتبات كتاب كبار .
ج – أرى «الحاوية» مناسبة جدا ً في هذا المقام لأن مجتمعاتنا لاتقرأ فعادة القراءة سلوك اجتماعي غير متأصل لدى أجيالنا التي انتقلت إلى الأجهزة الذكية دون أن تمسك كتابا ً خارج كتب التعليم واستخدام كلمة « حاوية» هنا يعكس قسوة الحياة لقد وضعت مجموعة من المجلات والكتب على الرصيف – ذات تجربة سيكولوجية- ورحت أراقب المارين من يأخذ منها .. لساعات طويلة جلست أراقب السراب فلم يقترب منها أحد حتى خرج جاري يصيح بغضب: من وضع القمامة أمام بيتي؟
عاجلته بالإجابة أنا – قبل أن يشتم – فأصفرت شفتاه عن ابتسامة يابسة مقيتة وقال: حسنا ً سأوزعها على ورش البيتون والدهان لعلهم يستفيدون منها .
س – في حواراتي مع الأدباء لاسيما الطاعنين في العمر أتحرّج من سؤالهم عن مصير مكتباتهم وأنت لاتزال في عمر العطاء والاخضرار؟!
ج – في ذاكرتي قصص نهايات مأساوية للعديد من المكتبات الشخصية الهامة لعل أقلها إيلاما ً أن يهدي الكاتب كتبه لجامعة أو مركز علمي كما فعل الكاتب المصري يحيى حقي عندما أهدى مكتبته كاملة لإحدى الجامعات قبل وفاته، وأحد أصدقائي الكتّاب – رحمه الله – قام الورثة بوضع كتبه على الرصيف لأيام عديدة ثم ترحيلها إلى المكب .
لقد اشتريت يوما ً كتابا ً في صفحته الأولى إهداء للأديبة المعروفة دلال حاتم وهذا يعني أن هذا الكتاب كان في مكتبتها قبل وفاتها ثم أوصله الورثة للرصيف بثمن أقل من ثمن رزمة بقدونس غير طازجة .
إذن أجيالنا لاتقرأ، وتخسر كثيرا ً في ذلك علما ً أن القراءة من النسخ الورقية صحية أكثر من القراءة عن طريق النسخ الالكترونية فضلا ً عن القدرة على وضع الملاحظات على الهوامش ، ولكن هل لهذا الكلام صدى في نفوس أبنائنا ؟!!.
س – من يقلب صفحات مسيرتك الأدبية يلحظ عدد الكتب النقدية المبنية بطرق أكاديمية تنم عن فهم عميق للبحث العلمي في الأدب شعرا وقصة ورواية حدثنا عن المنهج النقدي الذي تسلكه؟
ج – لكل كتاب نقدي خطة أرسمها مسبقا ً ، ولاأستند إلى مذهب نقدي معين بل أفيد من تلك المدارس والتيارات النقدية دون الارتكاز على مدرسة بذاتها، وآخر كتاب لي بعنوان: «صراعات في المرايا البيض» يتناول الرواية العالمية المعاصرة ، درست فيه الصراعات الموجودة في تلك الروايات بمختلف أشكالها سواء كانت الصراعات بين الإنسان والطبيعة أو الصراعات داخل المجتمعات .
س – كنت تدير صالونا ً أدبيا ً في مكتبتك الخاصة لأكثر من عامين وكنا نتحلق حولك كما يتحلق المريدون حول شيخهم .. أين ذهب كل أصدقائك ..؟! وأنا أراك وحيدا ً في صومعة كتبك؟
ج – بصراحة .. ذهبت صداقاتي أدراج الحرب .. حرب عصفت بالبشر قبل الحجر ويجب أن نبدأ مرحلة ( إعادة الإعمار) من النفوس ، أولا ً فهي أكثر أهمية لأن النفوس السليمة تبني بناء سليما ً .
س – لديك جوائز كثيرة في حياتك الأدبية هل تعرفنا عليها وهل تضيف الجوائز شيئا ً لتجربتك؟
ج – منذ أكثر من عشرين عاما ً حصلت على جائزة من فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب ثم جائزة نبيل طعمة في القصة وجائزة « راشد الشريقي » في رواية (خلف الجدران تحت الشمس) كما فزت بجائزة يوسف إدريس في القصة في مصر عن المجموعة القصصية ( ماء ودماء ) . وهي تمنح لكاتب واحد على مستوى الوطن العربي وهي مصدر اعتزاز خاص لي لأنه من النادر أن يفوز بها كاتب غير مصري وحتى الآن أنا السوري الوحيد الذي حصل على جائزة يوسف إدريس والجوائز تسلط الضوء على تجربة الفائز بالإضافة طبعا ً لقيمتها المادية التي تمد الكاتب بثمن الورق والحبر وتبقيه على قيد العطاء .
س – روايتك المعنونة بـ «سيرة ذاتية للجميع « تجعل قارئها يحكم عليك بأنك تعشق التجريب في الرواية ..؟
هذه التقنية الموجودة في «سيرة ذاتية للجميع» غيرمألوفة وقلة من اتبع هذا الأسلوب عربيا ً، أذكر على سبيل المثال نجيب محفوظ ، والرواية تتألف من عدة فصول ، كل فصل ترويه شخصية بطريقتها الخاصة .
س- يقال إن الخصومات الأدبية تفسد للأدب قضية خاصة وأنها تصبح مادة أدبية بحد ذاتها و بعد أن تحدثنا عن الحرب والأصدقاء حبذا لو تحدثنا عن خصوماتك ؟
ج – أولا ً أخالفك الرأي فالخصومات التي تفسد للأدب قضية هي تتفاقم لدرجة العداوة الشخصية أحيانا ً أشهر تجاربي في هذا الموضوع هي الخصومة مع أحد الكتاب السوريين الذي فوجئت بالاتهامات الظالمة التي رماني بها على الملأ، رغم أننا كنا نتبادل الرسائل في مرحلة سابقة وقد عانيت من الخصومة مع بعض كتاب حمص ، إذ حوربت من قبل الكثيرين منهم دون سبب موجب ولن أمنحهم شرف ذكر أسمائهم في حوار خاص بتجربتي الأدبية – مهما كررت علي السؤال .
س – أنشر لي لأنشر لك : يقال إن هذه قاعدة شائعة في الوسط الأدبي تعتمد على الشللية في تظهير فلان والتعتيم على آخر ماهو رأيك ؟ خاصة وأنك تنشر في العديد من المجلات المحلية والعربية ؟! .
ج – لاأعتمد على العلاقات الشخصية والواسطات المنتشرة بكثرة في الوسط الأدبي بل أعتمد على المادة التي أقدمها في كتاباتي من هنا تأتي استمراريتي في النشر رغم تغيير الإدارات في أكثر من مرة سواء في سورية أو خارجها ومن خلال خبرتي ألاحظ أن تدعيم الكاتب لنتاجاته الأدبية ودراساته النقدية على وجه الخصوص باقتباسات من المصادر والمراجع تجعل المجلات تسارع في نشر تلك المواد التي تعتمد على أسماء كبار النقاد لاسيما الأجانب منهم وأن أي دراسة مدعمة بالشواهد تكون غنية تثقف القارىء وتثري ملكاته وهي موطن قوة وليس العكس.
س – نبارك لك فوزك مؤخرا ً بجائزة ( راشد الشريقي) عن روايتك الجديدة ( خلف الجدران تحت الشمس ) .
ج – رواية طويلة أحداثها متخيلة في بلد غير موجود والأحداث أسطورية تدور على مدى مئة عام تتحدث عن سلطان عاش كسلاطين ألف ليلة وليلة من حيث الترف والبذخ ثم انتهاء سلطانه على يد صفوان وقد اخترت هذا الاسم لأنه يدل على الصخر الأصم .
بطاقة
سامر أنور الشمالي من مواليد حمص 1971 له ست مجموعات قصصية وروايتان مطبوعتان وله في مجال النقد أربعة كتب مطبوعة وهي « الزاوية والمحور ، وجوه ومواجهات ، مواقف وصور ، صراعات المرايا البيض» وله كتاب مسرحيات قصيرة بعنوان : «يوميات مواطن سابق» صادر عن الهيئة السورية للكتاب ، وله في مجال أدب الأطفال أكثر من 15 كتاباً «قصص للأطفال» حاصل على العديد من الجوائز المحلية والعربية عضو اتحاد الكتاب العرب فرع حمص جمعية النقد الأدبي
س: معظم كتبك صادرة عن اتحاد الكتاب العرب أو الهيئة السورية للكتاب وهما المؤسستان الرسميتان للطباعة في سورية ماهو رأيك بالانتقادات الموجهة لهما بابتعادهما عن الطباعة للشباب ؟
ج : تجربتي في التعامل مع المؤسسات الرسمية جيدة إلى حد ما فمعظم كتبي مطبوعة فيها وعلى سنوات مختلفة ومديدة أي تغيرت الإدارات و الكوادر المسؤولة عن الطباعة ، لذلك انطلاقاً من تجربتي أرى أن هاتين المؤسستين هما الحضن الأول لكل كاتب.
الخواجة : الشمالي يقرا بشغف ويحلل بعمق
صحيح أن أديبنا الشمالي أفقدته الحرب أصدقاءه إلا أن الكثيرين منهم كانوا حاضرين ليدلوا بشهادتهم في تجربته الأدبية فيقول :د.هيثم يحيى الخواجة
تعرفت إلى الأديب سامر الشمالي منذ حوالي ربع قرن وأعجبني به أنه رجل التحدي فهو يتجاوز معوقات الحياة لكي يترك أثراً طيباً توقعت ذلك من حديثه ومن بريق عينيه ومن إنتاجه الإبداعي الأول ولم تمض سنوات قليلة حتى غدا سامر قاصاً مبدعاً وناقداً مجليا والجميل فيه أنه لم يتخل عن انسانيته فهو كريم يحب الضيف ويكفيه انه إنسان ويعشق إنسانية الإنسان عندما يكتب سامر الشمالي نقده لايهتم بالتطبيل والتزمير والتبجيل وإنما يهتم بالعمل الإبداعي فيحاول أن يتغلغل في مفاصلة وان يقدم للقارىء معلومة مهمة عن إبداع هذا الكاتب وعندما أقرأ نقده أستطيع أن أفهم العمل الإبداعي وان أتلمس مصداقية هذا العمل فهو يقرا بشغف ويحلل بعمق وينظر دائماً وأبداً إلى أنه من الضروري أن يقدم ما يعجب القارىء وما يؤثر بالمتلقي .
حوار : ميمونة العلي