جميعنا سمع بالمثل القائل : قل لي من تصادق أقول لك من أنت وهذا دليل على الارتباط الوثيق بين الأصدقاء ،فقد يختلف أخوان في المنزل الواحد ولا يتفقان في الكثير من الأفكار ولكن يتفق صديقان حتى ولو كان كل منهما في مدينة أو حتى بلد آخر .
وقلما نجد صديقين يختلفان في الأفكار والآراء وإن وجدا تكون ردة الفعل العفوية هي عدم التصديق ، وأيضاً قلما نصادف شخصاً ليس لديه أصدقاء وإن وجد تكون ردة الفعل الطبيعية هي الاستهجان والاستغراب …
والكثير منا لا ينسى علاقات الصداقة القديمة أو المنتهية لسبب ما تظل محفورة في الذاكرة ..وقد تكون الأزمات التي تتعرض لها المجتمعات وتؤثر على الأفراد والمجتمع هي الامتحان الأصعب الذي يواجه علاقات الصداقة .
الحرب التي مرت على البلاد والمواقف الصعبة التي واجهت الكثير من العائلات أظهرت صداقات حقيقية، وبالمقابل أسقطت الأقنعة عن صداقات وهمية زيفت بشعارات كاذبة ..
زمن الصداقة الصعب
وقد استغلت بعض علاقات الصداقة في هذه الحرب أبشع استغلال وارتكبت تحت عباءتها العديد من الانتهاكات ..وقد سمعنا الكثير من القصص التي فاق بعضها حدود الواقع عن خيانة الأصدقاء ..
ولكن هذا لا يمكن أن يشوه صورة الصداقة الحقيقية التي لمسناها خلال السنوات الماضية فكم من صديق ساند أصدقاءه وقت المحن وخير مثال رفاق السلاح من الأبطال في الجيش العربي السوري، فهذه الصداقة التي ولدت في ظل البطولة الممتزجة بالألم لا يمكن أن تمحى أو يطويها الزمن .
في موضوعنا سنتناول علاقة الصداقة ومدى تأثرها بضغوطات الحياة وعندما طرحنا هذا السؤال على البعض ممن التقيناهم -وكانوا في العقد الرابع والخامس من العمر – ارتسمت ابتسامة حزينة على محياهم تلتها تنهيدة قوية أعادت إلى المخيلة ذكريات – يبدو أنها جميلة – وبدأ سيل من المعلومات حول بداية الصداقة ونهايتها وكلٌ لسبب لو عرف بطل العجب ..
أما جيل الشباب فكان أكثر ليونة ومعظمهم محتفظ بأصدقائه إلى نهاية الحياة ومتعلق بهم -إلى العظم – ولا يمكن لشيء أن يؤثر على تلك الصداقة.
آراء وتجارب وذكريات
أمل -موظفة قالت : صديقتي هي جارتي حالياً … منذ أيام الدراسة في المرحلة الإعدادية كنا نتبادل المعلومات الدراسية ونترافق في الطريق ثم تطورت صداقتنا وأصبحنا نتبادل الأسرار في مرحلة المراهقة ولم تنقطع علاقتنا عندما أكملت دراستي الجامعية في محافظة أخرى بل كانت أول من أزورهم عندما أعود في العطلة ورغم أنها تزوجت قبلي بسنوات إلا أن هذا أيضاً لم يؤثر علينا وحتى اليوم مازلنا صديقتين نتشارك السراء والضراء .
بشير موسى – موظف : رغم أنه كان زميلي في الدراسة إلا أن صداقتنا لم تتشكل إلا في مجال العمل فقد تعرفت عليه أكثر وخبرت طباعه وميوله واهتماماته ، ولا أنكر أن علاقتنا تزعزعت قليلاً نتيجة الأوضاع المادية التي كانت تضغط عليه ولكن هذا لم ينه صداقة مستمرة منذ 20 عاماً .
إنصاف – ربة منزل قالت : لم أتخيل أن صداقتي مع زميلة الدراسة يمكن أن تنتهي بهذا الجفاء رغم أنني حاولت التمسك بهذه الصداقة قدر الإمكان ولكن للأسف فقد تزوجت صديقتي وأرادت أن تخفي زوجها عن كل نساء الكون نتيجة غيرتها الشديدة ولذلك لم يعد لها “صديقات” سوى أخوات الزوج .
أكرم يعتقد أن صداقة شخص واحد نتبادل معه الأفراح والهموم هي أفضل من عشرة أصدقاء لا يتوافقون معنا ولكن عاد وتراجع عن رأيه عندما أقر بأن الأصدقاء لهم حاجتهم في وقت الأزمات دون تشويه لمعنى الصداقة .
مروى – طبيبة قالت : أعتقد أن المرأة أقل قدرة من الرجل على الاحتفاظ بصداقاتها وذلك لأنها تنتقل من العزوبية إلى الحياة الزوجية والتي تعني المسؤولية والأولاد والمتطلبات وفوق ذلك رغبة الزوج فإن لم يرض عن تلك الصداقة فقد حكم عليها بالفشل .
الصداقة تمنح السعادة
يعتبر معظم الناس علاقات الصداقة الوثيقة أحد أهم محاور حياتهم لكن الرغبة في ملاقاة الأصدقاء القدامى وعمل صداقات جديدة تتراجع باطراد أمام ضغوط ساعات العمل الطوال وضغوط الحياة اليومية.
لكن الأمر على هذا النحو يشكل خطأ كبيراً حسبما يرى قسم كبير من الخبراء حيث يعتبرون أن الصداقة واحدة من شبكات الأمان الهامة كما أنها أحد مفاتيح السعادة. حيث يقول أحد المهتمين : كثيرون يقولون إنهم يسعدون عندما لا يرن جرس الهاتف في المساء على سبيل التغيير .
لكن آن إليزابيث الباحثة في شؤون الصداقة بجامعة برلين تحذر من مغبة عدم الاكتراث بإقامة علاقات صداقة. وتقول :الأصدقاء يوفرون للمرء الدعم في وقت الرخاء وفي وقت الشدة كما يمنحونه السعادة عبر الأنشطة المشتركة ويوفرون فرصاً لتطوير قدرات المرء الشخصية.
شبكة أمان
إننا نصادف الكثير ممن يريدون تعزيز وتمتين علاقات الصداقة. ولكن هل انتبه أحد إلى أن معظمهم من العزاب والمتزوجين دون أطفال ، وربما هذا يؤكد أن الصداقة يقل “ وهجها “ بعد زيادة المسؤوليات ولذلك نجد أن الأشخاص في منتصف العمر ذوي الطموحات الكبيرة يجدون صعوبة في الحفاظ على الصداقات القديمة وتكوين صداقات جديدة. فالحلقة تضيق ولا يجد الكثيرون وقتا حتى للاجتماع حول فنجان قهوة.وهذا ما حدث مع الدكتور رامز الذي تقتصر علاقاته خارج نطاق الأسرة على زملاء العمل بشكل رسمي فقط .
ولكن الوظيفة قد تضيع والعلاقة الأسرية أو الزوجية قد تنهار الأمر الذي يتطلب إيجاد ما يسمى “شبكة أمان حياتية”.والتي طالب بها الكثير من الخبراء والاختصاصيين في المجالات النفسية والاجتماعية ، هذه الشبكة تكون بحاجة إلى بناء باستمرار مثلما يبني المرء منزله أو مستقبله. فإذا كان لديك 10 أصدقاء فإنه يتعين عليك أن تتصل باثنين منهم كل يومين .. كما يتعين تدبير لقاء مع صديق كل أربعة إلى ثمانية أسابيع .
أما الاتصالات الهاتفية بالأصدقاء غير المقربين فيمكن أن تحدث مرة كل أسبوع. ويمكن دعوة الجميع مرة كل عام في حفل عيد الميلاد.
عناصر أساسية
فاتن محمد -مرشدة نفسية – تقول وتؤكد أن الدفء ،والتسامح، والثقة، هي العناصر الأساسية للصداقة المتينة. وتردف قائلة: من الأهمية بمكان أن تصادق بقلبك. ومن ثم لن يستطيع الانفصال المكاني أن يؤثر في تلك الصداقة.
والمشكلة أن الكثيرين لا يحسنون الإصغاء إلى الآخرين. ويسارعون إلى السؤال :وما علاقتي أنا بالأمر؟.
والإصغاء إلى الآخرين يتطلب الانتباه جيداً لنغمة الصوت ولغة الجسد. فإذا ما قابل المرء صديقاً تنضح مشاعره بالضيق فقد يحسن به أن يسأله بحرص عما إذا كان يود الإفصاح عما يضايقه. ويتعين عدم المسارعة بطرح حلول. ومن الأفضل- غالباً- أن تظهر التعاطف بالإصغاء التام. الصداقة تنمو بأن يفتح الصديق قلبه لصديقه .. هذا لا يمكن أن يحدث إلا بشكل تدريجي ، وقلما نرى علاقات اجتماعية خالية من الصداقة حتى وإن وجدت تشعر أن صاحبها ينقصه شيء ما .. ولكن على الأهل الانتباه منذ البداية إلى صداقات الأبناء حتى لا يشوبها أي خلل وتبقى على مدى الأيام علاقة صداقة سامية .
منار الناعمة