يتحدد أسلوب الحياة بما يمتلكه الشخص من أفكار معاصرة أو تقليدية، وفي بعض الأحيان بكيفية استجابته للظروف والأحداث الاجتماعية والثقافية المحيطة به، ولعلّ فئة الشباب هي الأكثر تأثراً بما يحيط بها من تغيرات ولمعرفة كيف يعيش الشباب الجامعي بين عاداتهم وتقاليدهم التي توارثوها أباً عن جد مقارنة مع التطور الهائل والعادات الجديدة التي دخلت إلى صلب الحياة اليومية التقينا مجموعة من الطلاب بالإضافة لبعض الأشخاص الذين هم على تقارب مع فئة الشباب بشكل يومي .
تأمين مستقبلي وبناء أسرة
الشاب أحمد خريج كلية الهندسة قال : بعد تخرجي من الجامعة بدأت بالبحث عن عمل ريثما يصدر قرار بتعييني في إحدى الجهات العامة, ولكن هذا الأمر قد يصدر بعد عام ولابد من أن أعمل خلال هذه الفترة خصوصا ً وأنني سألتحق بالخدمة الإلزامية بعد فترة ولابد من تأمين بعض المصروف لمساعدة أهلي قبل الالتحاق وبعد أداء واجبي بالخدمة الإلزامية فإن همي الأول هو تأمين منزل مستقل والزواج وبناء أسرة وطبعا ً هذا الأمر يتطلب بذل مجهود كبير وتأمين عمل إضافي خصوصا ً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلدنا جراء الحرب العدوانية التي تشن ضدنا والعقوبات الاقتصادية الجائرة ولكن لابد من المحاولة .
التخرج من الجامعة
أما مجد وهو طالب هندسة كهربائية فقال : حاليا ً أنا طالب جامعة وهمي الأوحد هو التخرج ولكن يوجد لدينا بعض المعاناة خصوصا ً فيما يتعلق بمزاجية بعض الدكاترة في تصحيح المواد وعدم توفر ملخصات للمقررات إضافة للمصاريف العالية خلال سنوات دراستنا وهو ما يثقل كاهل أسرتي كون والدي متقاعدا وأختي تدرس في كلية الطب وأخي في المرحلة الإعدادية وهذا يتطلب مصاريف كبيرة وحاليا ً أعمل بعد انتهاء دوامي في الجامعة لأساعد والدي في مصروف البيت ودراسة أخوتي و أحاول أن لا يؤثر عملي على دراستي
فرصة عمل مناسبة
قالت نور خريجة معلم صف : تخرجت من الجامعة حديثا ً من كلية التربية اختصاص معلم صف وبدأت رحلة البحث عن فرصة عمل مناسبة ضمن مجال تخصصي الأكاديمي و بالنسبة لي من المهم ايجاد وظيفة في مديرية التربية لأمارس اختصاصي وأطبق ما تعلمته نظريا ً على أرض الواقع واساهم بشكل عملي في بناء جيل جديد يكون له دور في إعادة بناء الوطن .
تفكير مختلف
الشاب رواد طالب جامعي له أفكار مختلفة عن زملائه فهو يقول أنه من محبي التقاليد ويتصرف حسب ما يعجبه منها ، وما يلائمه ولكنّني بصراحة أميل للعادات التقليدية المعروفة أكثر فمثلاً لا أفضل السكن بمفردي دون أهلي قبل الزواج لأنه لكل مرحلة نظامها، حسناتها وسلبياتها، وأدخن النارجيلة وأهلي على علم بذلك ولكن أفضل عدم تدخينها أمامهم احتراماً لهم،وأرتدي ما يعجبني من الملابس ولكن حسب المنطق والمكان والوسط الاجتماعي الذي أقطن فيه وأعترف بأنه إذا ما أتيحت لي الفرصة وغادرت مدينتي أو بلدي فأنني سأغير 90% من هذه العادات.
بين نارين
تحدّث «بشار» عن وجهة نظره قائلاً: أعتقد أن الشباب الآن واقع بين نارين ألحظ ذلك من خلال أصدقائي من حولي فهم حائرون بين السير على عاداتهم وتقاليدهم سواء في المنزل أو في الحي لأنّ ذلك يكسبهم رضا الأهل واحترام الآخرين الأكبر سنا , وبين عدم ارتياحهم من تطبيقها لأنها لا تتوافق مع تخيلاتهم المستقبلية أو حتى الحالية لحياة يريدون تغييرها بأدقّ التفاصيل، وأنا أحد الأشخاص الذين يقفون بحيرة كبيرة أمام ذلك فأنا أريد السهر والخروج إلى الحياة العصرية وفي بعض الأحيان أفضل البقاء مع أسرتي والجلوس معهم والعيش في صورة نمط يناسب حياتهم هم قبل فترة زمنية ليست بالقصيرة، لذلك أحاول قدر الإمكان أن أراعي الأهل وأن أتخذ قراراتي المستقلة أيضاً على الرغم من عدم موافقتهم عليها في أغلب الأوقات وهذا للأسف يضيف إلى حياتي الكثير من التوتر.
التفكير المقنع
عدنان « طالب جامعي» عبر عن رأيه قائلا :لا يجب التخلي عن آرائنا لمجرّد أنها لا تتوافق مع آراء أهلنا فالاحترام شيء والرضوخ شيء آخر تماماً وأضاف : نحن نستطيع أن نجد الحل كجيل في القرن الواحد والعشرين يطلّ على عالم من العولمة من خلال التصرف على طبيعتنا ومنطق الحياة الطبيعية القائم على التأقلم مع الظروف والتطورات , ويمكننا أن نقنع أهلنا بأن حياتنا ملكنا وهي شي مختلف عن حياتهم وزمانهم ولنا الحق باختيار قراراتنا وحتى يحق لنا الخطأ لكي نتعلم من أخطائنا، ولكنّ المشكلة تكمن في خوف جيلنا من تحمل المسؤولية والدفاع عن قراراته وحريته وهذا كلّه يرجع للقناعة وقوة الفكرة المقتنع بها وصحتها أمام آراءٍ عديدة من حولها.
طموحاتنا كبيرة
تقول ميس مدينتنا مناسبة للدراسة ولكنها لا ترضي الطموح لعدم وجود فرص العمل فيها أسوة بالعديد من المحافظات وتضيف:مجتمعنا مقيد أكثر من غيره بكثير فمثلاً على مستوى المقاهي الثقافية لا يوجد فيها سوى ناد واحد فقط ,أمّا باقي المقاهي والتي تعدّ على الأصابع للأسف زوارها وروادها من فئة الذكور حصرياً لأن صورة الفتاة وهي ترتشف فنجان قهوة بمفردها مستهجن إلى حد كبير، ورؤية شاب وفتاة معاً يثير الشكوك ما يضطر المرء لاختصار صداقات عادية في كثير من الأحيان، إضافةً إلى أن الكثير من الناس لم يتخلصوا بعد من فكرة عمل الفتاة إلى وقت متأخر أي بعد الثامنة، إضافةً إلى أنّه لا يوجد للأسف أية حركة اقتصادية أو سياحية تأتي بالسياح إلى «حمص»، وهذا يدفع المرء إلى الشعور بالإحباط بعد نيله شهادة جامعية ولا يستطيع قبول أية فرصة عمل أو البحث عنها للأسباب التي ذكرت …..
فراغ كبير
غسان له وجهة نظر أيضا فيقول : المشكلة تكمن لدى جيل اليوم هو ضياعهم في فراغ كبير يبررونه بكثرة المشاغل والهموم فهم لا يريدون ماضياً يقيدهم ويضع عليهم شروط العقاب والثواب، ونلاحظ أن محبة الجماعة تلاشت والرغبة في البقاء ضمنها تضاءلت جداً، أصبح كلّ شخص يبحث عن شيء آخر خاص به لملء فراغه وتفريغ الشحنات العاطفية والفكرية من خلاله فقط ، لا يهمهم الماضي ولا الحاضر الذي سيصبح ماضياً يوماً ما، بل السعي المفرط نحو الحرية ينسيهم معنى المسؤولية فهم يرون العالم الخارجي عبر شاشات التلفاز متمثلاً بالمعيشة الفردية ويريدون العيش كذلك وهذا ليس بالخطأ ولكنهم ينهارون عند أول مطب وأول خطأ، فنادراً ما تجد شاباً يجمع رأس ماله الخاص من عمله الخاص وإنما يعتمد على مال والديه ليدرس ويتمتع في الحياة ويمتنع عن سماع طلباتهم، ولذلك تصبح الحاجات السطحية هي أساسية بوجود الفراغ الثقافي وفراغ المسؤولية، الشباب الآن للأسف لا يعرفون على أية أرض سيقفون .
شخصية الأهل
الشباب برأي نور حمدان « مرشدة اجتماعية » يعني الجديد والتحدي , وتضيف: إن تكامل الشخصية يلغي المشاكل والمعاناة وذلك مبني على شخصية الأهل أي الرجل والمرأة في المنزل , وهذا ينعكس على أولادهم من حولهم ويكسبهم الثقة بالنفس واحترام الرأي والرأي الآخر، فأنا كنت أتمتع بشخصية متمردة على أهلي في فترة شبابي ولكن تمردي لم يواجه بعنف من أسرتي نتيجة تفهمهم ذلك لأنني بنيته على فكرة صحيحة أساسها التغيير نحو الأفضل , ومستقبلا سأتفهم محاولة أبنائي ابراز شخصيتهم وصنع قراراتهم الصحيحة في حياتهم, فالحياة ليست صحيحة دائما ونحن لسنا معصومين عن الخطأ ليكون أبناؤنا كذلك , فإذا كانت تغييرات أبنائنا بوعي وثقافة فسيكون ذلك ايجابيا على الجميع وقد يحققون ما لم نحققه عندما كنا بنفس عمرهم .
يوسف بدور