في أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي، دُعيت لنشاط أدبي في مدينة القامشلي، وفي الفندق الذي نزلت فيه، وكان له عزّ من قبل، زارني صديق سمع بمجيئي، فجاء من الحسكة، وفي الغرفة كان معه رجل ربّما تجاوز السبعين من عمره، وتكلّم الرجل السبعيني بأفكار نقزتُ منها ، وأحسستُ أنّ ثمّة مَن يَقبل بمدّ اليد الصهيونيّة، ولو على حساب القيمة الوطنيّة، !!
في أوائل العقد الثامن من القرن الماضي، دُعيتُ للمشاركة في مهرجان أدبيّ في مدينة الرقّة، التي أصبحت فيما بعد من أهمّ مراكز الإشعاع الثقافي الفنيّ الفولكلوري، وهناك، في جلسات خاصة تحدّث البعض عن حزب ال» بي بي كي»، الكردي الذي يمتدّ خارج الأرض السوريّة، وربّما شفع لهذا الحزب آنذاك، أنّه حزب يساري، وأنّ معظم نشاطاته موجّهة ضدّ القمع التركي للأكراد.
-في بيتي في حمص، وقريبا من الزمن المذكور أعلاه استضفتُ أحد شعراء الشمال السوري من الأكراد، وكان يُصحّح أوراق الشهادة الثانويّة في حمص، وكان جُلّ ماطرحه عن الأكراد أنّهم لايريدون أكثر من أن يُسمَح لهم بالاحتفال بعيد «النّوروز»، وهو من أقدم أعياد المنطقة الممتدّة من إيران إلى سوريّة، وربّما طمحوا إلى أن تكون لغتهم هي لغة التعليم في مناطقهم إضافة إلى العربيّة، وأن يكتبوا آدابهم بلغتهم، وحذّرتُه يومها من الجنوح إلى فكرة إقامة دويْلة كما يطمح البعض، بحسب ماسمعنا، وأنّ بعض مايراه مقبولا قد يكون مقدّمة للانزلاق وراء فكرة تقسيم الوطن الذي آواهم في أوقات الشدّة، وأنّ المستفيد الأوّل ستكون الصهيونيّة العاملة باستمرار على تفتيت دول المنطقة،
-الآن، وأنا هنا أتحدّث عن الذين انجرفوا وراء إغراءات إقامة (كيان كرديّ)، وأعلم أنّ قسما غير هيّن من أكراد سوريّة هم ضدّ ذلك التوجّه، ويعملون على محاربته بما أوتوا من قوّة وإمكانيات، .. الآن اتّضح الصبح لكلّ ذي بصر، بعد تشكيل غرفة عمليات واحدة بين أردوغان وأمريكا، ثمّة قسم من الكرد يُراهن على الوهم الذي يغذّيه الصهاينة، وأرجّح أنّ تلك القيادات الكرديّة قد أخذت مَن انضوى تحت لوائها إلى خيارات ليست في صالح مستقبل الكرد بعامّة في المنطقة، وهم يُدركون أنّ الرّافضين لقيامة أيّ شكل من أشكال الكيان المحلوم بهم الإيرانيّون، والأتراك، والسوريون، فإلى أين أنتم ذاهبون؟!!.
المتطرفون المرتبطون من الكرد بما تسعى إليه الصهيونيّة، وتغذّيه أمريكا، وتمدّه بالسلاح هؤلاء سيورثّون أجيال الكرد القادمة مساءلات قد لاتُمحى مع الأيام، لأنّها تمسّ صميم الوحدة في سوريّة، والأمريكان الذين يزيّنون لهم ماهم فيه، ويدفعونهم باتّجاه المزيد من التوغّل، لهؤلاء نقول لن تكونوا عندهم أهمّ من شاه إيران، ومن حسني مبارك، وبن علي، أنتم الآن ورقة لعب تلزمهم ماداموا قادرين على المراوغة والمماطلة، ولا بدّ لهذه الحرب من أن تضع أوزارها ذات يوم،فماذا ستفعلون، وأين تذهبون،؟!! قياداتكم قد يمنحهم الحلف الصهيوأمريكي أماكن لجوء، فماذا عن الآلاف المؤلّفة،؟!!
أرى أنّ على ( العقلاء) الكرد أن يتمرّدوا على القيادات التي صارت زعامتها، وإيراداتها الماليّة مقدَّمَة على ماعداها…
aaalnaem@gmail.com
عبد الكريم النّاعم