كان هذا الاسم حاضراً في ذاكرتنا الطفلية مذ كنا في المرحلة الابتدائية ، فقد ورد في كتب التاريخ علماً من أعلام النضال الوطني الذي أثمر عن جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية ، واقترن اسمه بأسماء أعلام آخرين كسعد الله الجابري وشكري القوتلي وهاشم الأتاسي وفخري البارودي.. وبدأت ذاكرتي بعد ذلك تختزن نثرات من هنا وأخباراً من هناك عن مواقف جسدها هذا الرجل ومنها حكايته مع المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة ، حين تعمد فارس الخوري – كممثل لسورية– في تلك المنظمة الدولية الحديثة العهد – أن يجلس على كرسي المندوب الفرنسي مما أثار اشمئزازه وغضبه ، فقال له فارس الخوري : كيف لم تتقبل جلوسي على كرسيك دقائق ونحن تحملنا جلوسكم على صدورنا ربع قرن ؟!
وعرفت أن هذا الرجل كان حقوقياً ومحامياً قديراً وهو أول مؤسس لنقابة المحامين في سورية عام واحد وعشرين وتسعمئة وألف وقد ظل نقيباً للمحامين خمس سنوات بعد ذلك . وقد قال له أحد القضاة بعد أن قدم دفاعه عن موكله : إذا كان ماقدمته قانويناً سليماً سألقي كتب القانون عندي في نهر بردى فأجابه على الفور : الأفضل لك أن تقرأها!! كما عرفت أنه كان عضواً في مجلس – المبعوثان – أيام الدولة العثمانية ، وكان في القافلة الثالثة التي حكم عليها جمال السفاح بالإعدام ولكنها نجت من حبل المشنقة بسبب قيام الثورة العربية الكبرى وتدخل الشريف حسين وتهديده الأتراك بأنه سيعدم مقابل كل عربي سيقتلونه عشرة من الأتراك .
وكبرت وكبر في فارس الخوري فرأيته مسجوناً أيام الفرنسيين في قلعة جزيرة – أرواد- وفي تدمر ودير الزور ، كما رأيته نائباً في البرلمان السوري ورئيساً له ، ووزيراً ورئيساً للوزراء وعلماً من أعلام استقلال سورية , ولكنني لم أعرف أنه أديب شاعر إلا في النصف الثاني من العقد الأخير من القرن العشرين, حين التقيت حفيدته الأديبة المعروفة كوليت خوري في بيتها في القصاع الذي هو بيت جدها ، واجريت معها لقاء طويلاً خدمة لبحثي في أطروحة الماجستير – التمرد الأنثوي في الأدب النسائي السوري – يومها أهدتني الأديبة اللامعة كوليت كتبها من قصص وروايات وخواطر كما أهدتني كتابها عن جدها المعنون: من أوراق فارس الخوري ، وكان في ثلاثة أجزاء ، وعرفت من خلالها أنه شاعر متمكن من شعراء عصره ، جسد رؤاه الوطنية والقومية والإنسانية في اشعاره ، وكان يؤرخ الأحداث عن طريق الشعر ، فقد كتب عندما كان منفياً إلى أرواد ومسجوناً في قلعتها :» بلغنا ونحن في أرواد خبر ضرب مدينة حماة في أوائل تشرين الأول عام خمسة وعشرين وتسعمئة وألف , بسبب الثورة التي ظهرت فيها ، ثم ترامى إلينا إلقاء القنابل على أحياء دمشق في التاسع عشر والعشرين من هذا الشهر وتدمير حي الشاغور والميدان فقلت مؤرخاً:
مرحباً بالإصلاح يهدى إلينا من دعاة الإصلاح والعمران
يوم كنا في سجن أرواد أرّخت دمار الشاغور والميدان
فإذا جمعنا أحرف : دمار الشاغور والميدان – كان الحاصل خمساً وعشرين وتسعمئة وألف ومن قصائده الرائعة قصيدته التي ألقاها في ذكرى شهداء السادس من أيار التاسعة أي قبل هبوب الثورة السورية بشهرين ونصف تقريباً..وكانت الدنيا تتأجج غضباً ونقمة على الفرنسيين ومطلعها:
كان التجلد في البلوى يؤاتيني فماله حين أدعو لا يلبيني؟!
د. غسان لافي طعمة