رغبات الطلاب في التخصص الجامعي.. كرة يتقاذفها الأهل والأبناء … والظروف المحيطة

بعد فترة يبدأ الطلاب الراغبين بالدراسة الجامعية بالتسجيل في الجامعة ضمن سلسلة رغبات كانت قد أخذت منهم وقتا في اختيارها وتحديدها وطبعا لا بد من مشاركة الأهل والأقارب والأصحاب وربما الجيران في هذه الرغبات حتى يستقر بهم الحال …
الطالبة بتول العلي لم تكن تغريها الخيارات المتبقية كثيرا لأن رغبتها التي كانت تأمل بها لم تستطع تحقيقها والتي تحكم بها مجموع العلامات ولكنها حددت رغبتها بدراسة الحقوق فهي أفضل الخيارات بالنسبة لها كونها حاصلة على الثانوية بفرعها الأدبي فقالت : رغم ما يقال عن دراسة الحقوق أنها تحتاج إلى جهد مضاعف في الدراسة إلا أنها تعد الأفضل لما بعد التخرج كمركز اجتماعي ومجالاتها الوظيفية أوسع أي أن النظرة المادية لابد أن تكون موجودة في ظل هذا الماراثون المتسارع للحصول على الوظيفة أو المردود المادي … وقد تلقيت الدعم من الأهل فإن كان على الإنسان الاختيار فليكن اختياره يوافق تطلعاته … طبعا والأهم من ذلك هو العمل على النجاح فيما اختاره ..
الطالبة فرح محمد قالت : درست الثانوية العلمية على أمل أن أتابع دراستي في أحد الفروع العلمية العالية وخاصة الهندسة ولكن لم أستطع الحصول على المجموع المطلوب ولذلك سأسجل فروعا أخرى ضمن المفاضلة وهي أقل رغبة بالنسبة لي ولكنها فروع يمكنني الاستمرار فيها .
الطالب أمجد الحسن قال : لقد ندمت كثيرا لدراسة الفرع العلمي فبعد صدور النتائج لم أستطع المفاضلة على أي فرع من الفروع التي تلقى قبولا اجتماعيا ، ولم يساعدني أهلي في الاختيار وقد كان اقتراحهم الوحيد هو اختيار مجال آخر لتحديد مستقبلي ولا سيما ما يضمن لي المردود المادي ..
ماذا عن نظرة الأهل ؟
ينظر الأهل إلى الأبناء وبخاصة في نهاية مرحلة الثانوية على أنهم ما زالوا في مرحلة المراهقة ولا يستطيعون اتخاذ قرار مصيري بشأن مستقبلهم.
ولكنهم يتساءلون : كيف نستطيع أن نتصرف معهم من دون ضغوطات؟ لأن الصراع يدور في محاولة التأثير على أبنائهم بتحديد اتجاهاتهم الدراسية أو المهنية وحتى مستقبلهم وبعضهم بذلك يحاول تحقيق أحلامه من خلال أبنائه ، ولا يتركون لهم حرية اختيار رغباتهم وبلورة طموحاتهم ولا يعطونهم المجال حتى في تجربة اختيار ما يرغبونه وهذا سبب حقيقي في فشل بعض الأبناء في مهنهم وتخصصاتهم.
إن تدخل الأهل في تحديد تخصصات أبنائهم يكون أحيانا في غير مكانه ، والمنطقي أن يتتبع الأهل مسيرة ابنهم التعليمية منذ الصفوف الأساسية إلى حين اختيار ميوله في تحديد دراسته العلمية أو الأدبية في المرحلة الثانوية وبعدها مرحلة الجامعة.
في عالمنا اليوم أصبح الأبناء أكثر وعياً وفهماً نتيجة ظهور التكنولوجيا فالشاب اليوم قادر على اختيار مستقبله العلمي أو المهني مع الأخذ بعين الاعتبار توجيه الأهل وإرشادهم لأبنائهم في حسن الاختيار الذي سوف يتحمل نتيجته مستقبلا، فتوجيه الأهل مهم جداً لكن لابد أن يكون من خلال النقاش لا فرض الرأي.
إن تدخل الآباء في اختيارات أبنائهم وإجبارهم على الدراسة التي يريدها الأهل يؤدي إلى حدوث اضطراب وشرخ في شخصية الأبناء نتيجة التدخل في اختيار مصيرهم مما يترتب على ذلك ممارسته لعمل لا يحبه وقد يؤدي إلى إخفاقه في دراسته الجامعية أو المهنية وعدم إكمالها.
ويرى البعض أن اختيار التخصص الجامعي للطالب هو محصلة صراع رغبات ما بين الأهل والطالب والقيم الاجتماعية والقدرات العلمية والمستوى المادي للأسرة وكلفة التعليم في الجامعات.
و يتطلع كثير من الآباء إلى تعليم أبنائهم تخصصات معينة كالطب والهندسة حيث يعتقدون بأنه سيكون لهم ولأبنائهم قيمة اجتماعية بغض النظر عن ميول وقدرات أبنائهم.
و أحيانا نجد نقيضا لذلك حيث تتركز اهتمامات بعض الآباء والأسر على المردود المادي للتعليم والتخصص الجامعي بغض النظر عن نظرة المجتمع لذلك التخصص وقدرات الطالب في المرحلة الثانوية, كذلك حاجة الأسرة إلى مساعدة الابن في إعالة العائلة قد يوجه الطالب نحو التخصصات في (المعاهد) للإسراع في جني العوائد المادية رغم أن قدرات الطالب العلمية تؤهله لأن يدرس في التخصصات الجامعية.
إن الكلفة الباهظة للتعليم في تخصصات التعليم التطبيقي، كالطب والهندسة قد تكون عاملاً منفراً لابتعاد الطالب عنها رغم قدراته العلمية المتميزة وذلك لان ظروفه المادية لا تسمح بذلك.
وبذلك عوامل عديدة تتدخل في اختيار الطالب لتخصصه الدراسي، فالاعتقاد الراسخ لدى بعض الطلبة بأنه سيصبح مهما في المجتمع إذا درس التخصصات المميزة من وجهة نظره كالطب والهندسة رغم تعارضهما مع قدراته العلمية، وتدخل الأصدقاء في توجيه الطالب نحو تخصص معين كي لا يبتعد عن أصدقائه حتى في دراستهم الجامعية واختياره مهنة المستقبل, وقد يكون التفوق العلمي في امتحان الثانوية دافعاً له في التوجه نحو التخصصات ذات القيمة الاجتماعية.
إن للأهل دوراً كبيراً في توجيه الأبناء ومحاورتهم حول مستقبلهم الدراسي وهم في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وتوجيههم نحو الاختيار الأفضل والذي يتوافق مع احتياجات سوق العمل ويحقق طموحاتهم ويتناسب مع قدراتهم الدراسية.
ولابد من التنويه إلى ضرورة أن يراعي الأهل الفروق الفردية بين الأبناء في المستوى العلمي والتحصيلي، فكل أسرة تعرف مستوى أبنائها من خلال نتائجهم المدرسية في مختلف المواد الدراسية، لذا يجب على الأهل عدم فرض رغباتهم وميولهم على أبنائهم وخصوصاً إذا كان الأهل يعلمون أن ميولهم تختلف عن رغبات وميول الأبناء وعدم قدرتهم على التحصيل الدراسي وبالتالي الإخفاق في الدراسة وتحميل الآباء مسؤولية سوء الاختيار.
إن الدراسات العلمية وجدت أن (70%) من الشباب قادرون على الحوار البناء والهادف مع أسرهم في المواضيع التي تتعلق في شؤون مستقبلهم الدراسي والعملي، لذا فان على الأهل إتباع أسلوب الحوار والتوجيه الهادئ الايجابي مع الأبناء واستثمار طاقاتهم في النجاح في المواضيع التي يبدعون بها، وهذا ينطبق على الأبناء في مختلف المراحل الدراسية، بدءاً من المدرسة واختيار التخصص (أدبي، علمي، …) أو التخصصات الجامعية في مرحلة الجامعة.
وتبقى الأهمية في البعد عن التقليد الأعمى في اختيار التخصصات الدراسية للأبناء وذلك مجاراة للأقارب والأصدقاء والجيران، والبعد عن المظاهر الاجتماعية، فالتخصصات العلمية في كافة فروعها ومجالاتها لها مكانتها الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع وبخاصة بعد دخول تخصصات دقيقة متفرعة عن تخصصات عامة.
ويجب أن يكون الأهل شركاء في إنجاح أبنائهم من خلال تسهيل وتذليل كافة العقبات التي قد تواجه تحصيلهم الدراسي سواء كانت عقبات مادية أو نفسية أو اجتماعية، فالأبناء بحاجة إلى رؤية اهتمام ومتابعة الأهل لدراستهم والسؤال الدائم عنهم, وعلى الأهل إتباع الحكمة الموروثة مع الأبناء وهي «إن كبر ابنك خاويه».
منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار