العين بصيرة و اليد قصيرة .. و الطرق الزراعية خارج الاعتمادات! الحاجة تزيد عن 22 مليار ليرة و الاعتماد يراوح عند 350 مليون ليرة ؟!!
العديد من الإجراءات و الطرق من الممكن إتباعها لتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية و بالتالي دعم الاقتصاد الوطني بشكل مباشر , وفي مقدمة تلك السبل الاعتماد على نتائج الأبحاث العلمية المكثفة و تعزيز طرق الري الحديث و الاهتمام بنوعية الأسمدة تليها خطوات جدية في تطوير القوانين و الأنظمة المختصة بهذا الشأن ولا يمكن غض النظر عن أهمية و ضرورة تحسين الطرق المؤدية من و إلى الأراضي الزراعية كونها من أهم البنى التحتية المساهمة بشكل مباشر في تطوير القطاع ككل على اعتبارها الشرايين للأراضي والعمود الفقري للعملية الزراعية, و تعود بالنفع على المزارعين في تخفيض تكاليف الشحن و التقليل من تلف المنتجات و الأهم إمكانية الوصول إلى الأراضي في حال حدوث الحرائق .. و هو ما سنستعرضه اليوم ..
بخفي حُنين
جريدة العروبة التقت و خلال جولاتها العديد من الفلاحين الذين تضررت أراضيهم بشكل كبير جراء الحرائق المتعددة في ريف المحافظة و الذين أجمعوا بأن أغلبهم خرج من موسم الصيف بخفي حنين دون أي ربح يذكر بعد أن أتت ألسنة اللهب على شقاء سنوات ..
ذكر أحدهم بأنه كان ينتظر محصول الزيتون بفارغ الصبر و علق عليه الآمال لسداد ديون متراكمة خاصة بعد موسم الشتاء الخيّر , و لكن في الوقت ذاته تسببت الأمطار بنمو الأعشاب بمعدل كبير و بسبب غلاء ساعات الحراثة لم نتمكن من فلاحة الأراضي بالشكل الكافي مما شكل بيئة مناسبة لنشوب حرائق متعددة ونال حقلي من الخسارة الشيء الكثير و التهمت ألسنة اللهب أشجار الزيتون بشكل كامل..
و أشار إلى أن سيارات الإطفاء و الآليات لم تتمكن من الوصول إلى الأراضي بسرعة كافية بسبب وعورة الأرض و عدم وجود أي طريق زراعي ..
عودة مسؤوليتها لمديرية الزراعة …أفضل
فلاح آخر من قرى الريف الغربي أشار إلى أن فصل الصيف كان حاراً بشكل (اعتيادي ) وربما عقب سيجارة وحيد أو قطعة زجاج صغيرة أو ماس كهربائي…أو… كفيل بالتسبب بحريق و القضاء على المحاصيل بعد أن أينعت لتكون المحصلة خسارة إنتاج عشرات الآلاف من الأشجار المثمرة عدا الخسائر بالنسبة للمناطق الحراجية..
وأكد أنه بسبب الطبيعة الجبلية للمنطقة يجب أن يوجد فيها عدد كاف من الطرق الزراعية لتسهيل الوصول إلى الأراضي و خاصة خلال الحرائق ,و هو المسبب الرئيسي و المباشر لازدياد المساحة المتضررة من الحرائق .
وأشار بعضهم إلى أنه من الضرورة بمكان عودة مسؤولية فتح طرق زراعية جديدة وفق خطة محددة لمديرية الزراعة أفضل من بقائه بأمر مديرية الخدمات الفنية التي لم نشهد منذ استلامها لهذا الموضوع في عام 2003 فتح طرق جديدة ..
آخرون أشاروا إلى أن غلاء ساعات الحراثة له الأثر الأكبر في نمو الأعشاب الضارة وعدم قدرة الفلاح على تخديم أرضه بالشكل الأمثل و خاصة بالنسبة لموضوع الحراثة وهو أمر يلعب دوراً سلبياً جداً في ضخامة النيران و امتداد ألسنة اللهب .
لاتوجد طرق زراعية
فلاحون من قرى حداثة والمتعارض وصفر وجب البستان ومجيدل وعرقايا وعدة قرى مجاورة والتي تضررت فيها آلاف الأشجار المثمرة نتيجة الحرائق المتكررة قالوا للعروبة :إن الحريق لايبدأ بهذا الحجم الكبير و السيطرة في البداية ممكنة ولكن عندما تتجه النيران باتجاه الأراضي الوعرة التي لاتوجد فيها أي طرق زراعية يصبح الأمر أشبه بالمستحيل ,فنحن نعاني الأمرين في نقل المحاصيل من تفاح أو زيتون بسبب وعورة الطريق و استحالة مرور آلية فما بالك مع وجود ألسنة اللهب الخطيرة..؟؟؟
من جهة ثانية قال أحد الفلاحين المعمرين أنه سابقاً كان موضوع فتح الطرق الزراعية من مهمة مديرية الزراعة لكن و منذ سنوات عديدة أصبح الأمر من مهمة مديرية الخدمات الفنية و للأمانة لم نلحظ تحسناً في واقع الطرق الزراعية ,بل ازداد الأمر سوءاً – بحسب الأهالي – وقال مواطنون من قرية حداثة وقرى أخرى متضررة من الحرائق : نناشد الجهات المعنية أن تعيد مسؤولية فتح الطرق الزراعية لمديرية الزراعة و إعفاء مديرية الخدمات الفنية منها ,لأنه منذ تكليف الأخيرة بموضوع الطرق الزراعية منذ عام 2003 لم تشهد المنطقة فتح أي طريق زراعي جديد ,وأضافوا : خسرت قرية حداثة أكثر من 15 ألف شجرة زيتون وغيرها لعدم وجود طريق يمكننا من الوصول إليها..
بالأرقام
وفي استعراض سريع لحجم الخسائر الذي تسببت به الحرائق هذا الموسم ذكر المهندس محمد نزيه الرفاعي مدير زراعة حمص أن عدداً لا يستهان به من الأشجار خسر الفلاحون إنتاجها بسبب الحرائق المتتالية و المتسعة و التي لم ترحم الأخضر أو اليابس , وكانت محصلة الخسارة كبيرة ..
فبالنسبة لأشجار الزيتون في قرية الغور الغربية التهمت الحرائق مساحة 3,5 دونم مزروعة بالزيتون و احترقت 65 شجرة و قدرت كمية الإنتاج المفقود بأكثر من طن من الزيتون بالإضافة لالتهام النيران لأكثر من 60 شجرة كرمة تمتد على مساحة دونم واحد, و تسببت النيران بخسارة إنتاج 50 شجرة رمان على مساحة دونم واحد.
كما نشبت عدة حرائق في منطقة تلكلخ امتدت لأكثر من 260 دونماً مزروعة بالزيتون في قريتي اللويبدة و الدردارية تضررت منها أكثر من 4 آلاف شجرة و فقد إنتاجها بشكل كامل ..
وأوضح الرفاعي أنه ونتيجة اللفحة الحرارية بسبب ارتفاع درجات الحرارة تضررت الكثير من أشجار الكرمة (عرائش) في منطقة المخرم وبالتحديد في قرى خلفة و المخرم التحتاني و أبوحكفة الشمالي و بويضة ريحانية و العثمانية و بويضة السلمية وأم العمد والمخرم الفوقاني و تل أغر و السنكري الشمالي والسنكري الجنوبي والجنينيات والحراكي وبلغت المساحة المتضررة 330,5 دونم من المساحة الإجمالية المزروعة بالكرمة و البالغة 482 دونماً , ووصلت نسبة الضرر إلى 70% من جهة ذبول الثمار و العناقيد و تقدر كمية الإنتاج المفقود بحوالي 92 طناً..
كما تسببت الحرائق المتكررة بأضرار في الأراضي المزروعة بالكرمة في قرى كفرام و جب الجراح و مكسر الحصان و تلعداي و بلغت المساحة المتضررة 741 دونماً ووصل عدد الأشجار المتضررة إلى 44472 شجرة مؤكداً أن الضرر بلغ 100% و الإنتاج بأكمله مفقود…
و كان لأشجار اللوز حصة بالغة الأذى من الضرر في أراضي المركز الشرقي وتحديداً في قرى فطيم العرنوق و جب الجراح و دويعر غربي ومكسر الحصان و دويعر شرقي و تلعداي , و بلغت المساحة المتضررة 5740 دونماً و سجل عدد الأشجار المتضررة 229600 شجرة و نسبة الضرر 100% ..
كما نشبت حرائق متعددة في قرى غرناطة و آبل و فطيم العرنوق و جوبر و دير بعلبة وكفرام و القبو و تلدو و جب الجراح ودويعر غربي ومكسر الحصان ودويعر شرقي و تلعداي بلغ مجموع المساحة المتضررة المشجرة بالزيتون 5159 دونماً و عدد الأشجار المتضررة بشكل كامل وصل إلى 80680 شجرة و يعتبر الإنتاج بأكمله مفقوداً في تلك المناطق ..
وفي منطقة القصير نشبت عدة حرائق في أراض مزروعة بالقمح و تحديداً في قرى كفر موسى و الشياحات و عرجون و القرنية وبلغت المساحة المتضررة 213 دونماً و نسبة الضرر 100% وكمية الإنتاج المفقودة أكثر من 43 طناً , وفي قرى كيسين و البلان التابعة للرستن التهمت النيران القمح على امتداد 247 دونما وتقدر كمية الإنتاج المفقود بحدود 48 طنا .
في حين بلغت المساحات المتضررة بسبب النيران في قرى المركز الشرقي وتحديداً جوبر وتير معلة والغنطو ومسكنة و كفرعايا و آبل 2180 دونماً وقدرت كمية الإنتاج المفقود بحدود 560 طناً ..
وكان لأراضي القمح في قرى المركز الغربي نصيب من الضرر و تحديداً في بابا عمرو ودير بعلبة و وصلت المساحة المتضررة إلى 290 دونماً و خسارة إنتاج يقدر بحدود 115 طناً ..
أما في قرى تلدو والقبو وتل ذهب بلغت المساحة المتضررة 205 دونمات وتقدر كمية الإنتاج المفقودة بـ 36,5 طناً ..
في حين تسببت النيران بفقدان 20,5 طناً من القمح على امتداد 205 دونمات في قرى المخرم جب الجراح و دويعر الغربي ومكسر الحصان , و بذلك تكون المساحة الإجمالية المتضررة المزروعة بالقمح 3340 دونماً ..و أشار الرفاعي أن عدد الفلاحين الذين تضررت أراضيهم ومحاصيلهم يتجاوز 641 فلاحاً ..
الاعتماد ..(صفر)
من جهته أوضح المهندس عماد السلومي رئيس شعبة دراسة مشاريع الطرق في مديرية الخدمات الفنية بحمص أنه تم تكليف المديرية بفتح الطرق الزراعية في ريف المحافظة و ذلك بهدف توحيد الجهة المسؤولة عن الطرق في المحافظة بشكل عام مشيراً إلى أن الطرق تقسم من حيث التصنيف إلى ثلاثة أقسام الخدمية و إعادة تأهيل الطرق الإستراتيجية و الطرق الزراعية ..
مشيراً إلى أن المرحلة الأولى تبدأ بتوصيف الطريق و ضرورة وجوده و مواصفاته بعد تقديم طلب من المزارعين للمديرية أو للمحافظة حيث يجري الكادر الفني دراسة مبدئية و هنا في الحالة التي يكون فيها الطريق مساحياً أي أنه موجود على مخططات دائرة المساحة و بعرض و طول محدد و عندها إذا لم تكن المساحة من الأملاك العامة كافية يتم مخاطبة المالكين الأصليين للتنازل عن المساحة اللازمة لاستكمال الطريق ,أما إذا لم يكن الطريق مساحياً يتم مخاطبة المالكين بشكل مباشر للتنازل بموجب وكالات كاتب عدل لتصبح ملكيتها للخدمات الفنية و بعدها تتم الدراسة و رصد الاعتماد اللازم لفتح الطريق..
الاتفاق .. حل مجدٍ
و ذكر السلومي أنه في كثير من الأحيان تواجهنا عقبة عدم موافقة جميع المالكين على التنازل عن قطعة من أرضهم بطول محدد لفتح الطريق مشيراً إلى أن المصلحة العامة يجب أن تكون هي الغالبة في هذه الحال و خاصة أن أي طريق بمثابة شريان حياة للأرض المجاورة , و أوضح أن الاتفاق بين المالكين هو الحل الحقيقي لفتح الطرق الزراعية ..
99 طريقاً ضمن خطة الدراسات
وأوضح السلومي أن خطة الدراسات للعام الحالي بطول 200 كم بكلفة تقريبية 6 مليارات و 757 مليوناً و 400 ألف ل.س موزعة على مناطق ريف المحافظة والحصة الأكبر منها و التي تبلغ 34 طريقاً في منطقة شين و تتوزع باقي الطرق والبالغ عددها 65 طريقاُ في مناطق تلكلخ و الرستن و تلدو و صدد و حسياء و المخرم و القصير, ليكون إجمالي الخطة 99 طريقاً كلها ذات أهمية بالغة لتخديم الأراضي الزراعية..
و أوضح أن التوجه خلال سنوات الحرب تركز على صيانة و إصلاح مقاطع تخربت بفعل الإرهاب أو سوء الاستثمار أو إعادة تأهيل لبعض الطرق الإستراتيجية المهمة , بالإضافة إلى تأهيل طرق لذوي الشهداء و الجرحى و فتح طرق خدمية لمقابر الشهداء ..
و أوضح أن الحاجة الفعلية لتنفيذ خطة العام الحالي تصل إلى 22 مليار ل.س منها 10مليارات و هي خطة الدراسات فيما يتعلق بالتأهيل و5 مليارات تكاليف طلبات إنشاء طرق خدمية بالإضافة إلى 6,575 مليار ل.س لفتح طرق زراعية , و أشار إلى أن الاعتماد المالي للعام كله يبلغ 350 مليون ل.س وهو رقم بعيد جداً عن الاحتياج الحقيقي ..
و بما أن الأولوية للتأهيل وللطرق الخدمية يمكننا القول إن الاعتمادات المخصصة للطرق الزراعية شبه معدومة .
بانتظار المسار
و أوضح السلومي أنه يوجد طريق زراعي يصل قرى شين صفر المتعارض و هو حل جيد للسيطرة على الحرائق و لتلافي الأضرار الكبرى ولكن نحن بانتظار المسار الذي يجب أن تحدده بلدية شين بالاتفاق مع الأهالي و تقديم تنازلات من قبل المزارعين عن المساحة من الأرض و التي ستصبح ملكاً للخدمات الفنية ليتم فتح الطريق المذكور إلا أن عدم الاتفاق يقف دائماً حجر عثرة ومازلنا بانتظار التوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف علماً أن الطريق حيوي و سينعش كل الأراضي التي سيمر بها..
و أضاف :إحدى الحلول المقترحة اليوم العودة إلى أسلوب العمل القديم و هو تنفيذ فتح طرق زراعية بواسطة (البلدوزر) بدون تكاليف الزفت وغيرها من الأعمال و إنما فقط فتح طريق واضح تمر منه الآليات و سيارات الإطفاء عند الضرورة و هو حل فيه توفير مالي كبير ويحل مشكلة كبيرة بالنسبة للأراضي ذات الطبيعة الوعرة ,مشيراً إلى أنه لم يتم فتح أي طريق زراعي جديد منذ عام 2010
وأكد أن الكثير من المشاريع المقدمة للدراسة مدورة من أعوام سابقة يضاف إليها العديد من الطلبات الجديدة .
أخيراً
لايخفى على أحد الزيادة الكبيرة في الأسعار و التكاليف لأي مشروع إذ انه و قبل سنوات الحرب كان سعر متر الزفت 2400 ليرة و متر البحص 500 ليرة أما الآن يصل سعر متر الزفت إلى 42 ألف ل.س و متر البحص إلى6000 ليرة و بذلك تكون التكلفة ازدادت بنسبة 1700% على أقل تقدير وبعد أن كانت تكلفة الكيلو متر الواحد تتراوح بين 3-3,5 مليون ل.س أصبحت اليوم تتراوح بين 36 – 38 مليون ل.س ..
من جهة ثانية و على سبيل المقارنة لابد أن نشير إلى أن الاعتماد في عام 2010 كان يصل إلى 800 مليون ل.س أما اليوم و رغم زيادة حجم العمل و تكليف المديرية بالطرق الزراعية و غيرها لا يتجاوز الاعتماد مبلغ 350 مليون ل.س .. كل هذه الحقائق تضعنا أمام أمر واقع لابد أن نجد له الحلول المبتكرة الناجحة لتخطي الصعوبات و تنفيذ ما يمكن وفق المتاح… فهل ستجد الاقتراحات الجديدة الديناميكية اللازمة لتنفيذها .؟
هنادي سلامة