( من هنا مرّت الحرب) فجردت السواقي من ربيعها ، وملأتها بخريف التراب، فكيف لزورق الوطن أن يشق طريقه في النهر ؟ بريشة الضوء وفوق مخمل أخضر تارة وأحمر تارة ً ، تغمس الشاعرة « سمر الغانم » تلك الريشة في محبرة ملأى باليأس والأمل وبتلال الدهشة وهضاب المفاجأة، ولاتخلو من سهل منبسط تحاول حراثته ، لتفسح المجال لبذور الفرح والنصر أن تنتش وتنمو.
من قصيدة ( عصفورة اللوز) نسمع تغريدته / عميقة كقطرة ماء في بحر ضباب منس) عفوية كزهرة ذهب تغرس ابتسامتها بذور فرح / حول ذاكرة العطر يعرش عاليا ً طيف الورد /تقطف بال الدهشة / تحتطب صوتا ً عميقا ً / في هذا المقطع تطالب الشاعرة ( أمين الماء وهو المسؤول عن توزيع الماء على الحقول ) أن يرفع البوابة ، كي يتحرر الماء المسجون خلف قضبانها عله يملأ سواقي حياتها وحياة وطنها بالخصب والنماء والري لأشجار صوّح أغصانها برابرة القرن الواحد والعشرين . ومن (قصيدة قزحية القدر) مبعثرة عين الأشياء في قزحية القدر / مترامية على طرفي رصيف/ وجدار لظى أشواق وأسرار/ الوجوه تصرخ دون ما أدنى صوت / قصيدة تنسدل أشعتها على جناحي الحياة / نبتة العطر تنمو في رابية الروح/ هذا الزخ من الصور، يروي لوحة الفن بالرؤى والألوان فيبرق الجمال، ويلمع الابتكار، وتفرد الروعة أجنحتها محلقة في فضاء جديد . ومن قصيدة (سلام ) هو الفرح المسافر وعناكب النسيان/ ألقت بظلها على شهقة رغيف ومشط سنبلة/يجدل الياسمين ضفيرة السلام/ لايتوقف مطر الصور الفنية الجميلة أبدا ً، حتى يملأ خوابي الديوان قاطبة،فهو يهطل من سحاب مسحور أرادته الشاعرة شلال نور يغسل حمأة الظلام والظلم،ويمحو سواد الجهل والتجهيل.
ومن قصيدة (خدر الياسمين) متقطعة أوصال مدينتي / حاجز هنا وتائه هناك / علقت شهادتي وكتبت نعوتي/ على أديم الزهر وسعف النخيل/ تجشأت الفيافي حتى طلوع الفجر/ يداي أضحت جذورا ً ومنجل/ إن المعاني في هذا المقطع لم تقصدها الشاعرة لذاتها، ولكنها أضاءتها بشعاع من الخيال، وألبستها ثوب الفن الرفيع، فلم تدع نفسها ، تبحر في ساقية اليأس ، بل كانت تجدف بشجاعة للوصول إلى جزيرة الأمل .
ومن قصيدة ( الطواف الأخير ) / هللوا وكبروا للوطن جاء العريس في كفن/ يحمله رفاق السلاح وأجنحة الغار والألم / عندما انطلق السهم من الوتر، أجهش القوس بالبكاء على عريس نزف حتى الموت في ليلة عرسه فاصطبغ الأفق بحمرة الشفق معلنا ً بدء عصر الشهادة .
في هذا الديوان صفاء للذوق الأدبي الراقي، وسعة وافرة للخيال المجنح، وإرهاف للحس الفني البديع ، وبوح صادق لأسرار الجمال، ولدى تجوالنا في شوارع الذهب في هذا الديوان لانصادف صالونا ً لصبغ الأظافر وتصفيف الشعر بل مدارس للمعاناة ، وقلاعا ً للوطن المعطاء .
نزيه شاهين ضاحي
المزيد...