إن المرأة التي تتجسد في بعدها الأسطوري ربة للجمال تنزاح في اتجاه ضدي معاكس لتصبح أفعى أو حية في بعض الأحيان, فالمرأة الواشية ليست إلا أفعى في قصيدة : – من ظهورات وضاح اليمن- للشاعر فايز خضور في مجموعته الشعرية : عشبها من ذهب .
وضاح هل غنيت تحت الماء
ملحمة الغواية ملهم الإبداع
أم شغلتك أشياء الحبيبة
عن مقارفة الغناء ..؟!
هل كان صندوقاً – كما زعمت –
يضم أعز ما ملكته
من ذهب وأثواب ودر نادر
ونفائس الأطياب ..
في طياتها حشرتك واقتعدتك
حيث تكتمت وتجاهلت وتباعدت
عن ذكر صيتك بين معزوزاتها ؟!
ألعلها تحميك من بطش المدجج
أو لتنجو وحدها أو أنها …؟!
فوضاح اليمن لقب لشاعر فارسي وسيم نزل اليمن مع بضعة أنفار أرسلهم كسرى لمؤازرة اليمنيين ضد النجاشي ملك الحبشة وفي اليمن أحب امرأة أصابها الجذام , شوهها وماتت فحزن عليها الشاعر عميقاً وغادر اليمن الى غير رجعة . نزل وضاح اليمن دمشق الأمويين أيام الخليفة الوليد بن عبد الملك وزوجته – أم البنين – ابنة عمه : عبد العزيز بن مروان .
وفي دمشق – على ذمة الرواة – نسجت قصة حب قاتل بين وضاح وأم البنين انتهت حين خبأته في صندوقها الخاص واحتال عليها زوجها واستهداه فكان له , وأمر بحمله ودفنه في بئر !! وفي دمشق دفن وضاح اليمن حياً .
فالمرأة هنا في انزياح عن النمط الأسطوري , أسطورة الجمال تصبح في وشايتها أفعى يجب الاقتصاص منها كما كان الاقتصاص من الأفعى المغوية التي تقمصها إبليس وأغوت حواء التي أغوت بدورها آدم فكان الخروج من الجنة فقصاص الأفعى كان بزحفها على التراب وحلول اللعنة عليها .
ولدى فايز خضور الذي عاش قصة عشق مماثلة في دمشق :
ويلاه من مكر الرجال
إذا اقتفى حيل النساء
أدعوك يا وضاح هذا العصر
أن تقتص من أفعى الوشاية
إنه الانزياح من النمط الأولى – المرأة – الى نمط الغواية الأولى : الأفعى أو الحية ومن وظائف النقد أن يتشبع هذا الانزياح ويلتقط الهزات الأسطورية وتشكيلاتها الشعرية الجميلة .
د. غسان لافي طعمة
المزيد...