( فوانيس كفيفة) مجموعة شعرية جميلة للشاعر الدكتور فراس القطان حاصلة على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي . فقد تميزت قصائده باهتمامها بموسيقى الشعر فهي كلاسيكية بقالب حديث وتعتمد على أسلوب الومضة ومثالنا على ذلك قصيدة بعنوان (إيقاع قصير) يقول :
وداعاً أيها القمر المنير ويا شمساً تسير ولا تسير أراك الآن تلعب في سماء ,وقربك مهرك المدمى الصغير, بكاك الّدوح وانتشر العبير وناجتك الليالك والعطور/ وقالت أنت عصفور جميل لمملكة السماء لنا سفير وقال حبيبي بعد حين آتي فنم واهنا قريرا يا أمير هم الأحباب عمرهم وميضٌ وايماءٌ وإيقاعٌ قصير.
إن أي قارىء عادي يرى منذ القصيدة الأولى أن هذا الشعر يستبطن معاني عميقة، كما ينطوي على أبعاد فلسفية دون أن يغرق الشاعر في تأملاته الفلسفية، ويظل محتفظاً بغنائيته التي تطرب الآذان والفؤاد .
موضوعات واقعية
أما أهم ما يميز هذه المجموعة الشعرية (فوانيس كفيفة)) أنها تقرأ واقعنا العربي الحالي – بكل ما يفيض به من مآس، ويزاوج الشاعر في قراءته بين معرفته بالتراث العربي ورموزه وحكاياته وأساطيره، والتاريخ الإنساني المعاصر لتصبح كل هذه الأشياء جزءاً من اللوحة الشعرية التي أبدع في رسمها.
يفتتح الشاعر القطان المجموعة الشعرية بقصيدة ( هتلر الرسام):
مازال في دمنا كليبٌ كلما هز الوصايا العشر فينا أشعلتنا شهوة الثأر المرابط في حنايا زيرنا المشتاق للحرب الفناء وكلما لبّى الوصايا عاد يشرعها، مدى الطوفان، جساس لو أن سهمك قبلة والخيل قافية تزيد الموعد المحتوم دفئا .
ويقدم الشاعر أمنياته( لو أن هتلر ظل رساماً يحاصرنا بألوان من الأزهار) ويقارن بين هتلر وبيكاسو ودافنشي. ولم تغب عن بال شاعرنا مأساة الوطن سورية فقد صبغت مجموعته الشعرية هذه بشكل مباشر أو موارب ،فقد تناول الإرهاب الذي صبغ كل شيء بالدم يقول: في قصيدة بعنوان: « ظالم العينين:» ما أجمل الظلم في عينيك ذباحا ؟! وهل رأيت امرأ للظلم مداحا؟! جمالك الحاد بعضٍ من مفارقةِ بين الجمالين كتمانا وإفصاحا |تموهين دروباً كنت أدركها صيرتها اليوم أطيافاً وأشباحا| طلاسماً ومجازات ألاحقها وأجمل الحبّ حبٌ مر لماحا تشف مثل ندى الزهر في حدقي وكلما رهفت تزداد إيضاحا تقطر الكحل من حزنين، تحتهما خدان مدا قواريراً وأقداحا يسد بابي بمفتاح الأسى وجعاً حتى أهيم فألقى الوجد مفتاحا.
ويصور الشاعر ألمه في زمن الجراح فيقول: شردت في الآه فاستمتعت في ألمي والدمع يغدو لبعض السقم جراحا ,لملمت أقسى بقايا الشوق في زمني فما هواي جميلٌ إن هو ارتاحا, ولو كآدم عدت الآن ثانية قلت أطعميني من الخدين تفاحا .
ويحاول الشاعر القطان أن يستكشف رؤى جديدة وكتابة جديدة، وهو لا يذهب بعيداً في مغامرات التجريب ، وإن كان يحاول أن يعبر عن ذاته خارج إيقاع الألوان وهو في وطن أبي العلاء المعري بكل حسه النقدي، وروحه المفكرة، وفلسفته يعبر عن ذاته. يقول في قصيدته :وشيت بي ودخلت معتقل الضمير أنأى مثلما نأت العبارة بالعبارة عندما اتسعت بها الكلمات وارتعد المدى المصلوب يقفوه الضباب, ووشيت بي قبل الغياب .
أما في قصيدته (إيقاع قصير) فنرى فيها قدرة الشاعر على تطويع الأوزان بين أصابعه كأنه صانع ماهر يصوغ من الطين الخام فناً جميلاً .
ولا ينسى شاعرنا مأساة فلسطين المحتلة المحفورة في قلوبنا فهي حية في قلبه تنبض على وقع قوافيه ,ففي قصيدته ( قامة ريم ) يرسم بأحرفه أجمل لوحة عن حبه المعتق للقدس … قالوا:وما اسمك؟ قلت القدس تسكنني من أمه الشمس لا يحتاج للقّب هنا جرار من الأشجان تنقشني والشعر ابني والحزن العتيق أبي أحبّها القدس فوق الحب إذ هطلت ,وحبا على شفة لولاه لم تجب وبتّ أغبط نوراً يستضيء بها حتى حسدت جسور الضوء في هدبي .
من الجدير بالذكر أن ديوان (فوانيس كفيفة) يتضمن 15 قصيدة للشاعر الدكتور فراس فرزت القطان من مواليد حماة عام 1979م يحمل دكتوراه في العلوم السياسية ويعمل أستاذاً في جامعة البعث .
خديجة بدور
المزيد...