أهداني كاتب روايته الوحيدة ومجموعته القصصية الوحيدة أيضا ,قرأت الرواية على فترات متباعدة ووجدتني كمن جلد ذاته بقراءتها ،ففكرتها مطروقة تتلخص بمقتل بطل الرواية بعد أن صدمته سيارة تقودها فتاة مخمورة في بلد عنوانه التعصب والانغلاق ,ولغتها تقريرية خالية من أي شعرية تشبه أحاديث النساء حول صناعة «المكدوس» في هذه الأيام .فلم أكتب عنها وجعلتني أعاف المجموعة القصصية خوفا من جلد ذاتي كما حدث في الرواية حيث لا فائدة ولا متعة من قراءتها ,وكتمت الأمر لئلا أضطر لإبداء رأيي فيما لم يعجبني ,حتى مر وقت طويل عدت بعده لقراءة المجموعة القصصية بعد أن وقعت في يدي مصادفة ,فاجأتني لغتها الباذخة الشعرية دون أن تضر بعناصر القصة فقصصه تتضمن حدثاً واقعياً يتنامى ليعطي الحل في النهاية ويوجد في تلك القصص كلاسيكية جديدة فهي تراعي القواعد الأساسية في السرد القصصي إذ يجد القارئ الشخصيات والحدث يتماهيان في تطور واضح ,عدا عن عنصري الزمان والمكان والحوار ,وهذا كله من كلاسيكيات الكتابة القصصية خاصة مع النهايات المفتوحة والميل الواضح نحو التجريد ,وتحويل الأحداث إلى رموز ومعان دون الوقوع في مطب نقل الواقع كانعكاس مباشر , حيث يجد القارئ نفسه مضطرا لتوقع الخاتمة كل بحسب تجربته الذاتية .وهذا أسلوب مختلف تماما عن الرواية ومن الواضح أن تجربة الكاتب الذاتية كان قد وضعها في كتابه القصصي الأول ونحن نعلم ماذا يعني الكتاب الأول إنه المكتوب بعاطفة صادقة وبتجربة ذاتية بينة تجعل القارئ مضطرا لالتهام ما تبقى من وجبته اللذيذة تلك وربما من هنا يعلي النقاد في كل مناسبة من شان الذاتية في الأدب ويتلصصون على ذات الكاتب من ثقب الباب في كل نتاج جدير بالقراءة .
ميمونة العلي
المزيد...