انسياب الألوان والألحان وتداخلها تعطي لوحات وأنغاماً تبهر المشاهد والسامع وتجذبهما الى مكنونات المعاني والتي تحملها كل لوحة أو معزوفة وقد أشار العديد من الفلاسفة الى أنه من الصعب أن ننكر أهمية الفن والجمال وأثرهما في حياة أي مجتمع حتى التصق الفن بحركة الحياة / حلوها ومرها / وثابر على تطوره وصولاً الى العصر الحديث / عصر العولمة / الذي لا تستطيع تياراته تشويه جماليات الفن فالجمال يعبر عن ذاته وأخذ دوره يزداد يوما بعد يوم حتى غدا كالنسيم في خصائص حياتنا اليومية كاللبس والسكن إذ أن طبيعة الفن ليست قاصرة على العمل الفني في حد ذاته فحسب لكنها مرتبطة أيضاً بخصوصية المجتمعات الإنسانية وبشخصية الفنان المبدع والظروف التي يعيش فيها أنها على اتصال وثيق بالمجتمع الذي من أجله قام الفنان بإبداع وابتكار نتاجه الفني .
إن الأعمال الفنية التي يبدعها فنانو أي شعب من الشعوب ليست في الواقع إلا انعكاسات لحياة هذا الشعب ولآماله وتطلعاته .. وتبرز الدراسات الفنية تاريخ حياة الشعوب من خلال ما وصل إلينا من أعمال فنية قام بإبداعها فنان تلك المرحلة من الزمن حيث كان الفنان يمثل الوجه الحضاري لمجتمعه .. وهكذا نرى أن الفنان بشكل أو بآخر كان ملتزماً بطموحات مجتمعه فهو يجسد آماله وآلامه وهذا الالتزام يترجم معايشة الفنان لأحداث مجتمعه ويعبر عن قضاياه إذن يجب على الفنان أي فنان أن يستمد نسغ نتاجه من حركة المجتمع ويعبر عنها بوجه حضاري متميز وهذا يؤكد ويدلل بصورة غير مباشرة أن للفن رسالة حضارية وتربوية و ليس فقط الفنون المرئية والتشكيلية إنما يدخل في نطاقها فنون الأدب والموسيقى .. و …
فالهدف إبراز الخصائص المشتركة بين كل هذه الفنون فالفن رسالة تربوية والفنان الصادق هو الذي يغني هذا المفهوم بقيم ترقى بالفن وتساهم في تعميق الخصوصية المجتمعية لأي أمة من الأمم ولكي يأخذ الفن دوره في مجتمعاتنا العربية لابد من الانطلاق من شعبية الفن وهذا يعني أنه على الفنان أن يستلهم موضوعاته من حياة شعبه يتحسس مشاكلهم وتطلعاتهم ماضيهم وحاضرهم وأن يصوغها بقالب فني وحضاري تجعل ما قام بإبداعه مفهوماً ومقبولاً لديهم بهذا يحقق الفن والفنان رسالته التربوية والحضارية ويعبر عن المرحلة التي عاش بها أما إذا ترك الفن محرراً من هذه الوظائف عندها قد يكون معرضاً للتهجين ولاختراق تيارات العولمة على إبداعاته وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى فقدان الخصوصية المجتمعية وحتى التربوية ومن ثم الضياع في فضاءات العولمة بعيداً عن مجتمعه وأمته ويفقد بذلك ( أي فنان ) دوره التربوي والاجتماعي والحضاري .. لذا على جميع أفراد المجتمع ولاسيما المثقفين والفنانين إظهار الموروث الحضاري لأمتهم وخاصة في الأيام الراهنة حيث تشتد رياح الخطوب المستهدفة وجودنا كافة .
إن الفن حقيقة هامة وجذوة وجدانية ملهمة بكل زمان ومكان ومن هنا تدخل الرؤيوية والسمعية أيا يكن شكل ونوع الفن في محطات تطوير الذائقة الفنية وخاصة عند جيل الشباب الذي لا يهمه من الفن إلا صيغ الجمال المرئي فهو يبتعد تدريجياً عن معاني و دلالات جميع الفنون .
بسام عمران
المزيد...