منذ ثماني سنوات ونيّف، هي الحرب الظالمة على وطني، بكلّ أهوالها وقسوتها، ففي كلّ حربٍ ضَرُوس، تتداعَى قِيم، تنهارُ أخلاق، تتبدّلُ مفاهيم، تتورّمُ جيوب، كما تتورّم نفوسٌ، هكذا بوضح النّهار، بلا رَوادِع «وعلى عِينَك يا تاجر»، دون خوفٍ منْ رقيب أو حسِيب، أو تأنيب منْ وخزة ضميرٍ، أو وقفة صحوٍ مع الذات! الذي دعا قلمي «سلاحي» لكتابة هذا المقال، ما أراه – كغيري – رؤية العين، وما أسمعه سمْع الأذن، وما ألمسه على الأرض – ونحن لا نزال في أجِواء الحرب وتَبِعاتِها – عن ارتكاب تجاوزات وتصرّفات سيّئة، لم تكن معروفة بمجتمعنا السوري قبل– المؤامرة، على هذا النّحو من الفظاظة والتّجاوز ، كأنّ أصحابها يُطبّقون النظرية «الميكيافيلية»: «الغاية تبرّرُ الوسيلة»!! أقول بصوتٍ عالٍ: لقد شارك في الحرب الظالمة على وطني وأناسِيِّهِ: تجّارٌ فاسِدون، وأشرارٌ لا يتورّعون عن ارتكاب مُوبقات الغشّ والفساد والاحتيال واللصوصيّة والابتزاز والجشع والتّهريب، وهناك تجّار المخدّرات، والمتلاعبون بالليرة السورية، وبالعملات الصّعبة، في الأسواق السوداء، كسواد وجوههم، وقباحة أفعالهم.. لقد اجتمع حُثالةٌ من الشّذاذ، لا تجمعُهم إلّا الأيام السّود، «وقنْصُ الأرْباح مِنْ هموم الناس ومعاناتهم وأوْجاعهم»، التي لا يحصيها اليوم عَدٌّ، ولا عَدّاد!!لذلك يجب مُحاسبة مَنْ يتطاول على نصوص القوانين، وأوْجاع الناس «المعتّرِين»، ومَنْ يسْطو على المعونات الإنسانية، «ومَنْ يحتكر أسطوانات الغاز، أو يتاجر بثمن ربْطة الخبز، أو ثمن صفيحة البنزين أو المازوت، وهلمَّ جَرّاً؟! إنّها حقوق مشروعة للمواطنين الملدوغِين منْ نار الحرب، من أفاعي الإرْهاب، وجِنايات الجُناة؟ نعم بالظاهر المرئي ثمّة أوْجاع الحرب في انهيارات أخلاقيّة، تداعِي مُثُلٍ عُليا، و ملوك وأمراء وحُكّام وساسة ومتآمرون، تعاونوا مع الأجنبي الغريب ضدّ أشقّائهم، وأبناء جِلدتهم، باعُوا عقولهم وكرامتهم للشيطان الأكبر، «أمريكا»، وربيبتها الصّغرى «إسرائيل»، ومَنْ لفّ لفّهما بالإجرام الدولي المنظّم، وقهر الشعوب الآمنة، وسلب مواردها!! في البدء: خسروا ضمائرَهم، أو ما تبقى منْ حُثالتها، لتحطيم عددٍ من «بلاد العرب أوطاني»، المعروفة بتاريخها العريق، وحضارتها المُتأصّلة، وزَرْع جِيْنات «الفوضى الخلّاقة» بين جنباتها، باسم «الرّبيع العربي» المُزيّف، لتدميرها من الداخل! هناك قصفُ طائرات عربية لمدن عربية، وانحطاط أنظمة «شقيقة»، تبادر كغيرها إلى الحرب على «أشقاء» لها ، هنالك هَرْوَلة سياسيين انتهازيين إلى عددٍ من دول الخليج، ليضعوا بين أظفار سَاستِها الجَهَلة «مصير فلسطين»، وتاريخها المُضمّخ بعطور الطّهر، ورائحة نبات «الطيّون».. بالظاهر علاقات «خليجية – إسرائيلية»، تحديداً لقاءات «سعودية – إسرائيلية»، هكذا بفضائحيّة مكشوفة، بلا خجل وطني، أو حَياء عُرُوبي، أو قومي، بعد الآن!! على الضفّة الأخرى، ثمّة زَهْوٌ إسرائيلي غير مسبوق، بأنّ بلاداً عربية «لا ترى أنّ إسرائيل عدوٌّ تاريخيّ نازيّ بتاتاً»، كأنّي بها لم تسمع عن مجازر «قِبية، ودير ياسين»، وعن الحروب الظالمة على غزّة وشعبها الصّابر المُحتسِب، وعن حرب الأيام الستة بحزيران النّكسة 1967، ولم تسمع بمجازر «صبرا وشاتيلا»، ومذبحة «قانا» الحزينة، بلبنان الشقيق.. والقائمة تطول!! على المقلب الآخر، هناك منعطفٌ بالغُ التأثير والدّلالات، إقليمياً ودولياً، هو توهّج وبُزوغ قوّة جديدة حديثة ومُسْتحدَثة، تجمع بين أعطافها «سورية، إيران، روسيا، وحزب الله»، إذْ ربّما كان هذا اللقاء المهمُّ «والأهمُّ»، أبعدَ من الحلم ببدايات الحرب المريرة، لكنّه اليوم أضحى حقيقة كبرى، معجونة بالدّماء والتطلّعات والإرادات! هذا يعني: «أنّهم ثبّتوا بالتراب السوري المقدّس بوصلة هادية، ترفضُ أشكال القهر والظلم؛ وأنّ الواقع المَعِيش قد تجاوز حلمنا بأشواط، بجبهة شرقيّة مُتواشِجة من قلوبٍ صادقة، بين قطرين شقيقين: سورية والعراق»!! الحقَّ: لم نشهد من قبلُ مثل هذه الشّراكة بين الأشقاء، للتصدّي لوحشيّة الإرهاب «الدّاعِشي» وجرائمه، وللإرهابيين بعامّة، الآتينَ منْ خلف الشيطان، من صُلبه، إنْ لم يكونوا مع مشغّليهم وأسيادهم، الشيطانَ عينَهُ وذاتَهُ، بوقتٍ معاً!
وجيه حسن